في عالم تتزايد فيه التحديات بشكل يومي، من التوترات الجيوسياسية واضطرابات سلاسل التوريد إلى الحروب وارتفاع معدلات الفائدة، تجد الشركات نفسها أمام مهمة شاقة للحفاظ على مسار النمو والتوسع، هذا الواقع يضع الشركات في موقف يتطلب منها ليس فقط الرغبة في التطور والتوسع ولكن أيضاً القدرة على التكيف مع العقبات المتعددة التي تواجهها، في هذا السياق يأتي حديثنا مع ديفيد لين، الرئيس العالمي للخدمات المصرفية للشركات في دويتشه بنك، ليقدم لنا نظرة أعمق حول كيفية مواجهة هذه التحديات واستغلال الفرص في السوق العالمية.

التكيف مع التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية

في ظل التحديات الجيوسياسية المتزايدة وتأثيراتها المباشرة على سلاسل التوريد العالمية، باتت الشركات تواجه ضغوطاً غير مسبوقة، بداية من هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى ارتفاع معدلات الفائدة الذي زاد من أعباء الديون على الشركات، لتتشكل ملامح عالم تجاري جديد يتطلب حلولاً فعَّالة لإدارة المخاطر، ففي مطلع عام 2024 -على سبيل المثال- تخطت أعداد الشركات التي عجزت عن سداد ديونها كل المعدلات المسجلة منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، خاصة في ظل ضغوطات التضخم وارتفاع أسعار الفائدة، وهذا بحسب التقرير الصادر عن «إس آند بي غلوبال ريتينغز».

وفي حديثه مع CNN الاقتصادية، يُشدد لين على أهمية أن يكون البنك ملاذاً آمناً لعملائه، بغض النظر عن جنسياتهم أو مواقعهم الجغرافية، ويقول لين إن التحول الجيوسياسي الكبير خلال السنوات القليلة الماضية، والتغيرات الناتجة عن جائحة كوفيد-19، تعطي بُعداً جديداً للنصائح والاستشارات التي يقدمها البنك، لا سيما فيما يتعلق بإعادة تشكيل سلاسل التوريد والتكيف مع التطورات الجيوسياسية، فالجائحة علَّمت الشركات درساً قاسياً حول مخاطر الاعتماد المفرط على مصادر محددة، ما دفعها للاعتماد على سلاسل التوريد الإقليمية بشكل أكبر وإعادة هندسة مسارات سلاسل التوريد المالية وتعزيز الإنفاق الرأسمالي والتصنيع وإدارة المخاطر، وأشار لين إلى أن الدول الإفريقية تواجه تحديات معينة بسبب قيود السيولة النقدية في العملات الأجنبية، ما يؤثر على ميزان المدفوعات ويزيد الحاجة إلى تخطيط استراتيجي فعّال.

تواجه الدول الإفريقية تحديات معينة بسبب قيود السيولة النقدية في العملات الأجنبية، ما يؤثر على ميزان المدفوعات ويزيد الحاجة إلى التخطيط الاستراتيجي الفعّال.

الدور الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط ودول مجلس التعاون الخليجي

في ظل التحديات التي يواجهها النظام العالمي من توترات جيوسياسية ومشكلات في سلاسل التوريد، تبرز منطقة دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط بشكل متزايد كحلقة وصل حيوية تربط بين الشرق والغرب، ويُعد ممر الشرق الأوسط، الذي يُناقش على نطاق واسع إلى جانب مسارات تجارية أخرى، جزءاً لا يتجزأ من هذا الدور المحوري.

في هذا السياق يُشير لين إلى التزايد الملحوظ في حجم التجارة بين الشرق الأوسط ومنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وتُعد الهند والصين، بحسب لين، عناصر رئيسية في هذا التوسع، حيث توفر هاتان الدولتان للشرق الأوسط إمكانات هائلة في مجالات الهندسة والبناء، والمشتريات، والطاقة البديلة، ولا يقتصر هذا التفاعل على الاستيراد والتصدير فحسب، بل يشمل أيضاً الاستثمارات الخارجية لدول الشرق الأوسط في آسيا والمحيط الهادئ، خصوصاً في إندونيسيا والصين، ما يُسهم في تغيير ملامح الممرات التجارية ويعزز من تدفق رأس المال عبر الحدود.

هذا التوجه يعكس استراتيجية متعددة الأبعاد تعتمدها الدول في الشرق الأوسط لتعزيز وجودها الاقتصادي عالمياً، مستفيدة من العلاقات التجارية المتنامية مع قوى آسيا العملاقة، ويُظهر التزام دويتشه بنك نهجاً استراتيجياً لتسهيل هذه التفاعلات التجارية والاستثمارية من خلال تعزيز وجوده وخدماته في تلك الأسواق، ما يُسهم في نمو الاقتصاد العالمي ويفتح آفاقاً جديدة للتعاون الدولي.

نشهد نمواً حقيقياً ومستداماً في التجارة بين الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادئ، مع دور رئيسي للهند والصين في توسيع هذا التفاعل، هذه الديناميكية تُعزز مكانة الشرق الأوسط كمركز اقتصادي عالمي، وتُفتح آفاق جديدة للتعاون الدولي.

كما يُظهر لين اهتماماً خاصاً بدور دولة الإمارات كعامل رئيسي في تحقيق تحولات اقتصادية كبيرة فيعتبر أن هذا البلد بمثابة مركز حيوي للمصارف والمال والسيولة، ما يوفر فرصاً هائلة في هذه القطاعات، وتتجلى الأهمية المتزايدة للإمارات في الساحة العالمية من خلال الطفرة الاقتصادية التي يُتوقع أن تؤثر بشكل ملموس على الاقتصاد العالمي، والتي ستقود إلى تغييرات جذرية في السنوات القادمة.

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فيرى لين أن الاستثمارات الكبرى وجهود إعادة الهيكلة التي تبذلها الدولة -خاصة في مجالات تحول الطاقة وتوسيع القاعدة التصنيعية وتطوير السياحة وإنشاء المدن الذكية- ستكون محورية في تشكيل مستقبل المنطقة، وتعكس هذه الاستراتيجية التزاماً عميقاً بالتنوع الاقتصادي والابتكار، ما يضع المملكة كواحدة من أبرز مناطق التغيير الاقتصادي في المنطقة.

فرص الاستثمار في مجال البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة

بعد التوصل إلى اتفاق تاريخي للالتزامات المناخية في مؤتمر الأطراف كوب28، أصبحت الأهمية المتزايدة للاستثمارات في مجالات البيئة والمسؤولية الاجتماعية والحوكمة محور حديث القادة حول العالم، هذا الاتجاه نحو التحول الأخضر يعكس إدراكاً متنامياً للحاجة إلى مواجهة التغيرات المناخية وتعزيز الممارسات المستدامة، في هذا الإطار يسلط لين الضوء على التزام دويتشه بنك بالمشاركة النشطة في دعم هذه التحولات، من خلال الإشارة إلى مشاركة البنك في العديد من المشاريع الصديقة للبيئة، من بينها مشروع تصنيع السيارات الكهربائية ومشروع تطوير خط السكك الحديدية الكهربائية في مصر، والذي يُتوقع أن يُسهم في تقليل الانبعاثات الكربونية بنحو 70%، ويضف لين أن هذه الجهود تعكس التحول الهيكلي في البنية التحتية نحو استخدام مصادر الطاقة البديلة وتقنيات احتجاز الكربون، والتوجه نحو تصنيع يتناغم مع مواقع إنتاج الطاقة، خاصة في الصناعات التي تعتمد بشكل كبير على الطاقة مثل معالجة المعادن والألومنيوم.

ويُظهر الأداء المالي لقسم الخدمات المصرفية للشركات في دويتشه بنك خلال العام المالي 2023 نمواً ملحوظاً في الإيرادات، حيث شهدت الإيرادات الصافية للقسم قفزة بنحو 22 في المئة مقارنة بالعام السابق مسجلة 7.7 مليار يورو.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version