ينتهي عام 2023، ويتركنا في حيرة بشأن كيفية الاحتفاظ بقيمة الأموال وحمايتها من التقلبات الجيوسياسية وارتفاع الأسعار الذي يلهب جيوب المستهلكين حول العالم، ويبرز الدولار والذهب على رأس الخيارات الاستثمارية المفضلة.

لكن مع تقلب أسعار الذهب والدولار عالمياً، يتكرر السؤال الذي يشغل ذهن الكثيرين؛ هل الأفضل الاستثمار في الذهب أم الدولار أم الاتجاه إلى أصول أكثر مخاطرة مثل الأسهم لتحقيق المكاسب؟

ورداً على هذا السؤال، قال عاصم منصور، كبير استراتيجيي الأسواق لدى شركة أوربكس في مقابلة مع «CNN الاقتصادية»، «الاختيار بين الذهب والدولار يعتمد على المدى الزمني والعائد الذي يستهدفه المستثمر».

وينصح منصور أصحاب الأموال الراغبين في الاستثمار على المدى القصير والمتوسط بالتركيز على الأسهم، خاصة مع اتجاه البنوك المركزية إلى خفض أسعار الفائدة في عام 2024، ما يسمح لأسواق الأسهم بتسجيل مكاسب قوية.

أما الذهب فيظل الاختيار الأفضل للمستثمرين الباحثين عن الاستثمارات طويلة المدى، نظراً لأن معدلات التضخم الحالية لا تزال مرتفعة نسبياً على أهداف البنوك المركزية، بحسب ما ذكره منصور.

ولطالما كانت العلاقة بين الدولار والذهب عكسية في الأوضاع الطبيعية، إذ إنه عادةً ما تنخفض أسعار الذهب في فترات قوة الدولار والعكس صحيح.

لكن في الآونة الأخيرة أصبحت هذه العلاقة موضع تساؤل في ظل التحديات الاقتصادية والجيوسياسية التي تخيّم على المشهد العالمي في عام 2024 والتي ستمثل محركاً رئيسياً لأسعار الذهب والدولار خلال العام، خاصة مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم وتزايد مخاوف الركود الاقتصادي.

تداعيات الركود على أسعار الذهب والدولار

يتميز الذهب بدوره المزدوج كسلعة استهلاكية وأصل استثماري في الوقت ذاته، فهو لا يستمد قوته من كونه وعاء استثمارياً فحسب، بل باعتباره سلعة وسيطة تدخل في العديد من الصناعات أيضاً، فضلاً عن إقبال البنوك المركزية على زيادة مخزونها من المعدن الأصفر للتحوط ضد التضخم.

لكن، إذا أصبح الركود حقيقة واقعة فإن ضعف النمو سيساعد على خفض التضخم إلى أهداف الاحتياطي الفيدرالي، ما قد يؤدي بدوره لخفض أسعار الفائدة وخفوت جاذبية الدولار كاستثمار مربح، وتاريخياً شكلت مثل هذه البيئة أجواءً إيجابية للذهب، بحسب تقرير مجلس الذهب العالمي.

وفي الظروف الاقتصادية الطبيعية، غالباً ما يؤدي انخفاض أسعار الفائدة الأميركية إلى تراجع عوائد سندات الخزانة، ما يضعف قيمة الدولار، لكن الوقت الراهن له خصائص مختلفة قليلاً؛ بسبب التوترات الجيوسياسية المتنامية حول العالم، والتي تعزز الطلب على العملة الأميركية باعتبارها ملاذاً آمناً.

وعلى الرغم من إشارة الاحتياطي الفيدرالي إلى احتمالات خفض أسعار الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في عام 2024، فإن المراهنين على صعود الدولار يتوقعون قيام البنوك المركزية حول العالم بتخفيضات مماثلة في الفائدة لديها، ما يؤدي في النهاية إلى فروق سعرية لصالح الدولار.

وقال منصور لـ«CNN الاقتصادية»، «لا يريد الفيدرالي الأميركي دفع الاقتصاد إلى الركود، والاضطرار إلى خفض معدلات الفائدة بشكل حادٍّ، لذا قد يتخذ نهجاً تدريجياً في خفض الفائدة، وقد يكون أول قرار خفض الفائدة في مارس آذار 2024، يليه الخفض الثاني في يونيو حزيران، ليصل إجمالي خفض الفائدة في العام المقبل إلى ما بين 75 و100 نقطة أساس».

الدولار والذهب في ظل سيناريو الهبوط الناعم

من منظور تاريخي، قد يؤدي سيناريو الهبوط الناعم للاقتصاد الأميركي إلى ضعف ​​أداء الذهب وتعزيز قيمة الدولار بدعم من مرونة الاقتصاد الأميركي، وفي هذا السياق قال منصور «في حالة تثبيت معدلات الفائدة الأميركية في نهاية الربع الأخير من عام 2024، قد نرى مكاسب للدولار بسبب اتساع الفوارق بين الفائدة الأميركية وبقية معدلات الفائدة في كل البنوك المركزية».

على الجانب الآخر، توقَّعت شركة الاستشارات الاستثمارية (كامبريدج أسوشيتس)، في تقرير صدر في ديسمبر كانون الأول، خفضاً متواضعاً لأسعار الفائدة من قِبل الاحتياطي الفيدرالي في عام 2024، ما يزيد تكلفة الاحتفاظ بأصول لا تدرُّ فائدة مثل الذهب، ويجذب المستثمرين لأصول أكثر ربحية مثل العملات النقدية، وعلى رأسها الدولار.

لكن تجب الإشارة إلى المشهد العالمي الحالي الذي يعجُّ بالظروف الاستثنائية؛ على سبيل المثال أشار مجلس الذهب العالمي إلى أن عام 2023 شهد حدثين خطيرين تسببا في تفاقم المخاطر المالية والجيوسياسية، وعززا مكانة الذهب كاستثمار أكثر أماناً واستقراراً، وهما؛ انهيار بنك سيليكون فالي، والحرب بين إسرائيل وغزة.

وقال المجلس «أضافت هذه الأحداث بين ثلاثة وستة في المئة لأسعار الذهب، وفي عام يشهد انتخابات كبرى تُجرى على مستوى العالم، بما في ذلك أميركا وأوروبا والهند وتايوان، فمن المرجح أن تكون حاجة المستثمرين إلى التحوط بالذهب أعلى من المعتاد».

من جانبه، أشار منصور إلى أن الدولار يأتي على رأس قائمة الملاذات الآمنة في ظل التوترات الجيوسياسية، تليه الأصول ذات العائد الثابت مثل السندات، قائلاً «لا نزال في وقت يتسم بالعوائد المرتفعة على السندات الأميركية، ما يضع الذهب في نهاية القائمة؛ لأنه أصل لا يدرُّ عائداً بشكل دوري، وبالتالي تكلفة حيازته ستكون مرتفعة».

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version