أدى النمو الهائل لسوق الرقائق الإلكترونية في الأعوام الماضية إلى تغذية سباق مشتعل بالفعل بين الشركات العالمية من أجل الفوز بالريادة في هذه الصناعة الناشئة التي تقع في قلب الحرب الباردة بين القوى العظمى.

وبلغت قيمة حجم سوق الرقائق الإلكترونية العالمية 544.78 مليار دولار في عام 2023، وتوقع تقرير لشركة بريسدنس ريسيرش أن تصل إلى 1.137 تريليون دولار بحلول عام 2033، ما يجعلها فرصة ذهبية تجذب الاستثمارات العالمية من قبل الشركات الكبرى.

الشركات الرائدة في استثمارات الرقائق

قاد التوسع الهائل في الاستثمار الأجنبي المباشر في قطاع الرقائق الإلكترونية على مدى العقد الماضي ثلاث شركات رئيسية، هي إنتل ومقرها الولايات المتحدة، و«تي إس إم سي» التايوانية، ومجموعة سامسونغ بكوريا الجنوبية، وفقاً لدراسة أجرتها شركة «إف دي آي ماركتس».

وكانت شركة إنتل، التي تأسست في عام 1968، المستثمر العالمي الرائد في المشاريع خارج سوقها المحلية حتى مايو أيار 2023، إذ تعهدت صانعة الرقائق، التي يقع مقرها في سانتا كلارا بولاية كاليفورنيا، بأكثر من 65 مليار دولار لمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى العقد الماضي.

وجاءت تي إس إم سي في المرتبة الثانية بمشاريع استثمار أجنبي مباشر مُعلنة بقيمة 53.7 مليار دولار منذ عام 2013، وحتى مايو 2023، يليها سامسونغ التي تعهدت بإجمالي 26.8 مليار دولار لمشاريع الاستثمار الأجنبي المباشر في الفترة ذاتها، بحسب الدراسة.

وبنهاية 2023، كانت إنتل هي الشركة الأكبر ربحاً في سوق الرقائق مسجلة مكاسب بقيمة 51 مليار دولار، يليها إنفيديا مع أرباح بقيمة 49 مليار دولار، ثم سامسونغ التي حصدت أرباحاً بنحو 44 مليار دولار.

واجتذبت صناعة الرقائق في الولايات المتحدة أكثر من 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 2019، ما يجعلها أكبر متلقٍّ للاستثمار الأجنبي المباشر على مستوى العالم بحسب، بيانات شركة الأبحاث والتحليل غلوبال داتا الصادرة في مايو أيار 2024، التي كشفت أن كبار المستثمرين في الولايات المتحدة هم تي إس إم سي وإنفينيون، وبوش، وإيه إس إم إل.

رحلة صعود إنفيديا تعصف بإنتل

حتى عام 2020، تفوقت القيمة السوقية لشركة إنتل مقارنة بإنفيديا، ولكن طفرة الذكاء الاصطناعي عززت صعود إنفيديا في قائمة شركات الرقائق لتتربع في 2024 على عرش صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي.

وخلال جائحة كورونا، أدى التحول إلى العمل عن بعد والطلب اللاحق على مراكز البيانات التي يمكنها تمكين الحوسبة السحابية – بالإضافة إلى المزيد من الاهتمام بألعاب الفيديو بينما كان الجميع عالقين في الداخل- إلى تسريع إيرادات إنفيديا بشكل أكبر.

ثم بدأ وادي السليكون، بقيادة شركة أوبن إيه آي في إدراك إمكانات الذكاء الاصطناعي في تغيير الطريقة التي تمارس بها جميع الشركات أعمالها، وبالفعل سمح النظام البيئي لشركة إنفيديا بوضعها كمصدر أساسي للشركات التي تتوسع في مجال الذكاء الاصطناعي.

وقفزت إنفيديا منذ بداية عام 2024 الجاري إلى مقدمة الصناعة بدفعة من الإقبال العالمي على رقائق الذكاء الاصطناعي الخاصة بها، بينما كانت إنتل بين عدد من الشركات التي واجهت ضغوطاً بسبب تباطؤ الطلب على المعالجات التقليدية لصالح تلك التي تعمل بالذكاء الاصطناعي.

ومنذ ذلك الحين، ارتفعت ثروات إنفيديا إلى مستويات هائلة لتبلغ قيمتها السوقية ما يقرب من ثلاثة تريليونات دولار وفقاً لسعر سهمها في 10 يونيو حزيران 2024، في حين تراجعت شركة إنتل للمرتبة الثانية عشرة في قائمة أكبر شركات الرقائق قيمة سوقية.

الرقائق.. نفط القرن الحادي والعشرين

لا تقتصر حرب الرقائق على الشركات العالمية فقط، بل هي في الأصل نابعة من صراع دولي عالمي، فالسيطرة على تصنيع الرقائق المتقدمة في القرن الحادي والعشرين قد يكون أشبه بالسيطرة على إمدادات النفط في القرن العشرين، إذ يمكن للدولة التي تسيطر على هذه الصناعة خنق القوة العسكرية والاقتصادية للآخرين.

وتنتج الولايات المتحدة نحو 10 في المئة من الرقائق العالمية لكنها لا تنتج الرقائق الأكثر تقدماً، لذلك وضع الرئيس الأميركي جو بايدن قانون الرقائق والعلوم، والذي يسعى إلى تخصيص مبلغ 280 مليار دولار، كحزم دعم لتعزيز البحث المحلي، وتصنيع أشباه الموصلات خلال 10 سنوات.

ووفقاً لبيان البيت الأبيض، فإن الشركات أعلنت عن استثمارات تزيد قيمتها على 825 مليار دولار في التصنيع والطاقة النظيفة وأشباه الموصلات في الولايات المتحدة منذ تولي بايدن منصبه.

كما كشف تقرير لشركة ماكينزي آند كومباني، عن توقعات لقيمة مشاريع أشباه الموصلات في الولايات المتحدة، إذ ستتراوح بين 223 مليار دولار و260 مليار دولار حتى عام 2030.

واتخذت إدارة بايدن عدداً من القرارات التمويلية لدعم صناعة الرقائق في أميركا لمواجهة السيطرة الصينية والتايوانية، وسط توقعات ببلوغ سوق أشباه الموصلات نحو تريليون دولار من حيث القيمة بحلول عام 2030، وفقاً لتقرير ماكينزي.

واحتلت ألمانيا المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة من حيث الاستثمار الأجنبي المباشر العالمي في أشباه الموصلات بحسب شركة غلوبال داتا، بإجمالي ما يقرب من 40 مليون دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر منذ عام 2019، بينما يستهدف الاتحاد الأوروبي لجذب استثمارات خاصة بقيمة تزيد على 100 مليار يورو (108.41 مليار دولار) إلى صناعة الرقائق الأوروبية بحلول عام 2030.

أما في الصين، فأنشأت الحكومة صندوق استثمار جديداً برأس مال مسجل قدره 344 مليار يوان (ما يعادل 47.5 مليار دولار)؛ بهدف تعزيز صناعة أشباه الموصلات في البلاد، وكانت المرحلة الأولى للصندوق تأسست في عام 2014 برأس مال مسجل قدره 138.7 مليار يوان، وتبعتها المرحلة الثانية في عام 2019 برأس مال مسجل قدره 204 مليارات يوان.

وفي كوريا الجنوبية، أعلنت الحكومة عن حزمة دعم بقيمة 26 تريليون وون (ما يعادل 19 مليار دولار) لشركات الرقائق، مشيرة إلى الحاجة إلى مواكبة مجالات مثل تصميم الرقائق وتصنيع العقود وسط حرب سوق أشباه الموصلات العالمية.

وعلى صعيد الشرق الأوسط، شهدت المنطقة خلال السنوات الأخيرة زخماً واسعاً في مجال الابتكار التكنولوجي بقيادة الإمارات والسعودية، وفي أغسطس آب 2023 اشترت البلدان آلاف الرقائق الإلكترونية الذكية من إنفيديا في إطار طموح الدولتين للتوسع في مجال الذكاء الصناعي، وفقاً لما أوردته صحيفة فاينانشال تايمز حينها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version