الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

يثير استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا جدلاً واسعاً، حيث يُشبه البعض هذه الخطوة بفتح “صندوق باندورا” لوصف العواقب والمخاطر القانونية والأخلاقية بعيدة المدى، ويبرز مصطلح “صندوق باندورا” كمفهوم مجازي يشير إلى سلسلة من الأحداث غير المتوقعة والمعقدة التي يمكن أن تنجم عن قرار واحد.

وصندوق باندورا، في الأساطير الإغريقية، هو صندوق أُعطي لباندورا، المرأة الأولى على الأرض، والذي كان يحتوي على كل الشرور التي يمكن أن تنتشر في العالم. ويُستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى العواقب غير المقصودة لقرار قد يبدو بسيطًا في البداية.

في هذا السياق، توصلت الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى طريقة لتمويل المجهود الحربي الأوكراني من خلال الاستفادة من الأصول الروسية المجمدة في أنظمة البنوك لديهم. ومن المقرر الموافقة على هذه الاتفاقية خلال قمة مجموعة الدول السبع في إيطاليا، وذلك بعد سنوات من الخلاف حول كيفية استخدام الأموال الروسية دون اللجوء إلى مصادرة الأصول بطريقة قانونية مشكوك فيها.

طالبت واشنطن في البداية بمصادرة صريحة للأصول لدعم أوكرانيا في وقت يعاني اقتصادها من الانهيار، لكن بعض القادة الأوروبيين كانوا يخشون من أن يشكل ذلك سابقة خطيرة.

وبحسب تقرير على وكالة “bloomberg” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، فإن الحل الذي توصلوا إليه يكمن في الاستفادة من الأرباح التي تدرها الأصول الروسية المجمدة دون الاستيلاء على الأصول نفسها.

1. كيف ستعمل هذه الآلية؟

بدلًا من مصادرة الأصول الروسية وتسليمها إلى الحكومة الأوكرانية في كييف، فإن مجموعة الدول السبع المكوّنة من الدول الغنية ستحتفظ بهذه الأصول في بنوكها المركزية. وستقوم مجموعة الدول السبع بمنح قروض لأوكرانيا. كما سيتم سداد هذه القروض باستخدام العائدات التي تدرها الأصول الروسية المجمدة على مر الزمن، وفقًا لأشخاص مطلعين على الأمر.

وتُقدّر قيمة تلك العائدات بما يتراوح بين 3 مليارات يورو و 5 مليارات يورو (أي ما يعادل 3.24 مليار دولار إلى 5.4 مليار دولار أميركي ) سنويًا.

2. ما الفرق بين مصادرة وتجميد الأصول؟

  • مصادرة الأصول: تعني نقل ملكية الأصل — سواء كانت سندات ملكيتها تخص بنكًا مركزيًا، أو سيارة مرتبطة بتجارة المخدرات، أو يخت فاخر لأحد الأوليغارشيّة الروس المُعاقبين — إلى الجهة التي تقوم بالمصادرة، والتي يمكنها عندئذٍ استخدام أو بيع الأصل.
  • تجميد الأصول: يعني أنه لا يمكن استخدام الأصل المجمد أو نقله أو بيعه، لكن الملكية القانونية له لا تتغير.

3. ما هي الأصول الروسية التي تم تجميدها؟

قام الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول السبع وأستراليا بتجميد حوالي 280 مليار دولار أميركي من أصول البنك المركزي الروسي على شكل أوراق مالية ونقد. تم تنفيذ ذلك في الغالب من خلال مؤسسة المقاصة الأوروبية “يوروكليار” التي تتخذ من بلجيكا مقراً لها.

تجدر الإشارة إلى أن معظم هذه الأموال المجمدة موجودة حاليًا في أوروبا. ويعود ذلك إلى قيام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب الجزء الأكبر من أصول البنك المركزي الروسي من الولايات المتحدة في عام 2018، وذلك بعد جولات سابقة من العقوبات.

بالإضافة إلى ذلك، فرضت عقوبات على شخصيات روسية بارزة أدت إلى تجميد ما يقدر بنحو 58 مليار دولار إضافية من الأصول، بما في ذلك المنازل واليخوت والطائرات الخاصة، وذلك اعتبارًا من مارس 2023 وفقًا لبيان صادر عن وزارة الخزانة الأميركية في ذلك الوقت.

4. ما المخاطر الناجمة عن استخدام الأصول الروسية؟

هناك بعض المخاطر التي يثيرها استخدام الأصول الروسية المجمدة لتمويل أوكرانيا، ومن أهمها:

  • خرق مبدأ حرمة الملكية الخاصة: ترى روسيا أن تحرك الغرب لتعبئة أصولها لدعم أوكرانيا ينتهك مبدأ أساسيا في النظام الاقتصادي العالمي، وهو حرمة الملكية الخاصة.
  • تقويض شرعية النظام القائم على القواعد: إذا تم النظر إلى الدول التي تعتبر نفسها من رواد النظام العالمي القائم على القواعد وهي تنتهك هذه القواعد عندما لا تكون مناسبة لها، فأي رسالة ستوجه ذلك إلى باقي دول العالم؟

بمعنى آخر، تخشى بعض الدول أن يؤدي استخدام الأصول الروسية سابقة قانونية يمكن الاستناد إليها مستقبلا لتجميد أو مصادرة أصول دول أخرى في حال نشوب خلافات سياسية أو اقتصادية.

تثير عملية تجميد الأصول الروسية قلقًا لدى كل من فرنسا وألمانيا والبنك المركزي الأوروبي بشأن:

  • الانتقام الروسي: تتحسب هذه الجهات من ردود انتقامية روسية تستهدف الأصول الأوروبية المجمدة لديها.
  • استقرار النظام المالي: قد يؤدي ذلك إلى زعزعة الاستقرار المالي العالمي والضرر بمركز اليورو كعملة احتياطية.
  • خروج رؤوس الأموال: يخشى البعض أن يتسبب هذا الإجراء بتشجيع المودعين، خصوصًا من الأسواق الناشئة، على سحب أموالهم من البنوك الغربية، مما يؤدي إلى تفتيت النظام المالي العالمي.

على النقيض، قللت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين من أهمية هذه المخاطر في فبراير الماضي، مؤكدة على عدم وجود بدائل حقيقية للدولار واليورو والين كعملات احتياطية. وأشارت إلى أن تحالف مجموعة الدول السبع، الذي يمثل نصف الاقتصاد العالمي وجميع العملات القادرة على أداء وظيفة العملات الاحتياطية، يعمل متحدًا في هذا الإطار.

في المقابل، هددت روسيا برد انتقامي قد يتضمن مصادرة الأصول المجمدة لديها والمملوكة لدول تعتبرها “غير صديقة”.

5. هل تم استبعاد مصادرة الأصول الروسية نهائيا؟

على الرغم من اتفاق مجموعة الدول السبع على استخدام عوائد الأصول الروسية المجمدة بدلًا من مصادرة الأصول نفسها، إلا أن بعض المسؤولين الأميركيين والأوروبيين يرون في هذا الاتفاق خطوة أولى نحو اتخاذ إجراءات أكثر جرأة في المستقبل.

ترى الولايات المتحدة أن ما يسمى بـ “الإجراءات المضادة” (countermeasures) يمكن أن يوفر أساسًا قانونيًا لمصادرة الأصول الروسية في المستقبل.

يشير مصطلح “الإجراءات المضادة” إلى إجراءات تعتبر غير قانونية إذا تم فرضها على دولة لم تنتهك التزاماتها الدولية، لكنها تصبح قانونية إذا تم اتخاذها ضد دولة مخالفة، بهدف الضغط عليها لإنهاء سلوكها غير القانوني وتعويض المتضررين. وفي حال فشل ممارسة الضغوط، يمكن استخدام الأصول المذكورة لتمويل التعويضات.

بالنسبة لوزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، فهناك “قضية قوية في القانون الدولي والاقتصاد والأخلاق للمضي قدمًا” في مصادرة الأصول الروسية، وذلك في حال استمرار الحرب الروسية ضد أوكرانيا.

6. ماذا يحدث للأصول الغربية التي يملكها مليارديرات روس؟

تطرح العقوبات المفروضة على الأصول الغربية التي يملكها الأوليغارشيّة الروس نفس المعضلات القانونية التي ناقشناها سابقًا. فقد تم تجميد ما يقدر بنحو 58 مليار دولار من الأصول الخاصة بهؤلاء الأفراد، بما في ذلك المنازل واليخوت والطائرات الخاصة.

ولكن لم يتم مصادرة سوى القليل منها، لأن المصادرة عادةً لا تُسمح إلا عندما يُثبت أن هذه الأصول عائدات لأنشطة إجرامية. وهذا أمر يصعب إثباته في المحاكم.

علاوة على ذلك، يواجه المحققون المكلفون ببناء قضية ضد هؤلاء صعوبة في تتبع الأموال بسبب تعمد الأوليغارشيّة إخفاء ملكيتهم للأصول من خلال شبكة معقدة من الشركات الوهمية والصناديق الخارجية (الاستئمانية).

استثناءات:

على الرغم من التحديات، هناك بعض الاستثناءات التي تم فيها مصادرة أصول يملكها الأوليغارشيّة الروس:

  • في عام 2022، صادر كل من فيجي وإسبانيا يختين مرتبطين بالمليارديرين الروس سليمان كيريموف وفيكتور فيكسلبرج، وذلك بناءً على طلبات من السلطات الأميركية. (كانت وزارة الخزانة الأميركية قد صنفت كيريموف ضمن مجموعة من الأوليغارشيّة الذين استفادوا من فساد الحكومة الروسية.)
  • ارتبط يخت فيكسلبرج الذي تبلغ قيمته 99 مليون دولار، والذي يُسمى “تانغو”، بشبهات الاحتيال المصرفي وغسيل الأموال وانتهاكات العقوبات.
  • صادر الأميركيون أيضًا منازل تملكها شخصيات روسية بارزة أخرى، مثل كيريموف وفيكسلبرج وأوليغ ديريباسكا.
  • تحاول السلطات الأمريكية حاليًا بيع يخت كيريموف، المسمى “أماديا”.

7. هل هناك سابقة لمصادرة الأصول المجمدة؟

نعم، هناك بعض السوابق لمصادرة الأصول المجمدة، على الرغم من ندرتها:

  • العراق (2003): بعد غزو العراق عام 2003 وإطاحة الرئيس صدام حسين، أمر الرئيس الأميركي جورج دبليو بوش بمصادرة 1.7 مليار دولار من الأموال العراقية الموجودة في البنوك الأميركية. واستُخدم جزء من هذه الأموال لدفع رواتب موظفي الحكومة العراقية.
  • كوبا (1996): صادر الأميركيون أموالًا كوبية مجمدة في عام 1996، واستخدموها لاحقًا للمساعدة في تعويض عائلات ثلاثة أميركيين قتلوا عندما أسقطت القوات المسلحة الكوبية طائراتهم.

أصول روسيا المجمدة.. طوق النجاة لكييف لمواجهة محاذير الحلفاء

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version