كتب: بنيمين زرزور
خصوصية انتخابات الرئاسة الأمريكية لهذا العام تنبع من عدد من العوامل منها ما هو متجذر في النظام السياسي الأمريكي حيث المنافسة حكراً على الحزبين الرئيسيين، ومنها ما هو مرتبط بهوية المرشحين خاصة الرئيس الحالي الذي بلغ من الكبر عتيّاً، وسلفه ومنافسه الرئيسي دونالد ترامب، الغريب الأطوار.
بغض النظر عن الخلل والانتقادات التي توجّه للنظام الانتخابي الذي ربما عفا عليه الزمن، ولا مفر منه في هذه الجولة، سوف يواجه الناخبون خيارات ملزمة قد تنحصر في خصمين لا ثالث لهما رغم أن المنافسة بينهما أخذت في الآونة الأخيرة طابعاً شخصياً إلى حد كبير، تبادل فيها كل منهما الاتهامات وربما الشتائم، مع الآخر.
وقد عكست حملات الأيام القليلة الماضية بينهما اتهامات عززت قلق الأمريكيين ومعهم العالم من تصاعد موجة الشعبوية حيث تأخذ الولايات المتحدة ومعها العالم إلى أقصى مسارات التطرف.
من هنا تنطوي الانتخابات الرئاسية الأمريكية هذا العام على منافسة شرسة يقودها دونالد ترامب الذي بات الأقرب إلى الفوز بترشيح الحزب الجمهوري. ويضفي وجوده على الإجراءات صبغة متطرفة مميزة من التبجّح والخطابة التي تضمن حملة مشحونة عاطفياً مع تغطية إعلامية مكثفة.
استطلاعات الرأي
ونظراً للعاطفة التي تؤججها الانتخابات لدى الناخبين من كافة الانتماءات السياسية، ينبغي على المراهنين أن يكونوا أكثر حرصاً للتحقق من تحيزاتهم الحزبية والإيديولوجية عند عتبة أبواب السوق والاقتصاد، والسماح للعقول الأكثر اتزاناً بأن تسود. ولا شك أن الاعتماد على مزيج من استطلاعات الرأي الحالية والاحتمالات الروتينية في الانتخابات الرئاسية سيوفر أفضل فرصة للاستفادة من هذا السباق.
وعلى الرغم من أن معظم استطلاعات الرأي على المستوى الوطني واستطلاعات الرأي في الولايات الحاسمة الرئيسية، لا تزال تظهر تقدم ترامب قليلاً على الرئيس جو بايدن في مسابقة افتراضية وجهاً لوجه، فإن الغالبية العظمى من هذه الاستطلاعات عرضة دائماً لعيوب الصح والخطأ.
علاوة على ذلك، قد تتغير المشاعر الوطنية وتبالغ استطلاعات الرأي الفردية في دعم مرشح معين لأسباب عديدة. على سبيل المثال، أظهر استطلاع حديث أجرته كلية الحقوق بجامعة ماركيت أن حاكمة ولاية كارولينا الجنوبية السابقة نيكي هالي تتقدم على بايدن بعشر نقاط مئوية، وهو هامش أعلى مما يفصل بين ترامب أو رون ديسانتيس وبايدن. وتختلف هذه النتيجة بشكل كبير عن استطلاعات الرأي الأخرى، ومن غير المرجح أن تكون دقيقة لأن ترامب يواصل التغلب على خصومه الأساسيين في الحزب الجمهوري.
بين بايدن وترامب
وبالنظر إلى أنه من غير المرجح أن يتخلى الديمقراطيون عن بايدن باعتباره حامل لوائهم بعد شهرين فقط من بداية موسم الانتخابات التمهيدية، لا سيما في ضوء ندرة المرشحين الذين يثيرون حماس نشطاء الحزب، فإن احتمالات فوز بايدن بأكثر من 200 نقطة تظل منخفضة بعض الشيء مقارنة بحظوظ ترامب الحالية البالغة 137. وبعبارة أخرى، يعتبر كلاهما مرشحاً محتملاً، بل وحتى منافساً مرجحاً.
أما العائق الرئيسي الذي يحول دون أن يصبح دونالد ترامب رئيساً للولايات المتحدة مرة أخرى، فهو قد يكون ترامب نفسه بكل بساطة. فالرجل لايتمتع برضى جميع الناخبين الناخبين. وقد أدى تعصب ترامب في مواقفه من الحرب الثقافية اليمينية منذ عام 2016 إلى التعجيل بزوال شعبية الحزب الجمهوري بين الناخبين ذوي الإقبال المرتفع على المشاركة في التصويت، والناخبين من خريجي الجامعات، الشريحة التي كانت قاعدة التصويت الأساسية لهم، بما في ذلك الناخبون في الضواحي.
ويمثل انشقاق هؤلاء الناخبين إحدى النظريات التي تفسر تجاوز الديمقراطيين التوقعات الانتخابية في الانتخابات النصفية لعام 2022 -عندما تلاشت توقعات استطلاعات الرأي بشأن «الموجة الحمراء»- وفي الانتخابات الخاصة أثناء ولاية ترامب وبعدها. علاوة على ذلك، نجح بايدن في اجتذاب نسبة أعلى من الناخبين البيض الأكبر سناً، الذين يطلق عليهم وصف «الطبقة العاملة» -أولئك الذين ليس لديهم شهادة جامعية- في عام 2020 مقارنة بكلينتون في عام 2016. وترسخ الدعم الديمقراطي بين الأقليات العرقية (على الرغم من تحقيق ترامب بعض المكاسب بين اللاتينيين).
من جهة أخرى، تمثل مشاكل ترامب القانونية الموثقة جيداً، مشكلة محتملة أخرى، حيث يمكن أن تتحول لوائح الاتهام الموجهة إليه إلى إدانات جنائية في مرحلة ما خلال حملة عام 2024. وقد لا تحول الأحكام في أي من القضايا المعروضة على المحاكم دون ترشيح ترامب لمنصب رفيع.
وقد عانى ترامب انتكاسة أخرى لحملته الانتخابية في 19ديسمبر/ كانون الأول، عندما قضت المحكمة العليا في كولورادو بأنه غير مؤهل لتولي منصبه بموجب البند المتعلق بالتمرد، الذي نادراً ما يستخدم في دستور الولايات المتحدة. وسيتم استبعاده من الاقتراع في الولاية في السباق التمهيدي لعام 2024، على الرغم من أن فريقه تعهد برفع القرار إلى المحكمة العليا الأمريكية، حيث من المحتمل جداً أن يتم إبطاله. وحذت ولاية ماين حذوها في 28 من نفس الشهر، مشيرة إلى «رواية كاذبة عن تزوير الانتخابات لإثارة أنصاره». وتعود السابقة المستخدمة في كلا الحكمين إلى فترة ما بعد الحرب الأهلية في أمريكا، عندما سعت البلاد إلى حماية نفسها من احتمال عودة الزعماء الكونفيدراليين السابقين إلى السلطة.
ولا يزال ترامب يحظى بشعبية أكبر بكثير من ديسانتيس وهايلي، وفقاً لأحدث التقديرات الصادرة عن مؤشر «بيت365» التي أعطت احتمال فوز ترامب نسبة 83.3٪. ويتوافق هذا الرقم مع استطلاعات الرأي العام الحالية في جميع أنحاء البلاد وفي المؤتمرات الحزبية المبكرة في أيوا ونيوهامبشاير ونيفادا. وعلى الرغم من كل المطبات الشخصية والسياسية التي تواجه ترامب، فإنه لا يزال متقدماً على منافسيه بنحو 30 إلى 40 نقطة مئوية.
كما لا تزال شخصية ترامب الكاريزمية الفريدة وخطاب التظلم يتردد صداها بشكل فريد لدى قاعدة ناخبي الحزب الجمهوري، الذين يدعم الكثير منهم ادّعاءه بأن انتخابات عام 2020 سرقت منه.