على الرغم من انقطاع خدمات الإنترنت في السودان، فإن زاوية أحد الشوارع في بلدة تمبول السودانية، تكتظ بالعشرات من الأشخاص الذين ينقرون بشكل محموم على هواتفهم، للاتصال بأحبائهم من ناحية، ونقل الأموال من خلال التطبيقات عبر الإنترنت من ناحية أخرى، فما السر؟

يجتمع هؤلاء الأشخاص حول طبق أبيض ساطع متصل بالإنترنت عبر نظام ستارلينك، المملوك لشركة سبيس إكس التابع لإيلون ماسك، إذ أصبح بمثابة شريان حياة للبعض في السودان الذي تنقطع فيه خدمات الإنترنت بانتظام منذ اندلاع الحرب في أبريل نيسان الماضي.

لكن هذه الخدمة شقّت طريقها إلى السودان بشكل غير قانوني عبر ليبيا أو جنوب السودان أو إريتريا، وفقاً لما قاله أحد بائعي أجهزة (ستارلينك كيت) التي يمكن تثبيتها للحصول على إنترنت، لوكالة الأنباء الفرنسية.

من جهتها، قالت أمل عبده، (من سكان منطقة كرري في أم درمان، وهي جزء من العاصمة السودانية) لوكالة رويترز، «الناس بحاجة إلى التواصل، إنهم في أمس الحاجة إليه».

وأضافت «يقال لنا كل يوم إنه سيكون هناك اتصال اليوم أو غداً، وهذا لا يحدث، الناس هنا يعلمون بوفاة والدهم أو أخيهم بعد أسبوع أو أسبوعين من وفاتهم».

وأضافت «الناس ليس لديهم أموال، ونريد استخدام (بنكك) ولا يمكننا تسجيل الدخول».

بدوره، قال المواطن السوداني محمد، الذي أعطى رويترز اسمه الأول فقط، «أحدث شيء جربناه هو ستارلينك، لكن هناك الكثير من الناس وهناك ضغط كبير عليها، ولا يتمكن الجميع من الاتصال».

تكلفة باهظة

يمكن أن تصل تكلفة الأطباق والاشتراكات إلى مئات الدولارات، وهو أمر بعيد المنال بالنسبة لمعظم السودانيين.

ويدفع هذه الرسوم السودانيون في الخارج أو رجال الأعمال مثل محمد بالله، الذي يدير مقهى إنترنت في قرية تبعد نحو 120 كيلومتراً جنوب الخرطوم، الذي قال لوكالة الأنباء الفرنسية «يمكنك استعادة أموالك في ثلاثة أيام»، مؤكداً أن الاستثمار يستحق كل قرش.

وأدى الصراع بين جيش البرهان وقوات الدعم السريع التابعة لنائبه السابق محمد حمدان دقلو إلى نزوح الملايين وقتل الآلاف، كما انهار النظام المصرفي، ولا يستطيع الملايين الآن الوصول إلى الأموال إلّا عبر تطبيق (بنكك).

ولم يقدم المسؤولون تفسيراً لانقطاع التيار الكهربائي، على الرغم من إلقاء اللوم على نطاق واسع على قوات الدعم السريع في انقطاع التيار الكهربائي شبه الكامل في فبراير شباط.

والآن يعتمد أشخاص مثل عصام أحمد، الذي كان ينتظر بفارغ الصبر الأخبار العائلية والدعم المالي من ابنه الذي يعمل في المملكة العربية السعودية، وغيره من المتجمعين حول الطبق في تمبول، على بعد نحو 140 كيلومتراً جنوب شرق الخرطوم، على ستارلينك كيت.

تسمح خدمة ستارلينك المتوفرة في أكثر من 70 دولة للمستخدمين بتعريفات عالية التكلفة بأخذ أطباقهم معهم عبر الحدود الوطنية، لكن النظام الذي يمكنه توفير الاتصال في حالة عدم وجود شبكة أرضية غير متاح رسمياً في السودان، علماً أن إيلون ماسك كان له دور كبير في نشره في أوكرانيا عقب الغزو الروسي، وأثناء الاحتجاجات في إيران عام 2022.

كانت الحكومة السودانية الموالية للجيش حظرت أجهزة ستارلينك في ديسمبر كانون الأول الماضي، إلّا أن قوات الدعم السريع بدأت بالفعل باستغلال الفرص التجارية.

وفي قناب الحلوين، وهي قرية جنوب شرق الخرطوم، تتقاضى قوات الدعم السريع رسوماً مقابل الحصول على الطبق الخاص بها.

وقال أحد السكان لوكالة فرانس برس، طالباً عدم الكشف عن هويته، إنهم يضعون الطبق في الساحة كل صباح ويغادرون في المساء بكل الأموال التي جمعوها.

وقال صاحب مقهى إنترنت في قرية أخرى إن أفراد قوات الدعم السريع يأتون يومياً لجباية ويأخذون 150 ألف جنيه سوداني (ما يعادل 140 دولاراً لتجار العملة) مقابل السماح للمقهى بتقديم خدمة ستارلينك.

ظلت مناطق شاسعة بدون أي اتصال منذ ما يقرب من عام، وانتشر استخدام الأطباق بسرعة في منطقة تسيطر عليها قوات الدعم السريع إلى حد كبير.

وقال محمد بشارة لوكالة فرانس برس عبر رسالة نصية من مخيم عطاش في جنوب دارفور «لولا ستارلينك لم نكن لنعرف أبداً كيفية الحصول على الأموال»، مؤكداً أنه يدفع ما يقرب من 3 دولارات في الساعة مقابل الاتصال، ويحصل تجار العملات على عمولات مقابل كل معاملة يقوم بها تطبيق بنكك.

كانت الحرب اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع في منتصف أبريل نيسان 2023 بسبب توترات مرتبطة بالانتقال السياسي المخطط له، وأدت إلى أزمة إنسانية كبيرة وانتشار الجوع.

ونزح ما يقرب من 6.5 مليون شخص داخل السودان وفرّ أكثر من 1.9 مليون إلى الدول المجاورة، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version