يحبس البريطانيون أنفاسهم انتظاراً للانتخابات المرتقبة في يوليو، في الوقت الذي تنتظر فيه الحكومة الجديدة ملفات مُتخمة بالتحديات والضغوطات الخاصة، لا سيما فيما يتصل بالوضع الاقتصاد بالبلاد؛ حيث ملفات مفتوحة على مصراعيها في انتظار الحسم، بما في ذلك أزمة العجز المالي المتصاعدة.
في هذا السياق، حذر مركز أبحاث من أن الحكومة البريطانية القادمة ستحتاج إلى سد عجز يصل إلى 33 مليار جنيه إسترليني (42.2 مليار دولار) في المالية العامة “ما لم تكن مستعدة للمضي قدماً في جولة جديدة من إجراءات التقشف الشديدة”.
وقالت مؤسسة The Decision إن الجدل بين حزب العمال والمحافظين حول تمويل تعهدات محددة “منفصل عن الواقع”، إذ تستند الوعود الانتخابية إلى تخفيضات سيكون من الصعب الوفاء بها، وفق ما نقله تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وقال مركز الأبحاث إن كلا الحزبين الرئيسيين ملتزمان بتخفيض الديون كنسبة من الدخل القومي في غضون خمس سنوات، لكن عوامل مثل مدفوعات الفائدة الأعلى على الديون، ونمو الإنتاجية الأبطأ من المتوقع، وتكلفة التعويضات البالغة 10 مليارات جنيه إسترليني (12.7 مليار دولار) عن فضيحة الدم الملوث، ستجعل ذلك أكثر صعوبة.
- هيئة مراقبة الضرائب والإنفاق التابعة لوزارة الخزانة، قدّرت أن الحكومة في طريقها لتحقيق هدفها المتمثل في خفض الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي مع توفير 9 مليارات جنيه إسترليني فقط.
- لكن المؤسسة البحثية البريطانية قالت إن الحزب الفائز في الانتخابات العامة سيواجه خيار زيادة الضرائب أو خفض الإنفاق لتحقيق هدف الديون.
- بحسب المؤسسة، فإذا التزمت الحكومة المقبلة بخطط الإنفاق الحالية، فمن المرجح أن يصل حجم العجز إلى حوالي 12 مليار جنيه إسترليني، ولكن إذا اختارت تجنيب السجون والشرطة والحكومة المحلية من التخفيضات الجديدة، فقد يصل حجم العجز إلى 33 مليار جنيه إسترليني.
وفي مراجعته السنوية لاقتصاد المملكة المتحدة الشهر الماضي، حذر صندوق النقد الدولي من فجوة بقيمة 30 مليار جنيه إسترليني بعد الانتخابات.
سيناريوهان لتعامل الحكومة
من جهته، أفاد الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، بأن هناك سيناريوهان اثنين حسب الحزب الفائز بالانتخابات العامة المقبلة لسد العجز المالي،وهي كالتالي:
- السيناريو الأول: حال استمرار حزب المحافظين بالحكومة وفوزه بانتخابات يوليو المرتقبة ستكون هناك عودة محتملة إلى التقشف؛ في محاولة لسد العجز في الميزانية، وهو ما سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد البريطاني وتوجهات المملكة، وكذلك تقلبات أسواق المال، في ظل ضعف الاقتصاد البريطاني مقارنة بدول أوروبا.
- السيناريو الثاني: إذا فاز العمال بالانتخابات ستتجنب الحكومة العودة إلى التقشف، كما ستسعى إلى تأجيل ذلك قدر المستطاع.
وشدد على ضرورة الإسراع بتبني استراتيجيات خاصة لسد العجز؛ تجنباً لحدوث أزمة أكبر في المستقبل، لكنه أوضح في الوقت نفسه أنه “لا توجد حلول واضحة نظراً لصعوبةالوضع، وبما يهدد بدخول الاقتصاد في مرحلة الانكماش، وهو ما تعانيه معظم دول أوروبا بدرجات متفاوتة”.
ونقل تقرير الغارديان عن مدير الأبحاث في المؤسسة البحثية المذكورة، جيمس سميث، قوله:
- لقد هيمنت حالة المالية العامة على الحملات الانتخابية حتى الآن، مع الحجج الحتمية حول كيفية تمويل كل تعهد بالإنفاق.
- لكن هذا التركيز الضيق يخاطر بتشتيت انتباه الناخبين عن السؤال الأكبر المتمثل في كيفية إدارة كل حزب لجوانب “عدم اليقين” التي تواجه المالية العامة.
- هذا السؤال بالغ الأهمية.. فمن سيفوز في الانتخابات يمكن أن يواجه فجوة مالية قدرها 12 مليار جنيه إسترليني، إذا تحولت حالة عدم اليقين اليوم إلى أخبار سيئة بعد الانتخابات.
- إذا أرادت الحكومة المقبلة تجنب جولة جديدة من التقشف، فقد يرتفع هذا الثقب الأسود إلى أكثر من 33 مليار جنيه إسترليني.
ووفق تقرير الغارديان، فإن ميزانيات هيئة الخدمات الصحية الوطنية في إنجلترا والتعليم والدفاع ووزارة الخارجية والتنمية “محمية”، لكن هذا من شأنه أن يؤدي إلى تخفيضات معدلة حسب التضخم في الإنفاق لكل شخص على الإدارات غير المحمية – مثل العدل ووزارة الداخلية والحكومة المحلية – من 13 بالمئة بين 2024-25 و2028-29.
التخفيضات بهذا الحجم – أي ما يعادل 19 مليار جنيه إسترليني – تعادل تكرار ما يقرب من ثلاثة أرباع التخفيضات التي تم إجراؤها خلال برلمان 2010-2015.
وفي حين أن الهدف المعلن لكلا الحزبين هو خفض الديون، فإن الحكومة المقبلة قد تكون في طريقها لتفويت هذا الهدف بأكثر من 30 مليار جنيه إسترليني.
فرض الضرائب أو التقشف
فيما أشار الباحث المقيم في لندن، عضو حزب العمال البريطاني، مصطفى رجب، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه في المناظرة الأخيرة بين رئيسي حزبي المحافظين والعمال وجه لهما سؤال عن ما إذا كان سيتم التعامل مع هذه القضية بفرض الضرائب على المواطنين أو المضي قدماً في سياسات التقشف “وكلاهما تهرب من السؤال بشكل أو بآخر، وهو ما يعكس أن أية حكومة ستأتي ستكون في ورطة، وأن المملكة في مأزق شديد من غير الواضح كيف سيتم التعامل معه”.
وأشار إلى تصريحات رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك، التي زعم فيها أن حزبه دائماً ما يتجه نحو تخفيف الضرائب على المواطنين، وبما يعني الابتعاد قدر الإمكان عن زيادة التقشف عما هو عليه.
وبيّن رجب أن سد العجز يكون من خلال توجهين رئيسيين؛ إما بفرض المزيد من الضرائب أو التقشف، لافتاً إلى أن التوجه الأول من المرجح أن يتبعه حزب العمال حال فوزه بالانتخابات العامة، بحسب زعيمه رئيسه كير ستارمر. ونوه الباحث المقيم في لندن، عضو حزب العمال البريطاني، أن التوقعات تشير إلى ارتفاع حظوظ يفوز حزب العمال في انتخابات يوليو، وبالتالي من المرجح أن يتم فرض المزيد من الضرائب لسد العجز.
ولكن تقرير صندوق النقد السنوي عن الاقتصاد البريطاني انتقد أيضًا سياسات حكومة سوناك، ولا سيما التخفيضات الضريبية الأخيرة المتمثلة في تخفيض مساهمات الضمان الاجتماعي.
صندوق النقد
والشهر الماضي، حذر صندوق النقد الدولي الحكومة البريطانية، من أنها قد لا تتمكن من تحقيق مستهدفاتها بشأن الدين، مشيرا إلى أن المملكة المتحدة يجب ألا تخفض الضرائب قبل الانتخابات المقررة في وقت لاحق من هذا العام.
وأضاف الصندوق أن الحكومة البريطانية قد تضطر إلى تطبيق زيادات ضريبية في المستقبل.
ورفع صندوق النقد الدولي توقعاته للنمو الاقتصادي البريطاني في 2024 إلى 0.7 بالمئة، من توقعات أبريل البالغة 0.5 بالمئة، وهي زيادة تعكس بيانات نمو قوية في أوائل 2024، سيرحب بها رئيس الوزراء ريشي سوناك الذي يكافح لكسب الناخبين.
وبحسب الصندوق، فإن:
- النمو سيظل بطيئا في بريطانيا، وأن الديون في طريقها للارتفاع.
- من المتوقع أن يصل صافي ديون القطاع العام باستثناء برنامج شراء السندات من بنك إنجلترا إلى 97 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2028/2029.
#بريطانيا
#أوروبا