«الخليج»: وكالات

مر أكثر من عامين على اندلاع الحرب في أوكرانيا، وليس ثمّة ما يبرر الاعتقاد أنها ستنتهي قريباً، ولا ترى أوكرانيا أو روسيا، أو أي من حلفائهما، أرضية مشتركة لتسوية سلمية، وتصر كييف على أحقيتها في استعادة كافة الأراضي ضمن حدودها المعترف بها دولياً، وعلى طرد القوات الروسية خارج تلك الحدود، وعلى الجانب الآخر، لا تزال موسكو ترى أن أوكرانيا بلد غير قانوني، وعليه ستواصل القوات الروسية عملياتها حتى تحقق أهدافها.

وفي غضون ذلك تزداد الأمور تعقيداً بين روسيا من جهة وحلفاء أوكرانيا من جهة أخرى، تسببت في حرب قنصليات واسعة أدت إلى طرد سفراء واستدعاء آخرين في بعض الأحيان، وإغلاق قنصليات في أحيان أخرى، حيث تؤمن موسكو أن الإمدادات العسكرية الغربية هي السبب الرئيسي في استمرار الحرب حتى اليوم، فيما يري الغربيون أن التراجع عن دعم أوكرانيا بمنزلة هزيمة مذلة أمام الدب الروسي، فماذا يعني طرد سفير واستدعاؤه؟

  • اتفاقية فيينا

تنظم اتفاقية فيينا التي جرى توقيعها عام 1961 تنظيم العلاقات بين الدول ووضع أطر عريضة لعمل البعثات الدبلوماسية بين دول العالم، وتتألف الاتفاقية التي أبرمتها 191 دولة، من 53 مادة وتغطي معظم الجوانب الرئيسية للعلاقات الدبلوماسية الدائمة بين الدول، من فتح السفارات إلى تحديد الحصانة الدبلوماسية للعاملين فيها وغيرها من القضايا.

ويعمل الدبلوماسي على تمثيل مصالح دولته في دولة أخرى بصفته رئيس بعثة أو عضو فيها، حيث تتنوع مهامه على أرض الدولة التي استقبلته.

ويشير مصطلح «شخص غير مرغوب فيه» إلى أن الدولة المضيفة تلقي باللوم على دبلوماسي مقيم على أراضيها لسلوكه غير اللائق أو لارتكابه مخالفة في أثناء تمتعه بحصانة دبلوماسية.

ومع ذلك، لا يعني طرد السفير أو أحد الدبلوماسيين إنهاء العلاقات الدبلوماسية بين أي بلدين، حيث يصنف هذا الإجراء غالباً موقفاً تصعيدياً لتسجيل موقف معين من دولة تجاه أخرى.

ويحق للدولة المضيفة في أي وقت وتحت أي ظرف ودون تبرير الأسباب، أن تقوم بطرد رئيس البعثة الدبلوماسية لدولة أخرى على أراضيها أو أي عضو آخر في البعثة، وتمنح الدولة المضيفة في الغالب فترة زمنية معينة لمغادرة الدبلوماسي غير المرغوب به أراضيها، وغالباً ما يكون هذا الإجراء بطرد الدبلوماسي مرتبطاً بمخالفات معينة قد يكون هذا المبعوث ارتكبها كالتجسس مثلاً أو تدخله في الشؤون الداخلية للبلد أو استغلال حصانته لارتكاب مخالفات قانونية.

ويحق للدولة المضيفة، وفقاً لاتفاقية فيينا، رفض اسم دبلوماسي ترغب دولة أخرى في تعيينه قبل اعتماده بصفة رسمية، وتنص الاتفاقية بوضوح على أن المبعوثين الدبلوماسيين، بمن فيهم أعضاء السلك الدبلوماسي والموظفون الإداريون والفنيون وموظفو خدمة البعثة، يتمتعون بالحصانة من الولاية القضائية الجنائية للدولة المستقبلة.

ويتمتع هؤلاء بالحصانة من الإجراءات المدنية ما لم تكن القضية تتعلق بممتلكات أو مصالح تجارية لا علاقة لها بواجباتهم الدبلوماسية، يجب ألاّ يكون الدبلوماسيون عرضة لأي شكل من أشكال الاعتقال أو الاحتجاز، كما على الدولة المستقبلة بذل كل الجهود لحماية شخصهم وكرامتهم.

  • المباني الدبلوماسية

وتنص المادة (22) من الاتفاقية الدولية على أن المباني الدبلوماسية ومنازل السفراء ذات حرمة لا يمكن للحكومة المضيفة دخولها وتفتيشها دون إذن من رئيس البعثة، كما يتوجب على الدولة المضيفة اتخاذ كافة الإجراءات لحماية هذه المباني من الاعتداءات، كما يجب ألاّ تكون الممتلكات بداخلها عرضة للاستيلاء أو الحجز.

ويجب أن يسمح البلد المضيف بالاتصال المجاني بين دبلوماسي البعثة وبلدهم الأم ويحميها، علاوة على أن عدم إمكانية فتح حقيبة دبلوماسية مطلقاً، حتى في حالة الاشتباه بارتكاب إساءة الاستخدام.

  • استدعاء السفير ومذكرة الاحتجاج

ويحق للدولة المستضيفة استدعاء سفير دولة أخرى على أراضيها لتسليمه مذكرة احتجاج على قضية معينة أو موقف ضد سياسة بلده وإبلاغه رسمياً بها من قبل وزارة خارجية الدولة المعترضة، ويعتبر هذا الإجراء وسيلة من وسائل الاحتجاج للدولة المضيفة في الأعراف الدبلوماسية بين الدول التي تنظمها اتفاقية فيينا. ويهدف ذلك إلى تسجيل موقف ضد الدولة أو طلب إيضاحات منها إزاء مسألة بعينها تعترض عليها الدولة.

وبعكس الإجراء السابق، يمكن لدولة معينة أن تستدعي سفيرها في دولة أخرى للتشاور إزاء قضية معينة مثلاً أو حتى لانتهاء فترة عمله لأي سبب كان.

كما يدل هذا المصطلح إلى احتمالية سحب السفير من دولة معينة، وهنا ينخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي من درجة سفير- وهي الأعلى- إلى القائم بأعمال، وهي خطوة احتجاجية على موقف أو سياسات معينة في تلك الدولة، وفي هذه الحالة غالباً ما يستمر عمل البعثة الدبلوماسية، لكن بتمثيل أقل من درجة سفير.

أما القطع الكامل للعلاقات الدبلوماسية، فهو الإجراء الاعتراضي الأخير الذي ينهي أي علاقة بين بلدين تماماً.

والاثنين استدعت وزيرة الخارجية الألمانية، سفيرها لدى روسيا بعد أن اتهمت برلين موسكو بشن هجمات إلكترونية استهدفت شركات دفاع وفضاء والحزب الحاكم، فيما أفاد مصدر في الخارجية الروسية، لوكالة تاس، بأن تم استدعاء السفير البريطاني في موسكو نايجل كيسي إلى مبنى وزارة الخارجية الروسية ولم بدون تحديد سبب الاستدعاء.

وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية: إن «وزيرة الخارجية استدعت السفير ألكسندر جراف لامبسدورف بعد أن نسبت الحكومة الألمانية حملة هجمات إلكترونية إلى مجموعة إيه.بي.تي 28 المرتبطة بوكالة الاستخبارات العسكرية الروسية».

وأضاف أن هذه الخطوة تأتي تماشياً مع البروتوكول الدبلوماسي، ولم ترد وزارة الخارجية الروسية والسفارة الروسية في برلين على الفور على طلبات للتعقيب.

وقالت برلين إن الهجمات التي بدأت قبل عامين استهدفت الحزب الاشتراكي الديمقراطي الحاكم في ألمانيا وشركات في قطاعات الخدمات اللوجستية والدفاع والفضاء وتكنولوجيا المعلومات. ولم تقدم تفاصيل عن الأضرار الناجمة لأسباب أمنية.

وفي مطلع العام الماضي، أعلنت الخارجية الألمانية أنها طالبت روسيا بإغلاق أربع من أصل خمس قنصليات في ألمانيا رداً على طرد موسكو لعدد من موظفي السفارة الألمانية والهيئات ذات الصلة العاملة في روسيا، وقالت برلين أنه يهدف أيضاً لخلق «تكافؤ في عدد الموظفين ومقار البعثات» بين البلدين.

ومن جانبها استعدت الخارجية البريطانية الأسبوع الماضي، السفير الروسي في لندن على خلفية اتهامات لموسكو بتدبير نشاط خبيث، وذلك بعد ساعات من توجيه الاتهام إلى بريطاني بالعمل «لحساب الدولة الروسية».

وقالت متحدث باسم الوزارة: «لا تزال المملكة المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء الاتهامات بتدبير روسيا لنشاط خبيث على الأراضي البريطانية، فضلاً عن نمط السلوك الأوسع الذي نشهده من جانب روسيا الاتحادية لرعاية مثل هذا النشاط على أراضي دول أخرى ذات سيادة».

وكانت الحكومة البريطانية، قد استدعت في وقت سابق من شهر فبراير الماضي، الدبلوماسيين في السفارة الروسية، على خلفية مقتل المعارض الروسي أليكسي نافالني.

ووجه وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني الأسبوع الماضي، أيضاً باستدعاء السفير الروسي لدى روما أليكسي بارامونوف بعد قرار تحويل إدارة شركة «أريستون» الإيطالية في روسيا إلى شركة روسية.

جاء ذلك وفقاً لما نشره تاياني بصفحته الرسمية على موقع X للتواصل الاجتماعي، حيث كتب: «لقد أصدرت تعليمات إلى الأمين العام لوزارة الخارجية باستدعاء السفير الروسي لدينا، وتطلب الحكومة توضيحا بشأن مسألة تأميم مجموعة «أريستون ثيرمو»، والتي تعمل أيضا مع بروكسل وألمانيا».

وكان تاياني قال إنه اتصل في وقت سابق بالسفارة الإيطالية لدى موسكو بعد قرار نقل ملكية الشركة إلى الإدارة المؤقتة لشركة «غاز بروم للأنظمة المنزلية»، واصفاً هذه الخطوة ب«غير المتوقعة».

وفي مطلع إبريل، استدعت روسيا السفير الفرنسي في موسكو بيار ليفي، بسبب تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه وصفتها بأنها غير مقبولة، بعدما قال، إن باريس لم تعد ترى جدوى في التحاور مع موسكو.

وصرّح سيجورنيه بعد أيام من محادثة هاتفية بين وزيري الدفاع الروسي والفرنسي، أظهرت تبايناً في وجهات النظر: «ليس من مصلحتنا اليوم التحاور مع المسؤولين الروس، بما أن البيانات التي تصدر والتقارير التي تم تقديمها كاذبة».


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version