خاص

الولايات المتحدة فرضت عقوبات على كيانين روسي وإيراني

يواجه الاقتصاد الأميركي علامات تدل على تراجع حدة إنفاق المستهلكين، محرك الاقتصاد الأميركي الأساسي، إذ بعد فترة طويلة من الانتعاش القوي، بدأت مؤشرات الإنفاق الاستهلاكي تفقد زخمها ما يثير تساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع وهل هو مؤشر على تباطؤ اقتصادي حتمي أم أنه هدف مدروس من قبل المجلس الفيدرالي الأميركي لضبط وتيرة النمو؟

وتشهد العوامل الرئيسية التي تقف وراء صمود المستهلك الأميركي القوي تراجعاً في نفس الوقت، مما يوحي بأن التراجع الأخير في الطلب المحلي قد يكون أكثر من مجرد حدث عابر، بحسب تقرير نشرته وكالة “بلومبرغ” واطلعت عليه “سكاي نيوز عربية”.

وأوضح التقرير أن “الدخل المتاح الحقيقي لم يرتفع إلا بشكل متواضع على مدار العام الماضي، فيما يبلغ معدل الادخار الآن أدنى مستوى له في 16 شهراً حيث استنفدت الأسر في الغالب النقود الإضافية التي تم ادخارها خلال الوباء، وفي المقابل، يلجأ العديد من الأميركيين بشكل متزايد إلى بطاقات الائتمان وغيرها من مصادر التمويل لدعم إنفاقهم”.

ولفت التقرير إلى أن “هذه العوامل تسهم في تفسير سبب انخفاض الإنفاق الحقيقي، الذي يستبعد تأثير التضخم – في شهر أبريل، حيث قلل المستهلكون إنفاقهم على السيارات والمطاعم والأنشطة الترفيهية، ومع تباطؤ سوق العمل أيضاً، لاحظت عدة شركات كبرى للتجارة الإلكترونية مثل (بست باي) تغيراً في الأشهر الأخيرة حيث تحول المتسوقون إلى العلامات التجارية الأرخص.

ونقلت الوكالة عن غريغوري داكو، كبير الاقتصاديين في شركة (إي واي) “سيستمر تباطؤ الزخم في سوق العمل في الحد من نمو الدخل ويدفع المزيد من العائلات إلى ممارسة ضبط الإنفاق وسط مخزونات مدخرات منخفضة وأعباء ديون أعلى، مع الأخذ في الاعتبار زيادة حساسية السعر، فمن المتوقع أن يتراجع زخم الإنفاق الأسري تدريجياً”.

نمو الاقتصاد الأميركي يعتمد على الاستهلاك

وقال مازن سلهب، كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA” في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “قد تكون أرقام الوظائف الأميركية هي المعيار الأهم ضمن معايير الأساسيات الاقتصادية التي يعتمد عليها الفيدرالي الأمريكي في تحديد مسار سياسته النقدية وتوجهاته المستقبلية”.

وأضاف: “لكن ما يتناساه البعض وخاصة ممن يركز على المضاربات القصيرة الأجل والرهانات في مدى قصير زمنياً هو أن الاقتصاد الأميركي الجبار الذي يعتبر الأضخم في العالم بناتج محلي إجمالي يتجاوز 25 تريليون دولار يعتمد في 70 بالمئة من نموه على الاستهلاك الداخلي لهذا المواطن الأميركي الذي يراهن الجميع على سلوكه وخياراته في البيع والشراء وعادات الاستهلاك”.

وقال: “تراجع نمو الإنفاق الشخصي الأميركي في شهر أبريل الماضي إلى 0.2 بالمئة من 0.7 بالمئة في الشهر الذي سبقه (مارس 2024) وهذه الأرقام هي الأضعف منذ بداية العام الجاري، وعند حساب نفقات الاستهلاك الحقيقية يكون هناك تراجع بنسبة 0.1 بالمئة في الإنفاق عن الشهر الذي سبقه”.

وعند المقارنة نجد مثلاً أن تراجع الفائدة في عام 2020 قاد إلى ارتفاع قوي في الإنفاق تدريجياً ثم استقر من بعده دون ارتفاعات قياسية بتأثير من ارتفاع الفائدة الأميركية في العامين الماضيين وهذا يقود إلى نتيجة مهمة وهي أنه من غير المتوقع أن يبقي الفيدرالي على معدلات الفائدة مرتفعة، حتى لو أن التضخم بقي مرتفعاً حيث ستجبره الأسواق مجدداً على مسارات أحلاها مرّ وفقاً لسلهب.

وفي قراءة مؤشر جامعة ميشيغان لمعنويات المستهلكين الأميركيين تبدو الأرقام عند أدنى مستوياتها في ستة أشهر وهذا قد يترك تأثيراً غير إيجابي بالمطلق في المدى المتوسط وليس بالضرورة الآن، بحسب تعبيره.

ويرى كبير استراتيجي الأسواق في “BDSwiss MENA” “أن المبالغة في تقدير سوء ردة فعل المستهلك الأميركي قد لا تكون دقيقة لأن إنفاق المستهلكين الأميركيين وصل أعلى مستوياته على الإطلاق في الربع الأول 2024 (الأعلى منذ عام 1950) وهذا سيترك الباب مفتوحاً لتضخم أميركي عنيد، ليقود في مرحلة لاحقة إلى ركود تضخمي ويجبر الفيدرالي على تخفيض الفائدة بشكل تدريجي”.

ارتدادات فقدان مرونة الاستهلاك

من جانبه، قال على حمودي الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن فقدان المستهلك الأميركي لمرونته في الإنفاق يعني عدم قدرته على زيادة الإنفاق بشكل ملحوظ أو سريع في ظل تغيرات في الأوضاع الاقتصادية”.

وأضاف أنه عندما يفقد المستهلك مرونته، قد يتراجع عن الإنفاق في الأوقات الصعبة أو غير المستقرة اقتصادياً مما يمكن أن يؤدي إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي، ويمكن أن يسبب فقدان المستهلك لمرونته في الإنفاق تراجعاً في الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي يمكن أن يؤثر سلباً على الاقتصاد بشكل عام، بحسب تعبيره.

وأردف حمودي: “وعندما يفقد المستهلك الأميركي مرونته في الإنفاق، يمكن أن يكون له آثار كبيرة على الاقتصاد المحلي والعالمي، وواحدة من أهمها التأثير على الطلب الاقتصادي، وأيضاً عندما يتراجع المستهلك عن الإنفاق بشكل كبير، يمكن أن ينخفض الطلب على السلع والخدمات مما يؤدي إلى تراجع في إنتاج الشركات وبالتالي قد يؤثر سلباً على الوظائف والنمو الاقتصادي”.

علاوة على ذلك، فإن قدان المستهلك للمروة في الإنفاق يؤدي إلى تقليل الاستثمارات من قبل الشركات، حيث تعتمد الشركات بشكل كبير على قوة الطلب الاستهلاكي لتحقيق الأرباح، وإذا تراجع الطلب، فإن الشركات قد تبدأ في خفض الإنتاج والاستثمارات، “وهذا قد يؤدي إلى دوران سلبي يؤثر على الاقتصاد بشكل عام”، بحسب تعبيره.

وقد تحتاج الحكومة والجهات الفعالة الأخرى لمواجهة التأثيرات السلبية المتعددة على الاقتصاد نتيجة فقدان المستهلك المرونة في الإنفاق إلى تبني سياسات وتدابير لتعزيز الثقة وزيادة الإنفاق لتفادي تبعات هذا الوضع، بحسب حمودي، الذي أوضح أن الفيدرالي الأميركي لديه مجموعة من الأهداف والمسؤوليات منها تعزيز الاستقرار النقدي والاقتصادي، والتحكم في التضخم، وتعزيز النمو الاقتصادي، وتوجيه السياسات النقدية لتحقيق استقرار الأسواق المالية.

وأشار إلى أن رفع الفيدرالي لأسعار الفائدة وإبقائها مرتفقه هو هدفه للحد أو لثني المستهلك على الإنفاق وبالتالي يقلل الطلب على السلع والخدمات ومن ثم تنخفض الأسعار وكذلك نسب التضخم.

لكن الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، أكد ضرورة أن يحقق الفيدرالي التوازن في المعادلة بحيث يبدأ تخفيض أسعار الفائدة عندما يشعر بدء دخول الاقتصاد في مرحلة الركود بمعنى لا ركود ولا سماح باستمرار ارتفاع التضخم.

الاقتصاد يفقد وتيرته القوية

بالعودة إلى تقرير “بلومبرغ” فقد أشار إلى أن الانخفاض في إنفاق المستهلكين في أبريل والمراجعة النزولية الأخيرة لتقديرات الحكومة للناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول يوفر أدلة قوية إلى حد ما على أن الاقتصاد الأميركي يتخلى عن الوتيرة القوية بشكل مفاجئ التي حددها في عام 2023.

من المرجح أيضاً أن تطمئن البيانات الأخيرة مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، حيث ظهر جدل في الأسابيع الأخيرة حول ما إذا كان سعر الفائدة لديهم – والذي يقع عند أعلى مستوى له في أكثر من 20 عاماً (5.25 و5.5 بالمئة) يقيد الاقتصاد بقدر ما توقعوا.

ونشأ الجدل من القوة التي أظهرها المستهلك الأميركي على مدار العامين الماضيين، وبينما ساعد ذلك الاقتصاد الأميركي على تحدي دعوات الركود الاقتصادي بشكل متكرر، فقد حير اقتصاديي وول ستريت وموظفي الاحتياطي الفيدرالي على حد سواء، وقد ساهم في ذلك الطلب القوي على العمالة والمدخرات التي تحققت في مرحلة الوباء ومكاسب الأجور الكبيرة، وفقاً للتقرير.

وأضاف التقرير: “ومع ثبوت التضخم، مما يجبر الاحتياطي الفيدرالي على إبقاء تكاليف الاقتراض مرتفعة، بدأ الاقتصاد الأميركي أخيراً في الركود، انخفض الطلب على العمال عن ذروته أثناء الوباء، مما يعني أن أصحاب العمل لم يعودوا يرفعون الأجور بنفس السرعة، وأظهر تقرير نفقات الاستهلاك الشخصية أن الأجور والمرتبات ارتفعت بنسبة 0.2 بالمئة في أبريل، وهي أصغر زيادة خلال خمسة أشهر”.

وقال كوري باري، الرئيس التنفيذي لشركة (بست باي) “يتخذ المستهلكون خيارات صعبة بشأن ميزانياتهم”، مشيراً إلى التغييرات التي طرأت على البيئة الاقتصادية الكلية منذ التقرير ربع السنوي الأخير لشركة تجارة الإلكترونيات بقوله: “قبل ثلاثة أشهر، كانت هناك عدة مؤشرات تظهر بعض الإيجابية، بما في ذلك انخفاض التضخم واستمرار انخفاض معدل البطالة، وتوجهات مشجعة في ثقة المستهلك وبدايات انتعاش سوق الإسكان، ومنذ ذلك الحين، لا يزال التضخم مرتفعاً، ومعدلات الرهن العقاري مرتفعة، وتتجه درجات ثقة المستهلك إلى الانخفاض، بحسب التقرير.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version