يرفض المشترون ارتفاع أسعار الوقود والأغذية والمعادن، مما يهدد بإعادة الاقتصادات إلى الركود.يأتي ذلك، بعدما ارتفعت أسعار بعض المنتجات الأكثر أهمية في العالم – الأطعمة والوقود والبلاستيك والمعادن – بما يتجاوز ما يمكن للعديد من المشترين تحمله، ويؤدي ذلك إلى إجبار المستهلكين على تقليل الاستهلاك، وفي حال تنامي هذا الاتجاه، فقد يدفع الاقتصادات التي أصابها الوباء بالفعل والحرب إلى الركود مرة أخرى.وللتدليل على ذلك، فقد أدى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في الصين إلى إجبار مصانع السيراميك على اختزال أعمالها إلى النصف. فيما تناقش إحدى شركات النقل بالشاحنات في الولايات المتحدة تعليق العمليات مع فقدان السيطرة على تسعير خدماتها مقابل ارتفاع تكاليف الديزل المتزايدة وتمريرها إلى العملاء. كما تعمل مصانع الصلب الأوروبية التي تستخدم أفران القوس الكهربائي على تقليص الإنتاج مع ارتفاع تكاليف الطاقة، مما يرفع من أسعار المعادن.

وفي سياق متصل، سجلت أسعار الغذاء العالمية رقما قياسيا الشهر الماضي، وفقا للأمم المتحدة، حيث تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في تعطيل الشحنات من البلدان التي توفر مجتمعة ربع الحبوب في العالم وكثير من زيت الطهي.وفيما قد يكون الطعام الأكثر تكلفة محبطاً للطبقة الوسطى، لكنه مدمر للمجتمعات التي تحاول شق طريقها للخروج من الفقر.وحتى العالم المتقدم، قد يؤدي الضغط بين ارتفاع تكاليف الطاقة والغذاء إلى إجبار الأسر على خفض الإنفاق التقديري، وتدمير الطلب بشكل أساسي، وفقاً لما ذكرته “بلومبرغ”، واطلعت عليه “العربية.نت”.ورغم الاستفادة النظرية لشركات السيارات الكهربائية مثل تسلا وفولكس فاغن، وجنرال موتورز، وفورد، من التحول إلى الطاقة المتجددة وتقليل الاعتماد على الوقود التقليدي، إلا أن سعر الليثيوم الموجود في بطارياتها أغلى بنسبة 500% تقريباً مما كان عليه قبل عام.بدوره، قال المدير الأول لمركز دراسات الطاقة في معهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس كينيث ميدلوك الثالث: “إنها تشير إجمالاً إلى ما يمكن أن يتحول إلى ركود”.فيما قالت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، إن الصندوق على وشك خفض توقعاته للنمو العالمي بسبب الحرب، كما أنه يرى مخاطر ركود في عدد متزايد من البلدان.وكشفت خلال مقابلة مع مجلة فورين بوليسي أن الاقتصاد العالمي لا يزال على وشك النمو هذا العام، وإن كان بنسبة أقل من 4.4%، التي كانت متوقعة في السابق.بدوره، قال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول إن غزو روسيا لأوكرانيا يؤدي إلى تفاقم ضغوط التضخم من خلال زيادة أسعار المواد الغذائية والطاقة والسلع الأخرى “في وقت يشهد تضخم مرتفع للغاية بالفعل”. وأكد على أن كبح التضخم المرتفع يمثل أولوية قصوى، والبنك المركزي مستعد لرفع أسعار الفائدة بمقدار نصف نقطة مئوية في اجتماعه المقبل إذا لزم الأمر.كل هذا، فيما يعد الخطر أكثر حدة في أوروبا، حيث ترتفع فواتير الطاقة بسبب الاعتماد على الإمدادات الروسية، من الغاز الطبيعي والتي ارتفعت أسعاره بأكثر من 6 أضعاف مستوياتها قبل عام، فيما زادت تكلفة الكهرباء 5 مرات تقريباً.ورداً على ذلك، فقد خفضت المملكة المتحدة توقعاتها الاقتصادية إلى 3.8% من 6% حيث يواجه المستهلكون أسوأ ضغوط على مستويات المعيشة منذ 6 عقود على الأقل.بدوره، قال الخبير الاقتصادي للأسواق المتقدمة في آي إن جي، جيمس سميث: “ليس هناك شك في أن التضخم سيظل مرتفعاً لفترة أطول نتيجة للحرب في أوكرانيا”. “الارتفاع المتجدد في أسعار الغاز سيشهد تدمير الطلب على نطاق واسع”.الصناعةمن جانبهم، بدأ صانعو الأسمدة، الذين يستخدمون الغاز الطبيعي كمدخلات إنتاج، في تقليص عملياتهم العام الماضي. ولهذا تستكشف إيطاليا وألمانيا والمملكة المتحدة الاعتماد بصورة أكبر على حرق المزيد من الفحم في الشتاء المقبل لتخفيف الحاجة إلى الغاز في توليد الطاقة، لتوفير المزيد من الوقود للصناعات، مثل صناع الزجاج ومصانع الصلب الكبيرة، التي لا يمكن استبدالها بسهولة.وحتى لو لجأت الدول لهذا الحل، فإنه لن يكون كافياً، وهناك خطط طوارئ للحد من بعض الطلب. قالت جماعة الضغط في الصناعة إن الحكومة طلبت من صانعي الطوب في المملكة المتحدة الاستعداد لتباطؤ الإنتاج إذا أدت الحرب إلى اختناق إمدادات الطاقة.وكان لارتفاع تكاليف الوقود بالفعل تأثير كبير في آسيا. إذ بدأت مدينة فوشان الواقعة في مقاطعة جوانغدونغ الجنوبية تقنين شحنات الغاز للمستخدمين الصناعيين، وتوقف نصف خطوط إنتاج السيراميك في المقاطعة عن العمل.ولن تكون الأزمة محدودة على دول بخلاف دول، فعلى الرغم من أن المستهلكون والشركات الأميركية معزولون أكثر عن ارتفاع أسعار الوقود مع عدم اعتماد البلاد على النفط والغاز الروسي، لكنهم ليسوا محصنين، إذ ارتفعت أسعار النفط الخام في الولايات المتحدة في يناير وفبراير مع تنامي خطر الحرب.من جانبه، قلص بنك جي بي مورغان، توقعاته للطلب العالمي للربع الثاني بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً وقلصت التوقعات لكلا الفصلين المتبقيين بنحو 500000 برميل، ومعظم التخفيضات في الطلب على النفط ستأتي من أوروبا.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version