خاص

نهر سوتشو في منطقة لوجياتسوي المالية شنغهاي

تميز الاقتصاد الصيني، خلال العقود الثلاثة الماضية، بتسجيل معدلات نمو استثنائية رسخت مكانة البلاد كثاني أكبر اقتصاد في العالم. إلا أن السنوات الأخيرة شهدت تحولات جذرية ألقت بظلالها على مسار هذا العملاق الاقتصادي، جراء الجائحة وما تبعها من سياسة “صفر كوفيد” التي فرضت قيوداً صارمة على النشاط الاقتصادي.

تزامن ذلك مع تباطؤ النمو الاقتصادي العالمي، وتفاقم أزمة قطاع العقارات، أحد أهم محركات الاقتصاد الصيني، ناهيك عن تراكم الديون لدى الحكومات المحلية وضعف ثقة المستهلكين، وفي خضم هذه التحديات، بادرت الحكومة الصينية بحزمة من التحفيزات لدعم الاقتصاد، شملت قطاعات رئيسية مثل العقارات والبنية التحتية.

وبدأت مؤشرات إيجابية تظهر في بعض البيانات الاقتصادية، تشير إلى بوادر انتعاش في الاقتصاد الصيني، لكن يبقى السؤال الأهم هل ستتمكن الصين من استعادة زخم النمو الذي ميزها لعقود خلت؟

مؤشرات اقتصادية مشجعة

وأظهرت بيانات الإدارة العامة للجمارك في بكين أن صادرات البلاد نمت في مايو الماضي بشكل أسرع من المتوقع، حيث ارتفعت الصادرات بنسبة 7.6 بالمئة في مايو مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي بالقيمة الدولارية، متجاوزة توقعات المحللين البالغة 5.7 بالمئة، لكن الواردات ارتفعت بنسبة 1.8 بالمئة خلال تلك الفترة.

وفي أبريل، ارتفعت صادرات الصين بنسبة 1.5 بالمئة على أساس سنوي، في حين ارتفعت الواردات بنسبة 8.4 بالمئة. وفي الأشهر الخمسة الأولى من العام، ارتفعت الصادرات بنسبة 2.7 بالمئة مقارنة بالعام الماضي، بينما ارتفعت الواردات بنسبة 2.9 بالمئة.

وأشار تقرير لشبكة (سي إن بي سي) الأميركية اطلعت عليه سكاي نيوز عربية، إلى انخفاض ورادات الصين وصادراتها إلى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي خلال تلك الفترة، لكن التجارة مع رابطة دول جنوب شرق آسيا ارتفعت، مع ارتفاع صادرات الصين إلى المنطقة بنسبة 4.1 بالمئة على أساس سنوي في الفترة من يناير إلى مايو، حسبما أظهرت البيانات. وانخفضت صادرات الصين إلى روسيا خلال تلك الفترة، في حين ارتفعت الواردات من روسيا بنسبة 7.5بالمئة.

وتضاعفت صادرات الصين من السفن تقريباً في الفترة من يناير إلى مايو مقارنة بالعام الماضي، في حين ارتفعت صادرات السيارات والدوائر المتكاملة بنسبة 20 بالمئة لكل منهما، وانخفضت صادرات الأسمدة والهواتف المحمولة.

كما أظهر مؤشر مديري المشتريات التصنيعي Caixin أن طلبيات التصدير الجديدة نمت في مايو للشهر الخامس على التوالي، وإن كان بوتيرة أبطأ.

وفي مؤشر على الطلب المحلي، لم تتغير واردات الصين من النفط الخام إلا قليلاً في الأشهر الخمسة الأولى من العام مقارنة بالفترة نفسها من عام 2023، حيث وتعد الصين أكبر مستورد للخام في العالم، بحسب التقرير الذي لفت إلى أن صادرات الصين صمدت على الرغم من التوترات التجارية مع الولايات المتحدة وساعدت في دعم النمو الاقتصادي الشامل.

 وأظهرت بيانات رسمية، أن واردات الصين من النفط الخام انخفضت 8.7 بالمئة في مايو مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق مع تقليص مصافي التكرير مشترياتها في ظل عمليات صيانة مكثفة لها وتراجع أرباح الأرباح وضعف الطلب على المنتجات النفطية المكررة، وكشفت بيانات الإدارة العامة للجمارك أن واردات أكبر مشتر للنفط الخام في العالم بلغت الشهر الماضي 46.97 مليون طن، أو نحو 11.06 مليون برميل يوميا، وهذه أكبر من الكمية في أبريل التي بلغت 10.88 مليون برميل يوميا وأقل من 12.11 مليون برميل يوميا قبل عام.

محفزات داعمة للقطاع العقاري

وكان البنك المركزي الصيني (بنك الشعب الصيني) أعلن في مايو الماضي عدة إجراءات لدعم القطاع العقاري، حيث ألغى الحد الأدنى لسعر الفائدة على قروض الرهن العقاري على القرضين الأول والثاني للمشترين الأفراد على مستوى البلاد، وخفض نسبة الحد الأدنى للدفعة الأولى للقروض العقارية، إذ خفض البنك نسبة الحد الأدنى للدفعة الأولى للمشترين لأول مرة إلى 15 بالمئة و25 بالمئة للوحدات السكنية للمرة الثانية.

كما تعهدت بكين بتقديم 300 مليار يوان (42 مليار دولار) للمؤسسات المالية، وذلك لإقراض الشركات المحلية المملوكة للدولة حتى تتمكن من شراء الشقق غير المباعة التي تم بناؤها مسبقاً.

وسجل الناتج المحلي الإجمالي الصيني نمواً بلغ 5.3 بالمئة في الربع الأول من العام، بزيادة 1.6 بالمئة عن الربع الأخير من العام الماضي، وهو ما أبقى الصين على المسار الصحيح لتحقيق هدف النمو البالغ 5 بالمئة هذا العام، حيث عدل صندوق النقد الدولي توقعاته لنمو الاقتصادي الصيني إلى 5% بالمئة لعام 2024 و4.5% لعام 2025، وكلاهما أعلى بنسبة 0.4 نقطة مئوية من توقعاته في أبريل.

الصادرات محرك قوي

في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي عامر الشوبكي: “تعد الصادرات دافعاً ومحركاً أساسياً للاقتصاد الصيني، وبيانات الصادرات الأخيرة مؤشراً مهماً جداً على قوة ونمو اقتصاد البلاد على الرغم الضغوط التجارية الجيوسياسية”.

ويأتي ارتفاع الصادرات من قاعدة جنوب شرق آسيا في تحول للبضائع الصينية من الاتجاه الأوروبي والأميركي نحو هذه الوجهة ما يعطي قاعدة جديدة للاقتصاد الصيني ويؤكد أيضاً نجاعة الإجراءات التحفيزية والتنموية التي اتخذتها السلطات لمعالجة بعض نقاط الضعف في اقتصادها، وهذا يؤكد عزم الصين على تحقيق نمو قد يفوق 5 بالمئة في العام الحالي الأمر الذي دفع صندوق النقد الدولي لرفع توقعاته لنمو الاقتصاد الصيني إلى 5 بالمئة أي نفس الرقم الذي خططت له الحكومة الصينية، بحسب تعبيره.

رياح معاكسة

ويشرح الشوبكي أن المؤشرات المشجعة تأتي على الرغم من الرياح المعاكسة والخطوات التي يمكن أن تأخذها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الأشهر المقبلة ومنها ما يدرسه الاتحاد الأوروبي بخصوص فرض رسوم جمركية إضافية على السيارات الصينية وفيما إذا كانت هذه السيارات تتلقى دعماً من الحكومة يؤدي إلى خرق سلامة المنافسة بين البضائع الصينية والأوروبية، وكذلك الخطوات العديدة التي اتخذتها الولايات المتحدة فيما يخص السيارات الصينية وسلع كثيرة تمت إضافة رسوم جمركية عليها وكذلك الحد من استيراد الكثير من البضائع مثل الرقائق الإلكترونية وبعض المنتجات المهمة، وهذا قد يظهر على الاقتصاد الصيني.

كما لفت الشوبكي إلى أن المشكلات الاقتصادية في الصين وقدرة البلاد على معالجتها لاتزال تشكل أهم تحد أمام (أوبك+) لتحديد نمو الطلب على النفط من الصين التي أكبر مستورد للنفط في العالم وأهم محرك لنمو الطب عليه.

لكن مستشار الاقتصاد والطاقة الدولي في الوقت ذاته يرى أن الحكومة الصينية ستواجه هذه الرياح المعاكسة بالمزيد من الإجراءات التحفيزية لاقتصادها وبالتالي سلامة نموه في الفترة المقبلة وكذلك مواجهة أية ظروف مستجدة قد تأتي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

وأكد أن ذلك يُختبر به الاقتصاد الصيني فيما إذا كانت الخطوات التحفيزية الحكومية أتت أوكلها في تعافيه وهذا ما بدا واضحاً في الشهر الحالي في نمو الصادرات وكذلك نمو الفائض التجاري من 72 مليار دولار إلى قرابة 86 مليار دولار.

الأزمة العقارية أكبر من المحفزات الحكومية

بدوره، استبعد الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” طارق الرفاعي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية استعادة الصين زخم النمو الذي تميز به الاقتصاد الصيني خلال العقود الماضية، مرجعاً ذلك إلى الأزمة العقارية التي تعاني منها الصين.

واعتبر الرفاعي أن التحفيزات الحكومية ليست كافية، بل أكد أن هذه الأزمة أكبر من التحفيزات التي أعلنت الحكومة والبنك المركزي مؤخراً. وأضاف “وحتى إن شاهدناً استقراراً في الأزمة العقارية غير أنها لم تنته بعد والتعافي لجهة النمو وأسعار العقارات سيأخذ سنوات كثيرة.

وشبّه الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية الأزمة العقارية في الصين بانفجار الفقاعة العقارية الذي حدث في اليابان عام 1989، لافتاً إلى أن اليابان لم تشهد حتى الآن تعافي أسعار العقار بعد مرور أكثر من 30 سنة.

أما في الصين من الممكن أن نلحظ استقراراً اقتصادياً في الوقت الراهن لكن التعافي والنمو الاقتصادي الذي نعرفه على مدى العقود السابقة لن نراه في سنوات عديدة، بحسب تعبيره.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version