خاص

الاحتياطي الفيدرالي الأميركي

تفرط الأسواق في التفاؤل بشأن اتجاه الفيدرالي الأميركي إلى خفض الفائدة قبل نهاية الربع الأول من العام الجاري، غير أن بيانات الوظائف الأخيرة ثم بيانات التضخم لشهر ديسمبر التي صدرت الخميس، وكلاهما بأعلى من المتوقع، قد حدت من ذلك التفاؤل بشكل أو بآخر.

  • تسارع معدل التضخم في أميركا بأكثر من التوقعات خلال ديسمبر الماضي، ما قد يؤخر خطوة تتوقعها الأسواق بأن يخفض الفيدرالي الأميركي أسعار الفائدة في مارس.
  • وبحسب البيانات المعلنة الخميس، فقد عاد معدل التضخم السنوي للارتفاع إلى 3.4 بالمئة في ديسمبر، مقابل 3.1 بالمئة في نوفمبر، فيما كانت التوقعات أن يسجل 3.2 بالمئة.
  • وعلى أساس شهري، ارتفع معدل التضخم في ديسمبر بنسبة 0.3 بالمئة، مقابل توقعات بارتفاعه بنسبة 0.2 بالمئة فقط، بعد أن ارتفع 0.1 بالمئة في نوفمبر.

وفيما يتعلق بمؤشر أسعار المستهلكين الأساسي (الذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة)، فقد استقر على أساس شهري عند 0.3 بالمئة في ديسمبر، كما كان متوقعا، لكنه تباطأ على أساس سنوي إلى 3.9 بالمئة، بأقل من التوقعات بانخفاضه إلى 3.8 بالمئة مقابل 4 بالمئة في نوفمبر.

يأتي ذلك في وقت يتبنى فيه عديد من المسؤولين والمحللين آراء مختلفة عن توقعات الأسواق، منادين بعدم استبعاد سيناريو “رفع الفائدة” في وقت يبدي فيه الاقتصاد مرونة.

  • رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس لوري لوجان، حذرت من أن الفيدرالي قد يحتاج إلى استئناف رفع سعر الفائدة قصير الأجل للحفاظ على الانخفاض الأخير في عائدات السندات طويلة الأجل من تجدد التضخم.
  • قالت في تصريحات كانت معدة للإلقاء في مؤتمر للجمعية الاقتصادية الأميركية في سان أنطونيو بولاية تكساس: “إذا لم نحافظ على ظروف مالية متشددة بما فيه الكفاية، فهناك خطر من أن ينتعش التضخم مرة أخرى ويعكس التقدم الذي أحرزناه”.
  • أضافت: “في ضوء تخفيف الظروف المالية في الأشهر الأخيرة، لا ينبغي لنا أن نستبعد احتمال رفع سعر الفائدة مرة أخرى من على الطاولة الآن”.

ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي بقوة في عام 2022 والجزء الأول من عام 2023 لخفض التضخم الذي كان أعلى مستوى منذ 40 عامًا، ولكن منذ يوليو الماضي أبقى سعر الفائدة ثابتًا في نطاق يتراوح بين 5.25 و5.50 بالمئة.

وأشار صناع السياسة الشهر الماضي إلى أنهم رأوا تقدما كافيا بشأن التضخم من المرجح أن يتم من خلال رفع أسعار الفائدة والتحول إلى خفض أسعار الفائدة هذا العام. استجابت الأسواق المالية من خلال المراهنة بشكل كبير على تخفيضات حادة في أسعار الفائدة هذا العام.

معدلات التضخم

المدير التنفيذي في شركة VI Markets أحمد معطي، قال إن بيانات التضخم تمثل مؤشرًا قويًا وهامًا فيما يخص اتجاهات الفيدرالي، قائلاً: “أعتقد بأن الأسواق مقبلة على موجة تضخمية جديدة”.

وأضاف معطي أن هناك سببين رئيسيين لموجة التضخم القادمة:

  • السبب الأول استمرار الأزمة التي يشهدها النقل البحري في البحر الأحمر حاليًا، والتي تبعها ارتفاع تكاليف شحن البضائع التي خطت الـ 180بالمئة عن المعتاد، إضافة إلى طول مدة الشحن وهذا ما تبعه انخفاض المعروض من هذه البضائع في الدول.
  • السبب الثاني ارتفاع عدد الشركات التي أعلنت إفلاسها والتي بلغت 55 ألف شركة في فرنسا على سبيل المثال، وأكثر من 6 آلاف شركة في الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى أن هناك أكثر من 400 ألف شركة بالولايات المتحدة أيضًا تطلب حماية من الإفلاس، هذا بالتوزاي مع موجة أخرى من الإفلاس وإضرابات في أوروبا.

وتناول معطي علاقة الإفلاس بالتضخم، حيث أوضح المعدل المرتفع لإفلاس الشركات سلاح ذو حدين؛ فالفيدرالي سيخفض الفائدة لخفض التكلفة على الشركات، وبالتالي تنخفض معدلات الإفلاس، لكن في نفس الوقت حالات الإفلاس المرتفعة هذه تخفض المعروض من منتجات وخدمات هذه الشركات، وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن تسعير الخدمات عاملًا هامًا في حساب معدل التضخم، وبالتالي فالخدمات قد ترتفع أسعارها بسبب نقص المعروض من السلع والخدمات.

واستطرد معطي: الفيدرالي في حاجة إلى أن يكون أكثر هدوءًا في خفض وتيرة الفائدة، وهذا ما دفع أحد أعضاء الفيدرالي لتوقع أن خفض الفائدة سيكون في الربع الثالث من 2024، وليس الثاني كما تشير بعض التوقعات.

وأضاف معطي أن هناك عناصر أخرى تسهم في حدوث موجات تضخمية جديدة منها سيناريوهات تخطي سعر برميل النفط حاجز الـ 80 دولار، وارتفاع أسعار الغاز الطبيعي أيضًا، متوقعًا أنه حال حدوث ذلك سيلجأ الفيدرالي إلى تثبيت سعر الفائدة، ولن يرفعها لأن القرار الأخير سينتج عنه إفلاس المزيد من الشركات وارتفاع معدلات الديون وسيدخل العالم في حالة الركود التضخمي. وتوقع أن أقصى تخفيض للفائدة سيلجأ له الفيدرالي خلال 2024 سيكون مرتين على أقصى تقدير.

ودفعت بيانات التوظيف الأخيرة في الولايات المتحدة إلى ارتباك واسع في الأسواق، بعد أن نمت بخلاف توقعات الأسواق.

  • نمت الوظائف غير الزراعية في أميركا خلال ديسمبر الماضي إلى 216 ألف وظيفة، فيما كانت التوقعات أن تتراجع إلى 170 ألف وظيفة فقط، بعد أن سجلت 173 وظيفة في نوفمبر.
  • بحسب مكتب إحصاءات العمل، فإن معدل البطالة في الولايات المتحدة استقر عند مستوى 3.7 بالمئة، على عكس التوقعات بارتفاعه إلى 3.8 بالمئة.
  • زاد متوسط الأجور في ديسمبر بنسبة 0.4 بالمئة على أساس شهري، فيما ارتفع على أساس سنوي بنسبة 4.1 بالمئة.

موقف الفيدرالي

كبير استراتيجي الأسواق BDSwiss MENA، مازن سلهب قال لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: لم يكن الفيدرالي الأميركي موفقاً بالكامل في تواصله مع الأسواق – البنك المركزي الأوربي كان أكثر نجاحًا-   التي بدأت تسعير خفض الفائدة الأميركية في الربع الأول 2024 – حالياً عند 5.5%- ، حيث كان جيروم باول وأعضاء صناعة السياسة النقدية الفيدرالية مضطرون إلى إعادة تأكيد الإبقاء على الفائدة مرتفعة في حربهم ضد التضخم.

وشدد سهلب على أن السياسة النقدية المتكيفة للفيدرالي الأميركي التي بدأت قبل سنوات وجدت لتبقى، بمعنى أن رفع الفائدة كان أيضاً براغماتياً ومتكيفاً مع ارتفاع التضخم  بعد الجائحة في العالم 2020 بتأثير عوامل خارجية،  داخلية وسياسات نقدية.

  وحلل سهلب الموقف الاقتصادي في الولايات المتحدة قائلًا:

  • الفيدرالي الأميركي لن يغامر بإرسال الاقتصاد الأميركي إلى ركود أو تراجع رغم إظهار الاقتصاد مرونةً ممتازة ونمواً فاق التوقعات وبقي سوق العمل قوياً والبطالة متدنية في أدنى مستوياتها في أكثر من أربعة عقود، كما أن الفيدرالي الأمريكي لايبني سياسة نقدية بتأثير من عوامل مؤقتة أو بيانات شهر واحد مثلاً, أو بتأثير من حرب تجري في مكان بعيد عن أميركا.
  • طبيعة الدورة الاقتصادية ستختلف الآن ومن الصعب أن يبقى النمو بهذا الزخم “أرقام التصنيع متباينة، الخدمات لاتزال جيدة، الانفاق والاستهلاك الشخصي جيد ولكنه سريع التغير”، وهذا يقودنا للاعتقاد أن أمريكا قد لا تدخل ركوداً في النصف الأول من العام الجاري، بينما سيتخذ الفيدرالي  قرار تخفيض الفائدة ولكن ليس بأكثر من 0.5 بالمئة الى 0.75 بالمئة على مراحل وليس مرةً واحدة في 2024 على أقل تقدير.

دورة طبيعية

واختتم بسؤال: “هل سيتراجع  التضخم بتأثير من التراجع الاقتصادي وتراجع أسعار الأصول ” تراجع الأسواق المالية مثلاً” أو سيكون تراجعه دورةً طبيعية حدثت من قبل؟ الجواب يكمن في أسعار الفائدة الحالية التي لاتزال مرتفعة حسب اعتقادنا مع تبعات كبيرة في خدمة الدين اللأميركي وديون الشركات وهذا سيجعل من تخفيض الفائدة عمليةً ليست سهلة كما يعتقد الكثيرون مع إجبار الأصول على التراجع دون الدخول في ركود عميق”.

أما الخبير الاقتصادي وخبير المخاطر المالية من الولايات المتحدة، محي الدين قصار، يقول لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إنه لا توجد مؤشرات حقيقية تشير إلى أن الفيدرالي سيرفع من معدلات الفائدة (..) خصوصًا وأن الإدارة الأمريكية مقبلة على الانتخابات الرئاسية خلال 2024.

وأضاف قصار أن عناك عاملين مهمين في تحديد إذا كان الاحتياطي سيرفع معدل الفائدة أم لا؛ الأول هو تضخم الأسعار والذي يبدو أنه بدأ  الآن بالخضوع لسيطرة الفيدرالي -رغم ارتفاع المعدل بأكثر من المتوقع في ديسمبر- والثاني هو معدلات البطالة والتي هي أيضا ضمن توقعات الفيدرالي.

وتوقع قصار أنه في أسواء الحالات فحال حدوثه فسيكون الرفع بمعدل ربع نقطة لا أكثر، واصفًا الأمر بمجرد التوقع لا أكثر.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version