متابعات-الخليج

تسبب قرار الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة بإغراق البلاد في حالة من الإرباك السياسي الشديد. ويبدو أن عقدين شهدا استقراراً نسبياً وعمل الرئيس، ورئيس الوزراء، والبرلمان في وئام، في طريقهما إلى الزوال.

وترجح التوقعات عدم حصول أي من المعسكرات السياسية الرئيسية، التجمع الوطني اليميني المتطرف، وتكتل الجبهة الشعبية الجديد اليساري، أو الوسطيين بزعامة ماكرون، على أغلبية مطلقة، وأنها ستواجه صعوبة في تشكيل حكومة.

أربعة سيناريوهات محتملة

تشير الاستطلاعات إلى أن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف، بزعامة مارين لوبن، المرشحة الرئاسية لثلاث مرات، ورئيسه الحالي جوردان بارديلا، سيحصل على أكبر عدد من الأصوات بعد الجولة الثانية في 7 يوليو/ تموز. وإذا ضمن التجمع الوطني وحلفاؤه أغلبية في الجمعية الوطنية، سيجد ماكرون نفسه في «تعايش» بين رئيس وحكومة من معسكرين على طرفي نقيض. وشهدت فرنسا ثلاث حكومات مماثلة في فترة ما بعد الحرب. وجميعها كانت حكومة تعايش بين اليسار ويمين الوسط، وآخرها استمرت من 1997 إلى 2002 بين الرئيس جاك شيراك ورئيس الوزراء الاشتراكي، ليونيل جوسبان. ومن المرجح أن يسود التعايش بين ماكرون وخصومه من اليمين المتطرف، التوتر.

وفيما سيكون اليمين المتطرف قادراً على تنفيذ جزء من برنامجه الداخلي، مثل الحد من الهجرة، فإن الرئيس وحده هو من يستطيع الدعوة إلى استفتاء، أو تصويت على تعديلات دستورية. وقد يجد الرئيس الذي عادة ما يرسم السياسة الخارجية والدفاعية، يديه مكبلتين في حال عيّن التجمع الوطني وزيري دفاع وخارجية قوميين، يعارضان نظرته للعالم.

رفضت فرنسا حكومات ائتلاف منذ الجمهورية الرابعة بعد الحرب (1946-1958)، عندما شهدت 22 حكومة خلال 12 عاماً. ومنذ خسارته أغلبيته البرلمانية في 2022، سعى ماكرون إلى تشكيل تحالفات في البرلمان على أساس تبادل الأصوات، أو فرض التشريعات من دون تصويت بدلاً من عقد حلف مع حزب آخر. وقد يحاول حزب التجمع الوطني أو اليسار القيام بالشيء نفسه في حال عدم حصوله على أغلبية، لكن حكومة أقلية من اليمين المتطرف، أو اليسار، قد تخسر في تصويت على طرح الثقة. ومدركاً لهذه المخاطر قال رئيس التجمع الوطني بارديلا، إنه سيرفض أن يكون رئيساً للحكومة ما لم يحصل على أغلبية مطلقة. ويأمل معسكر ماكرون من ناحيته أنه في حال أفضت الانتخابات إلى برلمان من دون أغالبية، أن يتمكن من تشكيل ائتلاف مع المعتدلين من اليسار واليمين. وفي إطار تواصله مع حلفاء محتملين لم يقدم حزب ماكرون مرشحين في 67 دائرة انتخابية يتنافس فيها مرشحو يمين الوسط، أو يسار الوسط. لكن ماكرون قلّص خياراته بوضع حزب «فرنسا الأبية» اليساري المتطرف، – القوة المهيمنة في تكتل الجبهة الشعبية الجديد – على قدم المساواة مع اليمين المتطرف في ما يسميه «التطرف» في البلاد. ويتهم ماكرون حزب «فرنسا الأبية» بمعاداة السامية، وهو ما يرفضه.

  • حكومة تصريف أعمال

يتمثل خيار آخر في أن يعين ماكرون حكومة تكنوقراط يمكن أن تدعمها جميع الأحزاب. ويشير خبير العلوم السياسية في مركز إميل دوركهايم، في بوردو كامي بيدوك، إلى إيطاليا كمثال، حيث شكّل رئيس البنك المركزي الأوروبي السابق، ماريو دراغي، في 2021 حكومة وحدة وطنية عندما كانت إيطاليا تشهد حالة اضطراب. دامت الحكومة سنة ونصف سنة. وقال بيدوك إن ماكرون قد يقرر أيضا ترك الحكومة الحالية برئاسة غابريال أتال المنتمي لحزبه، بصفة حكومة تصريف أعمال لعام. ويمكنه بعد ذلك الدعوة لانتخابات جديدة. وسيكون لهذا القرار فائدة ضمان الاستمرارية خلال الألعاب الأولمبية (26 يوليو – 11 أغسطس) عندما تكون أنظار العالم منصبة على فرنسا. ومن غير المؤكد إلى حد كبير، ما إذا كان اليمين المتطرف، أو اليسار، سيدعم مثل هذه الخطوة التي من شأنها أن تسمح لماكرون بشراء الوقت لإدخال تغييرات على طريقته في الحكم.

  • استقالة ماكرون

سيكون السيناريو الأكثر دراماتيكية استقالة ماكرون، إذا واجه احتمال إزاحته من اليمين المتطرف، أو اليسار المتشدد. وفي الوقت الحالي يشير كلا المعسكرين إلى أنه بدلاً من العمل مع الرئيس على إخراج فرنسا من الشلل السياسي، فإنهما سيضغطان عليه للتنحي. وحذرت لوبن المتوقع أن تسعى لخلافة ماكرون في الانتخابات الرئاسية في 2027، من أنه «لن يكون أمامه خيار سوى الاستقالة» في حال حدوث «أزمة سياسية». وتعهد ماكرون البقاء في منصبه حتى نهاية ولايته الثانية في 2027 مهما كانت النتيجة.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version