ثقب هائل في جانب الطائرة بعد دقائق من إقلاعها، كابوس يراود الكثيرين إلا أنه كان واقعاً مرعباً بالنسبة لنحو 171 راكباً وأربع مضيفات وطيارين على متن طائرة بوينغ 737 ماكس 9 التابعة لخطوط ألاسكا في يناير كانون الثاني الماضي.

امتلأت المقصورة بالرياح والضوضاء وطارت هواتف من الركاب الذين تمزقت ملابسهم، وكادت أن تتحول الرحلة إلى تجربة كارثية، لكنها مرت دون إصابات خطيرة.

وأرجع التقرير الأولي للحادث، سبب وقوع هذه الكارثة إلى افتقار الباب إلى المسامير أو البراغي اللازمة لثباته في مكانه؛ لكن المثير للقلق بل المرعب حقاً أن هذه الطائرة أقلعت بنحو 153 رحلة خلال 10 أسابيع قبل هذا الحادث، دون علم طاقم الطائرة أو الركاب أو حتى المصنع الذي ارتكب هذا الخطأ الفني.

أقنعة الأكسجين للركاب تتدلى من السطح بجور باب الطائرة (رويترز)

خطأ يودي بالأرواح

عندما تحلق طائرة جديدة في الهواء، فإنها تعمل كالبالون، وعند ارتفاعها، تُضغط المقصورة حتى يتمكن الأفراد من تنفس هواء كثيف بالأكسجين، وفي كل مرة يحدث فيها هذا الأمر، كانت الفرصة سانحة لفك قابس الباب، وبالتالي فإن طائرة بوينغ هذه تعرضت لما لا يقل عن 153 فرصة كادت أن تودي بالأرواح.

حالف الحظ طائرة بوينغ 737 ماكس 9 وطيران ألاسكا، إذ كان المقعدان الأقرب إلى قابس الباب شاغرين أثناء الرحلة.

من جهته، قال أنتوني بريكهاوس، محقق حوادث التصادم وأستاذ سلامة الطيران في جامعة إمبري ريدل «أعتقد أننا كنا محظوظين لأن قابس الباب ظل في مكانه عندما أصبح مفقوداً».

أزمات طائرات بوينغ
تُظهر الدوائر ثلاثة مواقع بدون مسامير التثبيت (بوينغ)

كابوس حقيقي

فُتح الباب على ارتفاع 16 ألف قدم بينما كانت الطائرة تصعد إلى ارتفاعات أعلى، وهذا يعني احتمالين، إما أن يظل جميع الركاب مقيدين في مقاعدهم وعدم التحرك في جميع أنحاء المقصورة، أو وجود ما يكفي من الهواء للتنفس بينما يرتدي الركاب أقنعة الأكسجين الخاصة بهم.

هذا السيناريو كان ليختلف إن خرج قابس الباب على ارتفاع أعلى من 30 ألف قدم، وهو ارتفاع التحليق، وهو ما أوضحه مايك دوسترت، المستشار الفني لمؤسسة سلامة الطيران والمهندس السابق في كل من شركة بوينغ وإدارة الطيران الفيدرالية، قائلاً «على ارتفاع التحليق، سيكون لديك تأثير مختلف تماماً على الركاب، فالهواء رقيق للغاية، خاصة بالنسبة للمسنين والصغار، ويمكن أن ينتهي الأمر إلى تلف الدماغ».

بالنسبة للخبراء، فإن أسوأ سيناريو كان في ما حدث لقابس الباب بمجرد أن انفجر، فإذا عادت السدادة إلى الخلف مباشرة، كان من الممكن أن تصطدم بالمثبتات الرأسية على الذيل، والتي تعتبر ضرورية للطيران، لكن لحسن الحظ أنها انفجرت خارج الطائرة ولم تسبب أي أضرار إضافية.

أزمات طائرات بوينغ
محقق المجلس الوطني لسلامة النقل يفحص باب الطائرة (رويترز)

سيناريوهات مشابهة

كانت قوة الهواء عند فتح الثقب كافية لتمزيق الكثير من مواد الجلوس من المقاعد ولفّها باتجاه الفتحة، هذا ما حدث على متن رحلة جوية لشركة (ساوث ويست) في عام 2018، عندما تحرر جزء من غطاء المحرك وتحطمت النافذة، وكادت جينيفر ريوردان، الراكبة الجالسة بجوار تلك النافذة، أن تطير من النافذة المكسورة، إلا أن الركاب الآخرين تمكنوا من إعادتها إلى الداخل، لكنها توفيت نتيجة لصدمة حادة في الرأس والرقبة والجذع.

أما في حالة اصطدام سدادة الباب بالمثبتات الرأسية على الذيل أو إحدى العناصر الحيوية الأخرى للطائرة، فمن المعروف أن الطائرات التي فقدت هذه القطع تتحطم، مثل رحلة الخطوط الجوية اليابانية رقم 123، التي فقدت مثبتها الرأسي في عام 1985 واصطدمت بجبل، ولم ينجُ سوى أربعة أفراد ولقي أكثر من 500 فرد على متن الرحلة حتفهم، خاصة بعد تأخر عملية الإنقاذ.

أزمات بوينغ المتكررة

خضعت جميع طائرات بوينغ 737 ماكس 9 للفحص، بعد إيقافها بالكامل بسبب الحادث، وقال الرئيس التنفيذي لشركة ألاسكا، بن مينيكوتشي في مقابلة إن شركة الطيران عثرت على مسامير مفككة في العديد من الطائرات.

ورداً على سؤال حول الحادث وما يمكن أن يحدث، أشارت بوينغ إلى تعليقات الرئيس التنفيذي ديف كالهون، الذي اعتذر وأعرب عن رعبه بشأن الحادث في رسالة إلى موظفي بوينغ بعد أربعة أيام من الرحلة.

وفي 13 يناير كانون الثاني، عادت رحلة داخلية تابعة لشركة طيران (أول نيبون) اليابانية إلى المطار بعد اكتشاف صدع في نافذة قمرة القيادة للطائرة بوينغ 737-800، وبعد أربعة أيام، أي في 17 يناير كانون الثاني، اضطر وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى تغيير طائرته من طراز بوينغ 737 للعودة إلى واشنطن من دافوس بعد أن تعرضت طائرته لعطل فادح يتعلق بتسرب الأكسجين.

لاحقت التحديات بوينغ، إذ هبطت طائرة شحن تابعة لشركة (أطلس إير) من طراز بوينغ 747-8 اضطرارياً في ميامي في وقت متأخر بعد وقت قصير من مغادرتها، بسبب نشوب حريق في المحرك يوم 19 يناير كانون الثاني.

وتراجعت القيمة السوقية لشركة بوينغ، إذ بلغت في فبراير شباط الجاري، 124.4 مليار دولار، لتواصل التآكل بعدما كانت 129.5 مليار دولار في آخر يناير كانون الثاني الماضي.

كان بنك غولدمان ساكس أزال أسهم بوينغ من قائمة الأسهم التي يتوقع خبراء البنك تفوقها في الفترة المقبلة، ومنذ بداية 2024، يواصل سهم بوينغ نزيف النقاط، لينخفض إلى 203.89 دولار مقابل 260.6 في بداية 2023، علماً أن ذروة سهم الشركة كانت في 2019، عندما بلغ 325.7 دولار وفقاً لبيانات ريفينيتيف.

وتفاقمت أزمات بوينغ خلال 2019، عندما شكّلت المشكلات الهندسية والجودة تحديات كبيرة للشركة؛ فقد أدى تحطم طائرتين من طراز (737 ماكس) خلال ستة أشهر في العام ذاته، إلى مقتل جميع الأشخاص البالغ عددهم 346 فرداً على متن الرحلتين؛ ما أدى إلى توقف الطائرة عن العمل لمدة 20 شهراً، وكانت أيضاً واحدة من المآسي الأعلى تكلفة للشركات في التاريخ، إذ كلفت شركة بوينغ أكثر من 20 مليار دولار.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version