خاص

اقتصاد الصين – نهر سوتشو في منطقة لوجياتسوي المالية شنغهاي

تواجه الصين مجموعة من التحديات الاقتصادية في العام الجديد، بعد أن شهدت تباطؤاً خلال العام الماضي 2023 رغم إلغاء تدابير كورونا وسياسة “صفر كوفيد” التي أثرت إلى حد كبير على الاقتصاد الصيني.

كما شكلت أزمة القطاع العقاري عقبة واسعة أمام ثاني أكبر اقتصاد في العام، فيما تلفت تقارير الانتباه إلى أثر “المشاكل التنظيمية” في خنق الاقتصاد الصيني، وجميعها عوامل مستمرة خلال العام الجديد 2024.

فما هي أبرز التوقعات الاقتصادية للصين في هذا العام؟

الرئيس الصيني شي جين بينغ، أكد في خطابه للأمة، الأحد الماضي، بمناسبة رأس السنة أن اقتصاد بلاده بات “أكثر ديناميكية وقدرة على الصمود من قبل”.

شهد شي تحديات كبيرة عام 2023 على رأس ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم إذا كافحت حكومته للمحافظة على الانتعاش الاقتصادي منذ تخلت بشكل سريع عن سياسة صفر كوفيد المشددة قبل عام.

  • وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني، قد أعلنت عن أن توقعاتها للصين في عام 2024 محايدة، لكن الدولة ستظل تواجه رياحا معاكسة من انحسار الطلب الخارجي وتحديات قطاع العقارات وأدوات دين الحكومات المحلية
  • قالت فيتش إن إجراءات دعم السياسات وبالأخص السياسة المالية ستنفذ على الأرجح بحكمة للحد من المخاطر، التي تشكل ضغطا نزوليا لكن “مثل هذا الدعم قد يبقي العجز المالي متسعا وسيضع ضغطا صوب زيادة معدلات الدين.
  • كما خفضت وكالة موديز للتصنيف الائتماني أخيراً توقعاتها بشأن التصنيف الائتماني للحكومة الصينية من مستقرة إلى سلبية مشيرة إلى تباطؤ النمو الاقتصادي على المدى المتوسط والمخاطر المترتبة على تراجع قطاع العقارات الكبير في البلاد.
  • وفي تعديل نادر في منتصف السنة المالية زادت الصين في أكتوبرهدفها لعجز ميزانية عام 2023، إلى 3.8 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي مقارنة مع ثلاثة بالمئة في الهدف الأصلي.

تعافي جزئي

من جانبه، قال نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم، حسين إسماعيل، عن التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني في العام الجديد 2024، إن الاقتصاد الصيني خلال 2023 تعافى جزئيا من توابع جائحة كوفيد 19، وبدأ يشهد انتعاشًا، ولكنه ليس الانتعاش الذي كان مأمولاً من جانب الحكومة الصينية، وأبرز التحديات المواجهة للاقتصاد ربما استمرار الوضع الدولي فيما يتعلق بسلاسل الإمداد وتباطؤ نمو الاقتصاد الدولي على اعتبار أن الاقتصاد الصيني مرتبطًا بالاقتصاد العالمي.

وأضاف إسماعيل في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الصين دولة مُصدرة كبيرة، وتباطؤ نمو الاقتصاد سواء في الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأميركية أو أجزاء أخرى من العالم هذا بالتأكيد سيؤثر على الاقتصاد الصيني، في حين أن الأمر الآخر عندما بدأت بكين عملية إعادة هيكلة لاقتصادها بالتركيز على مقول جودة الاقتصاد وليس على حجم الإنتاج الكمي بالتأكيد سيؤثر على الاقتصاد الصيني في مرحلة التحول للاعتماد على المنتجات العالية التقنية.

وتابع: الصين أيضا أخذت في السنوات الأخيرة إلى تضع البعد البيئي والإيكولوجي في معدلات نموها الاقتصادي مما يُحجم نمو الاقتصاد باعتبار أن الصين من الدول التي تُلحق أضرارًا بالبيئة وتترك تأثيرًا سيئًا على البيئة وهذا لم يعد مسموح به، باعتبار أن الصين وضعت هدف تحقيق الحياد الكربوني، ولكن في نفس الوقت تستخدم جهودها لفتح أسواق جديدة في الشرق الأوسط وأميركا الجنوبية ومنطقة جنوب شرق آسيا، وأيضا الصين تحقق اختراقات في تلك المناطق، وهناك نمو ملحوظ لحجم التبادل التجاري بها.

واستطرد نائب رئيس تحرير الطبعة العربية لمجلة الصين اليوم: الصين نجحت إلى حد كبير في إعادة تحويل العائد الديموغرافي، فالصين كما هو معلوم بدأت تشهد نقصًا في القوى العاملة، وبالتالي توسعت في التدريب والتعليم العالي الجودة وبدأت تستفيد أكثر في تدريب القوى العاملة من خلال تراجع حجم هذه القوى في الصين نتيجة لانخفاض معدل المواليد في السنوات الـ20 أو الـ30 السابقة، كما أنها تعمل على الاتجاه للصناعات التي تُحقق عائدًا أكبر وتحديدًا الصناعات التكنولوجية، كما أن لديها عديد من المؤسسات التي تعمل في المجال التكنولوجي ولديها الإمكانات التي من خلالها يمكنها تحقيق تقدمًا كبيرًا وأبرز مثال على ذلك شركة “هواوي”.

وتعليقًا على هيمنة المشاكل التنظيمية على توقعات الصين الاقتصادية لعام 2024 بعد اعتراف الرئيس الصيني بأنه عام قاس، قال: “معظم المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي تتوقع نمو الاقتصاد الصيني بمعدل يزيد عن 5 بالمئة، وأعتقد بأن ذلك معدلاً معقولاً جدًا في ظل ما يشهده العلم من تباطؤ النمو الاقتصادي، وربما لا يطمح الصينيون في أكثر من ذلك، وأعتقد بأن الصين قادرة على تحقيق هذا المعدل إذا لم تحدث حوادث مفاجئة أو غير متوقعة تعوق الصين عن عدم الوصول لما هو مطلوب”.

المشاكل التنظيمية

وينظر إلى “المشاكل التنظيمية” باعتبارها واحدة من معيقات الاقتصاد الصيني، وهو ما أشار إليه تقرير نشرته صحيفة “الغارديان البريطانية”، أفاد بأن:

  • المشاكل التنظيمية أصبحت على مر السنين من سمات اقتصاد الصين الذي يبلغ حجمه 19 تريليون دولار.
  • لقد انقلب سوق العقارات بعد ازدهار متواصل دام 20 عامًا تقريبًا، وهو ما شجعته الحكومة نفسها. ويواجه الإسكان الآن، الذي يبلغ نحو ربع الناتج المحلي الإجمالي، سنوات من الانكماش مع تكيفه مع زيادة العرض المزمنة وانخفاض تكوين الأسر.
  • يعاني مطورو العقارات والحكومات المحلية والمؤسسات الحكومية من مستويات عالية من الديون ويواجه العديد منهم صعوبات في خدمة الديون. ويعكس الغياب الفعلي للتضخم عدم كفاية الطلب الكلي.
  • ومن الأمور البارزة أيضًا توقف نمو الإنتاجية، وتسييس التنظيم وبيئة الأعمال، والشيخوخة السريعة، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وعدم المساواة.

اختلالات اقتصادية

ووفق الصحيفة “قد يبدو من الفظاظة لفت الانتباه إلى هذه الأشياء في ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ومركز الصادرات العالمية، وسلاسل التصنيع والتوريد، وموطن علامات تجارية مثل علي بابا، وتينسنت، وتيك توك”.

ومع ذلك، تذكرنا اليابان قبل ثلاثين عاما بأنه من الممكن تماما أن يكون لدينا جزر من التميز التكنولوجي والزعامة، وأيضا اختلالات اقتصادية عميقة، وانكماش فقاعات الأصول، والإفراط في الديون، ونقاط الضعف المؤسسية التي تهدد النمو والرخاء. ولم تتمكن البراعة التكنولوجية من منع اليابان من الاستسلام لعقودها الضائعة، ولا يوجد سبب للتفكير بشكل مختلف في الصين.

وأضاف التقرير: “من المرجح أن تكون توقعات الصين للعام 2024 أكثر تحديا من توقعات العام الماضي. ومن المحتمل أن يتبنى الحزب الحاكم هدف نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5 بالمئة مرة أخرى، لكنه قد يكون أكثر مراوغة من هدف عام 2023، الذي شهد ضعف كوفيد في عام 2022 على سبيل المقارنة”.

  • في الشهر الماضي، حدد مؤتمر العمل الاقتصادي المركزي السنوي أولويات عام 2024، بما في ذلك الابتكار العلمي والتكنولوجي، والطلب الأقوى، والاستقرار، والتنمية الريفية والتكامل، والاستثمار المنخفض الكربون والبيئة.
  • ومع ذلك، قالت الحكومة أيضًا إن العوائق التي تعترض التعافي لا تزال قائمة، مستشهدة بعدم كفاية الطلب، والقدرة الفائضة في العديد من القطاعات، وضعف التوقعات الاجتماعية و”لا تزال هناك مخاطر عديدة وأخطار خفية”.

وأفاد تقرير صحيفة “الغارديان البريطانية”بأنه:

  • سوف يظل أولئك الذين يتوقعون تحفيزاً وإصلاحات حقيقية في مجال الاقتصاد الكلي يشعرون بخيبة الأمل.
  • سيكون هناك بعض التخفيضات الضريبية وتخفيضات الرسوم للشركات والمزيد من الدعم لسوق الإسكان المحاصر ولكن فقط لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد.
  • سوف تظل السياسات النقدية والائتمانية “حكيمة”.
  • ليس هناك ما يشير إلى أن الحكومة ستتبنى إجراءات جادة لتعزيز الطلب الاستهلاكي ودخل الأسر. ويقال إنها قررت بدلاً من ذلك “تعزيز الدعاية الاقتصادية وتوجيه الرأي العام.

تحديات 2024

وعن التحديات التي تواجه الاقتصاد الصيني خلال العام 2024، قال أستاذ الاقتصاد، ومدير مركز البحوث الصينية السابق الدكتور ياسر جادالله، إن أبرزها يتمثل في تباطؤ معدل النمو الاقتصادي، والأزمة الخاصة بالعقارات، وصعوبة سداد المستحقات الخاصة بالعقارات، مردفاً: “اليوم ولأول مرة في الصين على الرغم من المدخر المتوسط في الصين، يتجه دائمًا لضخ مدخراته في قطاع العقارات لأنها الملاذ الآمن بالنسبة له، أصبح الآن خائفًا من هذا الأمر بدرجة كبيرة، مما يعتبر من أكبر التحديات المواجهة للاقتصاد الصيني”.

لماذا تراجعت حيازة الصين من سندات الخزانة الأميركية؟

وتابع جاد الله، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أنه على الرغم من أن البنك المركزي الصيني أجرى تخفيضات كبيرة في معدلات الفائدة لتشجيع الاستثمار، إلا أنه لم يجذب الكثير، موضحاً ان الأزمة التي تمر بها الصين فيما يتعلق بالعقارات تُشبه الأزمة التي حدثت في الولايات المتحدة الأميركية في 2008، وكانت تخص التسهيلات التي منحها البنك المركزي والبنوك التجارية التابعة له بمنح الشاب قروض للتمويل العقاري.

وأكد على محاولات الصين المستمرة للخروج من هذا الأمر، ويعتبر هذا من التحديات الكبيرة، لافتًا في الوقت نفسه إلى أن هناك مجموعة من الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة الأميركية في العام 2023 على الصين نجحت بدرجة كبيرة جدًا في التأثير على الاقتصاد الصيني، كما أن الإغلاق الذي أجرته الصين في فترة واتباعها سياسهة “صفر كوفيد” أثر بالسلب على الاقتصاد، مع الظروف العالمية والحرب في أوكرانيا.

  • رفع صندوق النقد الدولي، أخيراً توقعاته لنمو اقتصاد الصين في 2023 إلى 5,4 بالمئة على خلفية انتعاش الاستهلاك وإجراءات الدعم الحكومية الأخيرة.
  • كانت التوقعات السابقة تشير إلى نمو نسبته 5 بالمئة في ثاني اقتصاد عالمي، في حين رفع صندوق النقد الدولي أيضا توقعاته للعام 2024، مع نمو الاقتصاد الصيني، مع النمو الاقتصاد الصيني، بنسبة 4,6 بالمئة في مقابل 4,2 بالمئة سابقا.
  • أطلقت الحكومة أيضا اجراءات تحفيزية محددة الهدف لقطاعات مختلفة، لا سيما سوق العقارات المتعثر.
  • لكن الصندوق يتوقع أن “يبقى قطاع العقارات ضعيفا وأن يبقى الطلب الخارجي معتدلا”.

وتابع جاد الله: هناك الكثير من الدول التي كانت تعتمد على الصين من ناحية استيراد المنتجات اتجهت إلى دول أخرى، وذلك لا يعني أن الصين انحدرت كليًا لكنها بحاجة إلى مراجعة أمورها الخاصة مع الولايات المتحدة الأميركية، بما في ذلك القضايا الخاصة بحقوق الملكية الفكرية على سبيل المثال. كما أن بكين تعاني من أزمات داخلية متمثلة في انخفاض معدلات الأجور، علاوة على أنها بحاجة إلى تغيير السياسات الداخلية والخارجية للخروج من الأزمات الحالية.

وأضاف: على الرغم من أننا نرى الصين اقتصادًا قويًا إلا أن هناك الكثير من الأقاليم تعاني ظروفًا معيشية صعبة، وهناك الكثير من الأفراد يعانون ظروفًا قاسية، مؤكدًا أن العام 2024 سيكون عامًا صعبًا على الصين ككل، مع حدوث تباطؤ في النمو الاقتصادي مما يعني قلة حجم الإنتاج ويؤثر ذلك عالميًا، مما يصدر حالة من المشكلات العامة، ومن المتوقع حدوث انفراجة في نهاية العام.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version