تصاعدت وتيرة عمليات تسريح الموظفين في شركات التكنولوجيا على نحو كبير خلال عام 2023، ما تسبب بفقدان عشرات الآلاف من الأشخاص لوظائفهم، في قطاع إعتبر في يوم من الأيام مرادفاً للأمن الوظيفي.
وباستثناء تخفيضات الوظائف التي حصلت بسبب وباء كوفيد-19 في عام 2020، شهد العام 2023 أعلى إجمالي سنوي لتخفيضات الوظائف في مجال التكنولوجيا منذ الركود الكبير في عام 2001.
وفي العام الماضي قامت شركات التكنولوجيا بإلغاء أكثر بنحو 168 ألف وظيفة بزيادة نسبتها 73 بالمئة مقارنة بأعداد الموظفين التي تم تسريحها في عام 2022، وذلك وفقاً لتقرير صادر عن شركة Challenger, Gray & Christmas لأبحاث سوق العمل.
وموجة تسريح العمال التي طالت موظفي شركات التكنولوجيا في 2023 ليست بجديدة، فقد انطلقت في نهاية عام 2022 بسبب الظروف التشغيلية الصعبة التي مرت بها الشركات آنذاك، والتي تسببت بخسارتها تريليونات الدولارات من قيمتها بفعل ارتفاع التضخم ونمو أسعار الفائدة، ما ألقى بثقله على أعمال هذه الشركات، التي أصبحت تعاني من ارتفاع في كلفة الديون، التي تعتمد عليها لتمويل فرصها في النمو.
أفق قاتم يحوم حول الموظفين
رغم الأداء الجيد الذي سجلته شركات التكنولوجيا في 2023، إلا أن الأفق القاتم لا يزال يحوم حول الموظفين في هذا القطاع، فعمليات التسريح لا تزال مستمرة في شركات التكنولوجيا حتى الساعة، حيث شهد الشهر الأول من عام 2024 إعلان شركات أمازون وألفابت وتيك توك وEBay وتانسنت، عن خططها للتخلي عن المزيد من اليد العاملة هذا العام.
وقد أشارت EBay في بداية 2024 إلى أنها تخطط لتسريح 9 بالمئة من القوى العاملة لديها، أي ما يعادل نحو 1000 وظيفة بدوام كامل، فيما قالت وحدة Riot Games التابعة لشركة تانسنت إنها ستلغي 11 بالمئة من قوتها العاملة، أو حوالي 530 وظيفة، كما أعلنت تيك توك أنه وفي إطار مراجعتها لأعمالها، قررت إلغاء نحو 60 وظيفة، بما يسمح لها التركيز على مجالات النمو الاستراتيجي طويلة المدى.
بدوره أبلغ الرئيس التنفيذي لشركة ألفابت (الشركة الأم لـ غوغل)، ساندر بيتشاي، العاملين في الشركة، أن المزيد من تخفيضات الوظائف قادمة في 2024، مشيراً إلى أن ألفابت لديها أهداف الطموحة للاستثمار في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، حيث أنه ولخلق القدرة على هذا الاستثمار، يتعين على الشركة اتخاذ خيارات صعبة، مثل إلغاء بعض الأدوار الوظيفية.
أما شركة أمازون، فقد أعلنت مع بداية 2024 عن تسريح مئات الموظفين من أقسامها الإعلامية، بما في ذلك Prime Video وAmazon MGM Studios ومنصة بث الفيديو Twitch وAudible، وذلك بعد تخفيضها لعشرات الآلاف من الوظائف في العام الماضي.
ويرى الخبراء أن هناك اتجاهات مثيرة للقلق، تتحكم بواقع شركات التكنولوجيا حالياً، وتتخطى بمفعولها العوائق التي تواجه مختلف الصناعات الأخرى، وهو ما يدفعها للتضحية بموظفيها رغم أن وضعها المالي مستقر.
ويقول وائل مكارم كبير استراتيجيي الأسواق في Exness في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه بعد فورة التوظيف الجامحة، التي شرعت فيها العديد من شركات التكنولوجيا الكبرى خلال فترة انتشار فيروس كوفيد-19، أدركت هذه الشركات لاحقاً أن هذا الاتجاه غير مستدام، وأنها قامت بتوظيف أشخاص أكثر من اللازم، بسبب رهانها الخاطئ على استمرار الطفرة التكنولوجية بدعم من استمرار العمل عن بعد لوقت أطول.
وأضاف أن الشركات وجدت نفسها تعاني من وفرة في أعداد الموظفين، فمن الطبيعي أن تتجه الشركات للبحث عن الكفاءة عندما تواجه تباطؤاً في الأعمال وازدياداً في المنافسة، وهذا ما دفعها لتسريح الموظفين الذين يشكلون فائضاً لديها.
وبحسب مكارم فإن شركات التكنولوجيا ستكون حذرة، فبعد الطفرة التي عاشتها سابقاً تمر حالياً بمرحلة تراجع وتشعر بريبة، مما يحمله المستقبل ولذلك نرى أن عمليات التسريح مستمرة في 2024، كاشفاً أنه في حال نجح الفيدرالي الأميركي بتحقيق الهبوط الناعم للاقتصاد، وباتت الفوائد تنخفض والتضخم يتراجع، فهذا الأمر قد يخلق تفاؤلاً في بيئة الاعمال، ما قد يؤدي الى وقف عمليات التسريح في ذلك الوقت.
الأموال للذكاء الاصطناعي
من جهتها تقول أخصائية التقنية دادي جعجع إن البعض يتساءل عن السبب الذي يدفع شركات التكنولوجيا إلى الاستمرار بخفض الوظائف الآن، رغم أن نتائج أعمالها كانت جيدة في 2023، لتوضح وجود عدة أسباب تدفعها لهذا الخيار أبرزها ما كشفته ألفابت التي كانت الشركة الوحيدة الواضحة تجاه الجمهور، حيث أعلنت أن أولوياتها تتمثل حالياً بالاستثمار في مجالات الذكاء الاصطناعي، وهذا الأمر يتطلب خفض التكاليف في أماكن أخرى وخاصة بعض الوظائف.
وترى جعجع أن هذا التوجه الذي اقرت به ألفابت مثير للقلق، فالشركة ضحت بالموظفين، في رهان على أن الاستثمار بمجالات الذكاء الاصطناعي، قد يغنيها عن وجود عدد كبير من العاملين، حيث أنه وفي حال توسع هذا النهج وتم اعتماده من بقية الشركات، فإن ذلك يعني المزيد من عمليات التسريح غير المرتبطة بالوضع الاقتصادي العام.
وتكشف جعجع أن الهاجس نحو تحقيق الربحية، هو سبب آخر يجعل عمالقة التكنولوجيا، يواصلون خفض أعداد موظفيهم، حيث أنه مع إلقاء الشركات نظرة فاحصة على ميزانياتها العمومية وأداء أعمالها في نهاية العام المالي، فإنها تتخذ القرارات المرتبطة بالعام المالي الجديد بناءً على نتيجة العام السابق.
وتضيف: “لذلك نرى أن الكثير من الشركات تلجأ مع بداية كل عام إلى تسريح عدد من موظفيها، بما يضمن لها الاستمرار بتعزيز الأرباح، ولو على حساب طرد الموظفين”.
وأضافت أنه من المعروف أن العمال هم دائماً أول المتأثرين في حال لم تجد الشركة أي مصدر آخر لتعزيز الإيرادات، معتبرة أن هاجس تعزيز الربحية هو اتجاه مثير للقلق تتبعه معظم الشركات في العالم في تجاهل منها عن الأضرار التي قد يتحملها الموظف من جراء هذه القرارات.
وبحسب جعجع فإن قطاع التكنولوجيا لن يكون بعد اليوم مرادفاً للأمن الوظيفي بالنسبة للعمال، إذ يجب على الجميع الاستعداد للتغييرات التي ستحصل في هذا القطاع، فالشركات الكبيرة التي تطور برامجاً للذكاء الاصطناعي التوليدي ستقوم في نهاية المطاف بالاعتماد على هذه التكنولوجيا بدلاً من توظيف البشر، وبالتالي سنجد أن عمليات التسريح ستستمر ولن تتوقف في هذه الشركات، ما سيزيد مستويات القلق لدى العاملين فيها وهذا الاتجاه المثير للقلق، سيتوسع في السنوات المقبلة.
وأكدت أن عمليات التسريح التي ستقوم بها شركات التكنولوجيا في المستقبل لن ترتبط بنتائج الأعمال أو مستوى الأرباح، بل بعدم الحاجة لوجود هذا العدد من الأشخاص، مع بروز دور الذكاء الاصطناعي كموظف بديل أو مساعد للانسان.