بينما يحبس الأميركيون أنفاسهم انتظاراً للانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل، يبرز عامل “الخوف من الوضع الاقتصادي” كمحدد أساسي يتجاوز حدود الأحزاب والانتماءات السياسية. وتأتي الملفات الاقتصادية على رأس أجندة اهتمامات المواطنين، حيث يتحدد تصويتهم بناءً على تأثير الأوضاع الاقتصادية على حياتهم اليومية.
وفي ظل اضطرابات الوضع الاقتصادي العالمي والتحديات المستمرة التي فرضتها جائحة كوفيد-19 والتوترات الجيوسياسية التي عرفها العالم بعد ذلك، يشعر المواطن العادي بالقلق والتوتر تجاه مستقبله المالي.
معدلات البطالة وتذبذب الأسواق تلقي بظلالها على اختيارات الناخبين، حيث يتطلعون إلى الزعماء القادرين على تحقيق الاستقرار الاقتصادي وتوفير الفرص الوظيفية.
تعكس استطلاعات الرأي العام تزايد القلق بين الناخبين بشأن الوضع الاقتصادي، حيث يروج الكثيرون للمزيد من السيطرة على التضخم والتفاوت في الدخل. تعكس هذه الاهتمامات تأثيرًا كبيرًا على اتجاهات التصويت، حيث يبدو أن الناخبين لن يكونوا رحماء في انتقاد إدارة لا تستطيع التعامل بفعالية مع هذه التحديات الاقتصادية.
ومن المتوقع أن يستمر “الخوف من الوضع الاقتصادي” في تحديد مسار حملة الانتخابات الرئاسية القادمة. وسيكون على المرشحين (الجمهوري والديمقراطي) تحمل هذا العامل الرئيسي في حساباتهم والعمل على تطبيق سياسات قوية لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وتلبية تطلعات المواطنين.
- استطلاع أجرته صحيفة نيويورك تايمز، كشف عن أن 57 بالمئة من الأميركيين يضعون الملفات الاقتصادية باعتبارها “القضية الأكثر أهمية”.
- أكثر من 50 بالمئة من المشاركين يعتقدون بأن الأوضاع الاقتصادية بالولايات المتحدة “سيئة”.
- هذا الاعتقاد يُبرر تراجع الرئيس الحالي، جو بايدن، في استطلاع الرأي بعدد من الولايات.
قضايا أخرى
يرى محللون اقتصاديون، أن هذا التخوف نتيجة انشغال الإدارة الأميركية بقضايا أخرى مثل: الحرب في أوكرانيا وغزة، وعدم التركيز على الوضع الاقتصادي.
وفي حديثة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، قال عضو الحزب الديمقراطي، مهدي عفيفي، إن:
- لاقتصاد الأميركي يختلف عن نظيره في كثيرٍ من الدول؛ لأن مستوى الرفاهية لدى المواطنين الأميركيين أعلى من غيرهم في الدول الأخرى.
- التخوف يأتي من التوقعات بشأن ارتفاع نسب التضخم رغم انخفاضه (تباطؤه) في الوقت الراهن، بسبب عدة عوامل تجعل الخوف لا يزال قائماً.
ويوضح أن “الانتخابات الرئاسية وحالة الاستقطاب بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري، تؤثر سلبًا على آراء المواطنين (بشأن الوضع الاقتصادي)”، لافتاً إلى أن “تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أخيراً بخوض حرب اقتصادية مع الصين، بالإضافة إلى فرض مزيد من الرسوم والجمارك، أحدثت بلبلة داخل المجتمع الأميركي”.
- قال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إنه سيفرض رسوما جمركية على الصين مجددا حال فوزه في انتخابات الرئاسة المقررة في نوفمبر.
- ترامب في مقابلة بقناة “فوكس نيوز”: “علينا أن نفعل ذلك… أعني، انظروا، سوق الأوراق المالية كادت أن تنهار عندما أُعلن عن فوزي في الانتخابات التمهيدية في ولاية أيوا بعدد قياسي من الأصوات”.
- وردا على سؤال عن تقرير أشار إلى أن ترامب يفكر في فرض رسوم جمركية بنسبة 60 بالمئة على البضائع الصينية حال انتخابه، قال الرئيس السابق “لا، أود أن أقول ربما ستكون (الرسوم) أكثر من ذلك”.
ويشدد مهدي على أن هناك فجوة اقتصادية بين ما تُصدره الولايات المتحدة للصين وما تستورده منها، ومن هنا يتحدث عن آثار تصريحات ترامب في إحداث بلبلة، مشيراً في الوقت نفسه إلى اعتماد الاقتصاد الأميركي على التصنيع الرخيص في الأماكن الرخيصة بجودة عالية، وبالتالي تتم السيطرة على الأسعار، وبالتالي فإن أية محاولة للضغط على الصين ستنعكس بشكل سلبي على الأسعار في الولايات المتحدة الأميركية.
ويضيف:
- هناك قاعدة أمريكية تقول: “الأساس في الانتخابات الرئاسية هو ما يحدث في الاقتصاد”.
- لم تركز حكومة الرئيس الأميركي جو بايدن على التحدث في الاقتصاد، ولكنها ركزت على حرب أوكرانيا ويليها بعد ذلك حرب إسرائيل على غزة، ما أثر في وصول المعلومات الاقتصادية للمواطنين بالشكل المطلوب.
- تباطأة معدلات البطالة، لكن كثيرًا من الخدمات الصناعية في الولايات المتحدة تعاني من قلة العمالة، مثل المجال الزراعي، الأمر الذي اضطر الإدارة الأميركية إلى تيسير دخول المهاجرين من أميركا الجنوبية والمكسيك.
ويشدد عفيفي على أن فهم العملية الاقتصادية في الولايات المتحدة أمر معقد إلى حد ما (..) مشيراً إلى أن إدارة بايدن لم تكن موفقة في التركيز على الحديث عن الأوضاع الاقتصادية، لذلك يتعين عليها إيلاء الاهتمام الكافي في الحملات الانتخابية على العملية الاقتصادية.
ويضيف: ” تخبط إدارة بايدن في الحرب في أوكرانيا ومن ثم الحرب على غزة ورد فعل الشارع الأميركي، هي عوامل أساسية تثير مزيداً من الجدل والمخاوف.. وبالتالي فإذا لم تستطع حكومة بايدين خلال الأشهر المقبلة إقناع المواطن الأميركي بأنها استطاعت تحسين حالته الاقتصادية، فهذا الأمر ينعكس سلبًا عليها في الانتخابات القادمة”.
يأتي ذلك على الرغم من التقدم الذي أحرزته إدارة بايدن في مواجهة ملفات اقتصادية شديدة التعقيد، مع تصاعد الضغوطات التضخمية خلال العامين الماضيين.
أهم قضية
وفي سياق متصل، يقول الخبير الاقتصادي، أشرف العايدي، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- في الاستفتاءات الانتخابية يظل الاقتصاد هو أهم قضية للناخبين، وهذا لا يعني أن أغلبية الأميركان قلقون بشكل مطلق.
- استطلاع لشركة PEW المتخصصة في استطلاعات الرأي، وجد أن أن 28 بالمئة من الناخبين الذين شاركوا بآرائهم أكدوا أن الأوضاع والظروف الاقتصادية بحالة جيدة.
- أغلبية النمو الاقتصادي الأميركي محركه الكتلة الثرية، وهي من أغنى وأثرى طبقة في أميركا، وتمثل نحو 20 بالمئة من السكان، وبالتالي لا تنطبق على كل المجتمع الأميركي.
ويؤكد العايدي أن الاقتصاد الأميركي في وضع جيد؛ لأن بايدن وجيروم باول (رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي) تمكنا من التفوق على التضخم “عدو الاقتصاد”، وهذه خطوة جيدة ومميزة يمكن استغلالها في الدعاية الانتخابية المقبلة.