على هامش نشر صندوق النقد الدولي تقرير الآفاق الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خلال اجتماعات الربيع القائمة في واشنطن والتي تجمع صندوق النقد والبنك الدوليين، يتحدث جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي عن توقعات انخفاض نسب التضخم في المنطقة، تقلبات أسعار النفط وتأثيرها على اقتصادات الخليج وضغط حرب غزة على اقتصادات مصر ولبنان والأردن.

توقعات بتراجع التضخم في العالم وفي المنطقة

فيما توقع التقرير انخفاض نسب التضخم في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط، يعزو أزعور ذلك للسياسات المالية المعتمدة في العالم مع لجوء البنوك المركزية إلى رفع أسعار الفائدة.

وتابع أزعور أن هناك تحسناً تدريجياً في مستويات التضخم ويتطلب استمراره في الدرجة الأولى انتهاج سياسات مالية محافظة، إذا استبعدنا التطورات في المنطقة.

ويؤكد أزعور أنه ليس من المتوقع أن تشهد نسب التضخم ارتفاعاً كبيراً نتيجة التطورات الأمنية ولكن هذا يبقى رهيناً بالتطورات، ويتابع قائلاً إن الصدمات التي تعيشها الاقتصادات الإقليمية والعالمية من الممكن أن يكون لها تأثيرات مثل الحركة التجارية ونسبة العرض للسلع التي تمر في المعابر الاقتصادية، ما يحدد نسبة ارتفاع الأسعار ولكن ليس من المتوقع أن يكون هناك خطر ارتفاع كبير في الأسعار.

وتماشياً مع الاتجاهات العالمية، بدأ التضخم -بحسب التقرير- بالتراجع في عام 2023 في العديد من اقتصادات المنطقة، ما يعكس تأثير تشديد السياسة النقدية في وقت سابق وانخفاض أسعار السلع الأولية، وفي المقابل تراجع التضخم الرئيسي في معظم البلدان المصدرة للنفط والأسواق الناشئة إلى مستويات قريبة من المتوسطات التاريخية.

ويتوقع صندوق النقد -بحسب أزعور- أن تنخفض نسب التضخم في معظم دول الخليج والدول المصدرة للنفط في المنطقة مما دون الـ10.8 في المئة في عام 2024 إلى الـ7 في المئة في عام 2025.

مع ذلك، ظل التضخم مرتفعاً باستمرار في بعض الاقتصادات، وتمثل في نقص الواردات الغذائية، وانعكس أيضاً على السياسات المالية والنقدية في الجزائر، ونقص النقد الأجنبي في مصر، أما في لبنان فلا يزال التضخم مرتفعاً، لكن استقرار سعر صرف ساعد في تخفيف الضغوط التضخمية منذ منتصف عام 2023.

عدم يقين وضبابية بشأن النمو الاقتصادي في المنطقة

بحسب تقرير التوقعات الاقتصادية لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لصندوق النقد الدولي، تخضع التوقعات الاقتصادية لحالة من عدم اليقين أكثر من المعتاد وتسود مخاطر التطورات السلبية، وتوقع التقرير أن يستمر نمو الاقتصاد العالمي رغم ذلك (الذي يقدر بنحو 3.2 في المئة في عام 2023) بالوتيرة نفسها في عامي 2024 و2025 متجاوزاً توقعات آفاق الاقتصاد العالمي لعام 2024 الصادرة في أكتوبر تشرين الأول 2023 بمقدار 0.3 نقطة مئوية.

ولكن من جهة أخرى، يتوقع التقرير أن يعزز النمو الاقتصادي العالمي التجارة في المنطقة في حال استئناف خفض أسعار الفائدة بوتيرة أسرع في الاقتصادات المتقدمة الرئيسية.

نمو غير متساوٍ في دول الشرق الأوسط وخسائر مصر كبيرة

وفي حديث عن زيادة الفجوة الاقتصادية بين دول الشرق الأوسط مع زيادة أسعار النفط تماشياً مع اضطرابات البحر الأحمر، يؤكد أزعور أن ذلك يعتمد على كل دولة وسياساتها وأوضاعها، ويعقب أزعور أن التنوع الاقتصادي الذي اتبعته دول الخليج أسهم في التصدي للأزمات التي تمر بها المنطقة، بعكس بعض الدول المجاورة للصراع في غزة مثل لبنان ومصر حيث تأثرت الأخيرة بتراجع ثلثي إيرادات قناة السويس (التي كانت تساوي 700 مليون دولار شهرياً قبل الأزمة).

ويثني أزعور قائلاً إن إجراءات المالية العامة في مصر، وبعد المراجعة الأولى والثانية مع صندوق النقد الدولي التي تلتها الاستثمارات الإماراتية في قطاعي التنمية والسياحة أسهمت بالتحسن التدريجي للاقتصاد. ويقول أزعور إن المحافظة على سياسة سعر صرف مرن تخفف من أي ضغوطات خارجية، إضافة إلى إعادة هيكلة القطاع العام ليكون مسانداً وليس منافساً للقطاع الخاص ويعزز دوره.

ومن المتوقع أن يتباطأ النمو في الأسواق الناشئة والمؤشرات المالية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى 2.8 في المئة هذا العام (من 3.1 في المئة في 2023) –بتخفيض قدره 0.7 نقطة مئوية عن أكتوبر- في مصر مثلاً أدى نقص النقد الأجنبي إلى كبح النشاط الاقتصادي إلى أن أُجريت التعديلات الأخيرة في سياسة الاقتصاد الكلي بحسب التقرير، في حين من المتوقع أن يؤثر الوضع في البحر الأحمر على النشاط في الفترة المتبقية من السنة المالية، ونتيجة لذلك خفض صندوق النقد معدل النمو في مصر بمقدار 0.6 نقطة مئوية منذ أكتوبر تشرين الأول إلى 3.0 في المئة في عام 2024، أما الأردن فمن المتوقع أن تدعم الأسس الاقتصادية القوية له النمو المستقر بعد انكماشه في عام 2023.

تأقلم أسعار النفط مع الصدمات على الرغم من تقلبها في بداية الاضطرابات

ويقول أزعور إن سرعة تحويل إمدادات الغاز والنفط خفف من أعباء أسواق الطاقة، وتمكنت أسواق النفط من التأقلم مع الصدمات على الرغم من تقلبها في بداية الاضطرابات، ويعتبر أن العالم لم يشهد تقلبات كبرى في أسواق الطاقة على الرغم من التوترات التي تحيط بها.

وقد شهدت أسواق الطاقة -بحسب أزعور- حدثين أساسين العام الماضي، الأول استمرار الدول المنتجة للنفط بمستويات خفض الإنتاج مع تمديد اتفاق أوبك+ للفترة المقبلة، وأيضاً الأحداث الجيوسياسية التي أثرت على قطاع الغاز بعد حرب أوكرانيا وحرب غزة وتداعياتها على أسواق النفط، ولكن يؤكد أزعور أنه على الرغم من التقلبات الحادة في الأسعار التي تشهدها هذه الأسواق في بداية الصدمات، فقد تمكنت أسواق النفط والغاز من التأقلم السريع، ويعقب أزعور أنه كان هناك سرعة في تحويل إمدادات النفط والغاز ما خفف من الأعباء على الأسواق المذكورة.

اقتصادات الخليج

الاقتصادات الخليجية -بحسب أزعور- كانت تسير على مسارين أساسيين في الفترة الماضية: سياسة تحدد مستويات الإنتاج من خلال أوبك+ وتحسن القطاعات غير النفطية، ويعقب أزعور أن الإصلاحات التي اتبعتها دول الخليج بعد جائحة كوفيد-19 أثرت على تطوير القطاع غير النفطي وأثرت على نمو الاقتصاد، وهذا -بحسب أزعور- يساعد القطاع النفطي على قيادة الاقتصاد.

ويعتبر أزعور أنه من الضروري اتباع سياسة تنويع الاقتصاد في المرحلة القادمة بما أن قدرة الإصلاحات الاقتصادية التي اتبعتها هذه الدول كانت جيدة حسب قوله.

مصر من أكبر الدول المتأثرة من تحويل المسارات التجارية

يؤكد أزعور أن حجم تأثر الممرات البحرية مرتبط بمدى توسع نطاق الصراع في منطقة الشرق الأوسط وإن كان سيؤدي إلى إغلاقها أم لا.

ويتعرض الاقتصاد المصري -بشكل خاص- لهذه الاضطرابات، حيث تلقى نحو 2.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في شكل إيرادات ميزان المدفوعات السنوية –أكثر من 700 مليون دولار شهرياً– و1.2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي من عائدات المالية العامة من مستحقات قناة السويس في 2022/2023.

باستثناء مصر، قدر تقرير صندوق النقد أن التأثير السلبي الناجم على النشاط الاقتصادي نحو واحد في المئة للاقتصادات المطلة على البحر الأحمر و0.3 في المئة لبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا الأخرى وباكستان.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version