مع استمرار الصراع في غزة لأكثر من مئة يوم، استُهلت محادثات المنتدى الاقتصادي العالمي بأثر هذه الأزمة على الاقتصاد العالمي واقتصادات الدول المجاورة، خاصة مع تكثيف الحوثيين هجماتهم في البحر الأحمر وتداعيات ذلك على إمدادات السلع العالمية.
وفي هذا الصدد، أكد رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي في مقابلة مع CNN الاقتصادية على هامش تغطية المنتدى الاقتصادي العالمي أن (حرب غزة انعكست بشكل كبير على الاقتصاد اللبناني، خاصة في قطاع السياحة والتصدير، كما أن كلفة الشحن إلى لبنان أصبحت باهظة)، لكنه أشار إلى أن الآثار الاقتصادية لا تزال (محدودة) نسبياً رغم اشتعال الصراع في الجبهة الجنوبية.
وبدوره، حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من منبر المنتدى من خطر حدوث مواجهة شاملة مع لبنان، الذي سيكون له تداعيات كارثية للغاية، وحثّ على تجنب ذلك “بأي ثمن.”
لبنان بين خطر حرب خارجية وداخلية
ويقول ميقاتي إن قرار السلم “يخدم الاقتصادين اللبناني والإسرائيلي معاً” محذراً من خطورة انزلاق لبنان في حرب موسعة مع إسرائيل، والتي ستضر باقتصاد الدولتين معاً.
ويأتي تحذير ميقاتي متوافقاً مع نتائج دراسة أجراها مركز كارنيغي للدراسات عن انعكاسات حرب غزة على لبنان، والتي حذرت من أن تدخل حزب الله في الصراع الدائر بين حماس وإسرائيل في غزة سيكون له تأثير على المنطقة لسنوات قادمة.
وأشارت الدراسة إلى أن جر لبنان إلى حرب مع إسرائيل قد يخلق نزاعاً طائفياً داخلياً نتيجة اختلاف وجهات النظر إثر انخراط حزب الله اللبناني في الصراع، ما ينعكس بدوره على اقتصاد متردٍ يرزح تحت وطأة أزمة مالية هوت بأكثر من 85 في المئة من اللبنانيين تحت خط الفقر.
انعكاسات كارثية على مصر ولبنان والأردن
وفقاً للنتائج الأولية لتقييم حديث أجراه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، فمن المتوقع أن تتراجع معدلات التنمية البشرية في مصر ولبنان والأردن إذا استمرت الحرب لأكثر من ذلك، وتشير التقديرات الأولية إلى أن 230,000 شخص إضافي مهددون بالوقوع في براثن الفقر في الدول الثلاث مع ارتفاع قيمة الخسائر الناجمة عن الحرب إلى نحو 10.3 مليار دولار أميركي أي ما يعادل 2.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه البلدان الثلاث.
ويرى واضعو التقييم أن استمرار الحرب لأكثر من ثلاثة أشهر يهدد بتفاقم الآثار الاجتماعية والاقتصادية على العديد من البلدان المجاورة. وفي أسوأ السيناريوهات قد تدفع الأزمة ما يقرب من نصف مليون شخص في براثن الفقر، مع ارتفاع خسارة الناتج المحلي الإجمالي إلى 18 مليار دولار أميركي (أو ما يعادل 4 في المئة) للبلدان الثلاث في عام 2024.
تأتي تلك التحذيرات في وقت يقف فيه النظام الإنساني في غزة على حافة الانهيار ما يعرض 2.2 مليون شخص لخطر مباشر، وكل يوم تستمر فيه هذه الحرب يهدد بتأثيرات مضاعفة على البلدان العربية المجاورة ويُنذر بانتكاسات اجتماعية واقتصادية دائمة.
قناة السويس: شريان أساسي للاقتصاد المصري
قناة السويس ليست مجرد ممر مائي، بل هي مركز لوجستي واستثماري متكامل، ولتعظيم القيمة الاقتصادية للقناة، افتتحت مصر المنطقة الاقتصادية لقناة السويس والتي تضم عدداً من الموانئ والمناطق الصناعية، لتنجح في جذب العديد من المستثمرين الأجانب، خاصة في مجال الطاقة الخضراء، ففي عام 2022 وحده، تم توقيع 23 مذكرة تفاهم لمشاريع الطاقة الخضراء.
تستحوذ قناة السويس على نحو 12% من تدفقات التجارة العالمية، ويمر خلالها نحو 5% و10% و8% من تدفقات العالم من النفط الخام والمنتجات النفطية والغاز الطبيعي المسال، كما تُعد القناة ممراً ملاحياً مهماً لتجارة الأغذية العالمية، بما في ذلك واردات الحبوب والأسمدة.
وخلال الأشهر التسعة الأولى من السنة المالية 2022/23، مر 248 مليون طن من المنتجات البترولية عبر القناة، حيث تمثل حمولة ناقلات النفط وحدها نحو 25 في المئة من صافي حمولة القناة.
وارتفع عدد السفن التي تمر عبر قناة السويس بنسبة 17.6% على أساس سنوي ليصل إلى 26000 سفينة في السنة المالية 2022/23، بفضل ارتفاع عدد ناقلات النفط التي تمثل 30 في المئة من إجمالي السفن.
وتسهم القناة بنحو 2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي المصري، وخلال النصف الأول من العام المالي السابق بلغت إيرادات القناة 89.8 مليار جنيه.
كما ارتفعت الاستثمارات التي استقبلتها القناة بنسبة 25 في المئة على أساس سنوي لتصل إلى 12 مليار جنيه في النصف الأول من عام 2022/23، مقارنةً بـ9.7 مليار جنيه في النصف الأول من عام 2021/22.
القناة استفادت من الحرب الأوكرانية.. فهل تمحو حرب غزة تلك الانعكاسات الإيجابية؟
شهدت إيرادات قناة السويس نمواً ملحوظاً منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مع تحول أوروبا لاستيراد النفط والغاز الطبيعي من دول الخليج العربي بدلاً من روسيا، ما قفز بحجم واردات النفط والغاز المتجهة من الشرق الأوسط إلى أوروبا بشكل ملموس خلال السنة المالية الماضية، وارتفع صافي الحمولة بنسبة 15.6 في المئة على أساس سنوي خلال السنة المالية 2022/23 ليصل إلى 1,527 مليون طن.
لكن قرار العديد من شركات الشحن الكبرى مؤخراً بوقف مرور سفنها عبر قناة السويس خشية التعرض لهجمات الحوثيين أثار التساؤل بشأن تآكل الإيرادات الإضافية التي حققتها القناة على خلفية الصراع الروسي الأوكراني.
وكانت هيئة قناة السويس قد أعلنت في وقت سابق أنها ستزيد رسوم العبور بدءاً من منتصف يناير 2024، بواقع 5 في المئة على سفن الصب الجاف والبضائع العامة وسفن الدحرجة، و15 في المئة على ناقلات النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال، مع إعفاء بعض السفن من الرسوم الإضافية في ظل ظروف معينة.