وكأن محاولة الاغتيال التي تعرض لها الكاتب البريطاني الأمريكي، سلمان رشدي، لاتزال حاضرة بكل تفاصيلها الدقيقة في ذهنه، حيث أعاد روايتها خلال مقابلة مثيرة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، كاشفاً مزيداً من التفاصيل، عن أحداث رواها في مذكراته الجديدة الصادرة تحت عنوان: «السكين: تأملات بعد محاولة القتل».
ومن بين المفارقات التي رواها رشدي، عقب عملية الطعن التي تعرض لها في شهر أغسطس من عام 2022، أنه وبينما كان غارقاً في دمائه، بعد هجوم استمر لمدة 27 ثانية، كان أول شيء فكر فيه بشكل غير مبرر هو مكان وجود مفاتيح منزله، مؤكداً اكتشافه لاحقاً، أن ذلك كان «قلقاً هذيانياً»، نشأ من رغبة عميقة في النجاة من الهجوم، والعودة إلى المنزل.
كاتب الرواية المثيرة للجدل «آيات شيطانية» والتي صدرت في عام 1988، يقول إنه توقع هذا الحادث على مدار أكثر من 33 عاماً، حتى جاءت اللحظة، ووقتها نظر لمهاجمه وهو يقول: «إذن هذا أنت»، عندما رآه يحمل سكيناً ويتوجه نحوه، أثناء فعالية ثقافية في معهد تشوتاوكوا بولاية نيويورك، حيث شعر بأنه كان على حافة الموت، لولا يقظة الحاضرين، في الوقت الذي اعتقد بعضهم أن ما يجري مجرد عرض مسرحي ساخر، أو مناوشة بسيطة.
ويؤكد رشدي أنه ظل واعياً طوال الهجوم، حتى وجد نفسه غارقاً في كمية مذهلة من الدماء، وحاول البعض وقف تدفق الدماء من طعنة في رقبته باستخدام إبهامه، كما انتفخت إحدى عينيه «مثل بيضة مسلوقة طرية»، حتى استطاع الأطباء علاجه لاحقاً بعد جهود مضنية.
الرجل الذي كان يرتدي ملابس سوداء، انطلق بسرعة خاطفة مثل القذيفة تجاه سلمان رشدي على خشبة مسرح في مدينة تشاتاكوا بولاية نيويورك، ثم تمكن من طعنه، ما أفقده إحدى عينيه وأصابه بالشلل، بعد أن ظل يتجنب مثل هذا الحادث لعقود، حيث توقف عن الظهور العام في لندن، ثم انتقل للعيش في نيويورك، مبتعداً عن الناس قدر الإمكان، وإن تم مشاهدته داخل حانات أحياناً.
ومن الناحية النفسية، يقول رشدي إنه كلما تذكر الموقف شعر بتأنيب لعدم دفاعه باستماتة عن نفسه، حيث رفع يده اليسرى وقتها فقط، وهو شبه مصعوق، لكنه يعود ويقول لنفسه إنه كان بعمر ال75 عاماً، أما مهاجمه فكان بعمر ال24 عاماً.
ويورد ضمن مذكراته «السكين»: «في بعض الأيام أشعر بالحرج، بل بالخجل، بسبب فشلي في محاولة الدفاع عن نفسي. وفي أيام أخرى أقول لنفسي ألا أكون غبياً، ما الذي أتصور أنه كان بوسعي فعله؟ هذا أقرب ما يمكنني فهمه من تقاعسي عن الرد: إن أهداف العنف تمر بأزمة في فهمها للواقع».
ويؤكد سلمان رشدي في سياق مذكراته أنه لم تعد لديه أي رغبة في الدفاع عن «آيات شيطانية» أو عن نفسه.
ويكشف رشدي معلومات عن مهاجمه، الذي اختار أن يشير إليه «بحرف الألف»، بدلاً من وصف «الحمار» الأقل لياقة الذي كان يفضل استخدامه، قائلاً إنه كان في تشاتاكوا لعدة ليال، ينام في العراء، ويتفقد الموقع. كان يحمل بطاقة هوية مزورة، وكان يعيش في الطابق السفلي لمنزل والدته في نيوجيرسي، ويلعب ألعاب الفيديو ويشاهد «نتفليكس». وقد تحول إلى التطرف من خلال مقاطع فيديو على موقع «يوتيوب». ويؤكد رشدي عدم محاولة التحدث معه وجهاً لوجه.