خاص

الاقتصاد الأميركي يواصل الصمود

جاءت تحذيرات النائب الأول للمدير العام لصندوق النقد الدولي، جيتا جوبيناث، بشأن التبعات المحتملة لتزايد الأعباء المالية للولايات المتحدة الأميركية، لتدق ناقوس الخطر بشأن معضلات يواجهها أكبر اقتصاد في العالم، وبما ينعكس على الاقتصاد العالمي ككل.

جوبيناث، التي توصف بكونها المسؤولة الثانية في صندوق النقد الدولي، حثت الولايات المتحدة على تقليص أعبائها المالية المتزايدة، لا سيما وأن النمو القوي في أكبر اقتصاد في العالم يمنح مجالا “واسعا” لكبح جماح الإنفاق وزيادة الضرائب.

ونوهت بأن الوقت قد حان لكي “تستثمر الاقتصادات المتقدمة في ضبط الأوضاع المالية” ومعالجة الكيفية التي تخطط بها لخفض أعباء الديون إلى مستويات ما قبل الوباء.

جاء ذلك في مقابلة أجرتها أخيراً مع صحيفة فايننشال تايمز، قالت فيها: “بالنسبة للولايات المتحدة، نرى مجالاً واسعاً أمامها لتقليص حجم عجزها المالي، نظراً لقوة الاقتصاد الأميركي أيضاً”.

تأتي هذه التحذيرات في الوقت الذي يخشى فيه الاقتصاديون والمستثمرون من أن سنوات من التبذير المالي (الإنفاق الزائد) من قبل كل من الديمقراطيين والجمهوريين تؤدي إلى تراكم المتاعب على كاهل الاقتصاد الأميركي.

  • يتوقع مكتب الميزانية بالكونغرس، وهو هيئة الرقابة المالية للحكومة الفيدرالية، ارتفاع الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي أعلى من أعلى مستوياته السابقة في حقبة الحرب العالمية الثانية في العام 2029.
  • يتوقع المكتب عجزاً يتراوح بين 5.2 بالمئة و6.3 بالمئة على مدى السنوات العشر المقبلة، إذا بقيت الخطط الاقتصادية على حالها.

وقالت جوبيناث: “إن إغراء تمويل كل الإنفاق من خلال الاقتراض هو أمر يجب على البلدان تجنبه”.

وبحسب صندوق النقد الدولي – في تقريره المعياري للمراقبة المالية، الذي نشر في أبريل الماضي- فإنه يتوقع أن تسجل الولايات المتحدة عجزاً مالياً بنسبة 7.1 بالمئة في العام المقبل (أكثر من ثلاثة أضعاف متوسط ​​الاقتصادات المتقدمة الأخرى البالغ 2 بالمئة).

وحذر من أن العجز المالي في كل من الولايات المتحدة والصين يشكل “مخاطر كبيرة” على الاقتصاد العالمي.

فيما أشادت جوبيناث بالإصلاحات المالية الأخيرة في منطقة اليورو، على الرغم من أنها أضافت أن تنفيذ التدابير، التي تم الاتفاق عليها في ديسمبر “سيكون بالغ الأهمية”.

السيطرة على الدين

المستشار السابق بوزارة الخارجية الأميركية، حازم الغبرا، أرجع في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، تحذير صندوق النقد بشأن العبء المالي للولايات المتحدة إلى الاقتراض المبالغ فيه من قبل أميركا خلال أزمة كورونا، مشيرًا إلى أن التحذير لم يوجه إليها فقط لكنه موجه أيضًا إلى الصين والدول الكبرى.

وأوضح أنه كان لابد أن تتم السيطرة على هذا الدين بعد الجائحة، لكن كورونا أتت وذهبت ولم تتم السيطرة عليه، مرجعًا السبب إلى اعتماد الحكومة على الاستدانة وصرف ما يزيد عن مقدرات الدولة وناتجها المحلي.

وأفاد بأن الإدارة الأميركية لم تكن بانتظار صدور تحذير من صندوق النقد الدولي، خاصة وأن الفيدرالي الأميركي كان قد أصدر تقريراً يحذر من الشأن ذاته في فبراير الماضي، وقال بشكل صريح إن الدين العام متفاقم ويؤسس لمشكلة اقتصادية تؤثر على الأمن القومي والمجتمعي في الولايات المتحدة.

واستبعد الغبرا لجوء الحزب الجمهوري واليمين الأميركي، حال فوز الرئيس السابق دونالد ترامب بالانتخابات، إلى رفع الضرائب، على أن يكون توجهه هو كبح جماح الصرف والتحكم في مصروفات الدولة بشكل منطقي، منوهًا إلى أن الحل هو أن يكون الإنفاق ضمن حدود دخل الحكومة.

ويرى كثيرون أن العام 2025 هو عام عصيب بالنسبة للتوقعات المالية للولايات المتحدة، مع تعهد دونالد ترامب بجعل تخفيضاته الضريبية للعام 2017 دائمة إذا أعيد انتخابه، وبعد فشل جو بايدن في الحد من مستويات الإنفاق المرتفعة، مما أثار مخاوف من أن العجز قد يتضخم أكثر مما سبق بالفعل.

إصلاحات جوهرية

ومن المقرر أن يصدر صندوق النقد الدولي المراجعة السنوية لاقتصاد الولايات المتحدة، أو ما يسمى بمشاورات المادة الرابعة، في وقت لاحق من هذا الشهر.

وقالت جوبيناث إنه في جميع الاقتصادات المتقدمة لا توجد وسيلة للالتفاف على حقيقة أن هناك حاجة إلى إصلاحات جوهرية لأنظمة معاشات التقاعد والإنفاق الطبي مع تقدم السكان في العمر.

وعلى الرغم من أن إدارة بايدن كافحت لكبح جماح الإنفاق على الرعاية الصحية والاجتماعية، إلا أن جوبيناث أشارت ضمنا إلى أن صندوق النقد الدولي يدعم جهود البيت الأبيض لدفع الأميركيين الأثرياء إلى دفع المزيد من الضرائب.

وقالت: “نرى أسبابا في عديد من البلدان لفرض ضرائب أكثر تصاعدية”، مضيفة أنه يمكن تنفيذ ضرائب الأرباح الرأسمالية والميراث بشكل أكثر فعالية.

وفي سياق متصل، حذرت المسؤولة بصندوق النقد من أن اعتماد الذكاء الاصطناعي التوليدي “يمكن أن يؤدي إلى تضخيم الانكماش الاقتصادي المقبل” على الرغم من أنه قد يؤدي إلى زيادة الإنتاجية وتعزيز النمو.

وقد وجدت أبحاث صندوق النقد الدولي أن التكنولوجيا يمكن أن تعرض للخطر 30 بالمئة من الوظائف في الاقتصادات المتقدمة، و20 بالمئة في الأسواق الناشئة، و18 بالمئة في البلدان المنخفضة الدخل.

وقالت جوبيناث إنه يتعين على الدول إعادة التفكير في كيفية دعم العمال في الوظائف التي أزاحتها التكنولوجيا.

مخاوف صندوق النقد

من جهته، قال عضو الحزب الديمقراطي مهدي عفيفي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن صندوق النقد الدولي يرى أن الولايات المتحدة الأميركية لابد وأن تبدأ في سد العبء المالي، خاصة وأن اقتصادها في أفضل حالاته الآن، وذلك عبر رفع الضرائب والتقليل من الإنفاق.

وينوه إلى تفاقم عبء الدين الأميركي، وهو ما كان له تبعات ومخاطر على اقتصاد الولايات المتحدة (..)، مشدداً على أن ثمة مخاوف من توقف الصين عن شراء السندات الأميركية، لذا لابد لأميركا أن تتعامل بإيجابية مع هذا الوضع، خاصة وأن الاقتصاد الأميركي بات في أفضل حالاته، فعلى سبيل المثال يمكن الآن رفع الضرائب وأن تسهم الشركات والمؤسسات في سد هذا العجز.

ويشدد على أن الصندوق يرى أنه لابد من تقليل الإنفاق العام خاصة وأن هناك فرصة جيدة لتقليله، وأن أميركا تستطيع أن تقوم بهذا. كما يحذر عضو الحزب الديمقراطي من تأخر الإدارة الأميركية عن خطوة تقليل الإنفاق وكبح جماح العبء المالي، بما يقود إلى تعريض الاقتصاد الأميركي إلى هزة عنيفة، وذلك سيؤدي بالتبعية إلى أن يشهد الاقتصاد العالمي هزة قوية أيضًا، مشيرًا إلى أن وجود أميركا كأكبر اقتصاد بالعالم يجعلها ذات تأثير على العالم.

وعن السيناريو المتوقع بشأن تعامل الإدارة الأميركية مع كبح جماح هذا التضخم بالعبء المالي، بعد انتخابات الرئاسة في نوفمبر المقبل، يشير إلى أنه في حالة فوز المرشح دونالد ترامب، لا يمكن رفع الضرائب لأن عادة ما يحاول الحزب الجمهوري استقطاب رجال أعمال وممولين عن طريق تقديم  تسهيلات لهم، مستشهدًا على ذلك بارتفاع سقف الدين خلال ولايته الماضية ستة مرات، وهو كان أقصى ارتفاع في التاريخ.

أما في حالة فوز الرئيس الحالي جو بايدن بفترة ولاية جديدة، فسيكون هناك إمكانية لرفع الضرائب ومحاولة تقليل العجز، علاوة على تغيرات محتملة في ملف رفع سقف الدين.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version