خاص

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب

تثير السياسات الاقتصادية للمرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية الرئيس السابق دونالد ترامب الجدل والنقاش، إذ مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، تتجدد التساؤلات حول تأثير هذه السياسات على الاقتصاد الأميركي، خاصة فيما يتعلق بمعدل التضخم.

وتتضمن خطط ترامب فرض تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10 بالمئة على جميع الواردات، بالإضافة إلى تعريفة بنسبة 60 بالمئة أو أعلى على الواردات من الصين، وهي خطوة يراها خبراء أنها قد تؤثر على عرض العمالة وتزيد من تكاليف الإنتاج في العديد من الصناعات.

كما تعهد بتنفيذ أكبر حملة ترحيل للمهاجرين غير المصرح لهم في التاريخ الأميركي، في المقابل، اتخذ الرئيس الحالي جو بايدن خطوات لتسهيل بقاء المهاجرين غير المصرح لهم في البلاد واتخذ إجراءات تهدف إلى تقليل العبور غير القانوني.

ويرى خبراء اقتصاد أن هذه السياسات تشكل ضغوطاً تصاعدية على الأسعار، مما قد يؤدي إلى تضخم أعلى مما شهدته البلاد في عهد الرئيس الحالي جو  بايدن، ولكن يبقى السؤال الأهم ..هل يمكن أن تتسبب سياسات ترامب الاقتصادية في ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة؟ وكيف يمكن أن تؤثر خططه الجمركية والهجرة على التضخم في الاقتصاد الأميركي؟

خطر حقيقي

 وبحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية، يعتقد معظم الاقتصاديين أن التضخم والعجز ومعدلات الفائدة ستكون أعلى خلال فترة إدارة ترامب الثانية مما ستكون عليه إذا بقي بايدن في البيت الأبيض، وذلك وفقاً لاستطلاع أجرته الصحيفة.  

وقال برنارد بامول، كبير الاقتصاديين العالميين في مجموعة التوقعات الاقتصادية: “أعتقد أن هناك خطراً حقيقياً يتمثل في أن التضخم سيعاود التسارع في ظل رئاسة ترامب، إن ذلك سيؤدي على الأرجح إلى قيام الاحتياطي الفيدرالي بتحديد معدلات فائدة أعلى مما لو استمر التضخم في مساره التنازلي”.

وأجرت صحيفة وول ستريت جورنال استطلاعها في الفترة من 5 إلى 9 يوليو الجاري وحصلت على إجابات من 68 خبيراً اقتصادياً من الأعمال وول ستريت والأوساط الأكاديمية.

ومن بين 50 خبيراً أجابوا على أسئلة حول ترامب وبايدن، قال 56 بالمئة إن التضخم سيكون أعلى في عهد ترامب مقارنة بفترة بايدن، مقابل 16بالمئة قالوا العكس. والباقي لم يروا فرقاً كبيراً.

العلاقة بين ترامب والبنك الاحتياطي الفيدرالي

وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” رجح الخبير الاقتصادي محمد جميل الشبشيري أن يكون لإعادة انتخاب دونالد ترامب في نوفمبر المقبل أثراَ كبيراً على الاقتصاد الأميركي. وقال: “إذا أعيد انتخابه، فإن رئاسته الثانية ستكون مشابهة إلى حد كبير للأولى. فقد كانت العلاقة بين دونالد ترامب والبنك الاحتياطي الفيدرالي واحدة من أكثر العلاقات توتراً بين رئيس أميركي والبنك المركزي في التاريخ الحديث.

وعلى الرغم من وجود تعاون غير مباشر في بعض الأحيان من خلال سياسات البنك التي دعمت الاقتصاد، كانت الانتقادات العلنية والضغوط السياسية من ترامب موضوعاً مثيراً للجدل، مما أبرز أهمية استقلالية البنك المركزي في النظام الاقتصادي الأميركي، بحسب الشبشيري الذي يتوقع حدوث جولة جديدة من الاضطرابات التجارية المحتملة التي تمثل تهديداً لقطاع التصنيع الذي يضعف بالفعل.

وأشار إلى أنه خلال فترة رئاسته من عام 2017 إلى عام 2021، كانت لدى دونالد ترامب والاحتياطي الفيدرالي علاقة معقدة. حيث انتقد ترامب علانية سياسات الاحتياطي الفيدرالي النقدية، خاصة فيما يتعلق بسعر الفائدة، ووصف رئيس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، بأنه لا يعرف ما يفعله، وضغط عليه لخفض أسعار الفائدة بشكل أسرع وأكبر لدعم النمو الاقتصادي والسياسة النقدية التوسعية خلال فترة كوفيد 19.

زيادة تكاليف السلع والخدمات

ومن المتوقع أن تؤدي السياسات الاقتصادية المعلنة، التي ستعتمد على رفع التعريفات الجمركية، خصوصاً مع الصين، وفرض قيود على الهجرة إلى الولايات المتحدة الأميركية، إلى زيادة تكاليف السلع والخدمات وزيادة معدلات التضخم.

كما قد يزيد الضغط على البنك الاحتياطي الفيدرالي لمزيد من خفض الفائدة، على الرغم من تردد الفيدرالي الأميركي أكثر من مرة في تخفيض معدلات الفائدة خشية من ارتفاع التضخم، وعلى الرغم من التوقعات التي تشير إلى زيادة احتمالية اتخاذ هذه الخطوة في سبتمبر المقبل، بحسب تعبيره.

وبالنسبة لباقي المؤشرات أضاف الخبير الاقتصادي الشبشيري: “إن أكبر التغييرات التي شهدتها البيانات هي ظهور تباطؤ في النمو في الولايات المتحدة، حيث انخفض معدل النمو السنوي إلى أقل من 2 بالمئة في الربع الثاني على التوالي من هذا العام، مع تراجع الاستثمار التجاري وارتفاع الواردات التي عوضت بزيادة أخرى في الإنفاق الاستهلاكي على الخدمات”.

ومع اقتراب شهر نوفمبر، واحتلال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب مركز الريادة في استطلاعات الانتخابات الوطنية، فإنه سيعود إلى القيود المزعم تطبيقها على المهاجرين الجدد مما يقلص من عددها ويزيد من أجور العمالة ويرفع تكاليف الانتاج، كما أن خطر حدوث اضطرابات كبيرة في التجارة الدولية يعود للظهور، طبقاً لما قاله الشبشيري.

وأكد أن قدرة الرئيس السابق ستعتمد على تمرير تدابير مثل التمديد الموعود لتخفيضات الضرائب لعام 2017، التي من المقرر أن تنتهي صلاحيتها في عام 2025، وسيكون لدى الرئيس قدرة كبيرة وأحادية الجانب بشكل أساسي على فرض التعريفات الجمركية.

صعوبة توجيه التدفقات التجارية

وأردف بقوله: “قد تكون زيادات التعريفات الجمركية التي أعلن عنها ترامب في الحملة الانتخابية، إذا تم تنفيذها، أكثر تأثيراً بكثير من تلك التي فرضتها إدارته الأولى، حيث إن جميع التعريفات الجمركية المتبادلة على الواردات من الصين خلال الأعوام الأربعة الأولى من ولايته لم ترتفع سوى بنسبة حوالي 1.5 نقطة مئوية. إلا أن فرض تعريفة بنسبة 10بالمئة على جميع الواردات الأميركية، والتي اقترحها ترامب، من شأنه أن يزيد من صعوبة إعادة توجيه التدفقات التجارية، وسيشكل صدمة للشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وقد يؤدي إلى تكلفة أكبر بكثير من الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارته الأولى، كما قد يعيد شبح الحروب التجارية، ليس فقط مع الصين، ولكن أيضاً مع كندا والمكسيك”.

بدوره، قال علي حمودي الخبير الاقتصادي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية “: “يظل التضخم العدو رقم 1 للمستهلك في اقتصاد اليوم، فقد سئم الأمريكيون من تكاليف المعيشة لكن الرئيس السابق دونالد ترامب يقول إنه سيساعدهم، ومع ذلك، فإن المنطق والحقائق قد تحكي قصة مختلفة، إذ أن ميزانيات ترامب غير المسؤولة مالياً، والتعريفات الجمركية المرتفعة على الواردات الصينية وغيرها من الشركاء التجاريين إلى الولايات المتحدة، إذا تم إقرارها بنجاح، من شأنها أن تزيد التضخم بالفعل”.

عندما وافق ترامب على 8.4 تريليون دولار من الاقتراض الجديد لمدة 10 سنوات خلال فترة ولايته – أي ما يقرب من ضعف ما وافق عليه الرئيس جو بايدن حتى الآن في منصبه، وفقًا لمجموعة المراقبة المالية لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة. فترامب لا يريد فقط تمديد تخفيضاته الضريبية لعام 2017 – وهي خطوة يحذر مكتب الميزانية في الكونغرس من أنها ستكلف ما يقرب من 5 تريليون دولار – ولكن الرئيس السابق أخبر الرؤساء التنفيذيين مؤخراً خلال اجتماع مغلق أنه يرغب في خفض معدل الضريبة على الشركات أكثر من ذلك، بحسب حمودي.

ومع ذلك، يرى الخبير الاقتصادي حمودي أن خفض الضرائب من شأنه أن يخاطر بتسريع الاقتصاد في الوقت الذي يعمل فيه بنك الاحتياطي الفيدرالي جاهداً لإبطائه لمحاربة التضخم.

وأردف: “ما يخشاه المستثمرون والأسواق أن نتيجة هذه الانتخابات المقبلة ستكون لها تداعيات اقتصادية لسنوات وربما عقود مقبلة، لذا يمكننا أن نرى أن ولاية ترامب الثانية سيكون لها تأثير سلبي على مكانة الولايات المتحدة الاقتصادية في العالم وتأثير مزعزع للاستقرار على الاقتصاد المحلي للولايات المتحدة”.

حرب تجارية محتملة

وفي حال عودة ترامب بالفعل إلى البيت الأبيض، فمن المرجح أنه سيضاعف سياسات الحماية لتعزيز التصنيع في الولايات المتحدة. وقد اقترح زيادة الرسوم الجمركية، بما في ذلك 10بالمئة على كل الواردات إلى الولايات المتحدة و60 بالمئة على السلع المستوردة من الصين، طبقاً لما قاله حمودي.

وأضاف الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”: “لذلك أعتقد أن من سيتولى الرئاسة في عام 2025 يجب أن يتعامل بحذر مع خططه الاقتصادية. قد تبدو التخفيضات الضريبية الكبيرة فكرة عظيمة في البداية، فهي تضع المزيد من الأموال في محفظة المستهلك الأميركي. ولكن إذا كانت هناك سلع محدودة يمكنهم إنفاق هذه الأموال عليها، فمن السهل أن يؤدي ذلك إلى زيادة سخونة الاقتصاد وزيادة التضخم، وسيتعين على بنك الاحتياطي الفيدرالي إما إبقاء أسعار الفائدة أعلى لفترة أطول، بل وحتى زيادتها أكثر”.

وبالعودة على تقرير الصحفية الأميركية فقد ذكر أن أسعار المستهلكين ارتفعت بنسبة 19 بالمئة منذ تولي بايدن منصبه في يناير 2021، مدفوعةً باندفاع الإنفاق الحكومي، وبعضه تم إقراره في عهد ترامب؛ ونقص السلع والعمالة؛ وتعطل سلاسل التوريد بعد الجائحة. خلال فترة رئاسة ترامب التي استمرت أربع سنوات، ارتفعت الأسعار بنسبة 7.8بالمئة.

وأفادت وزارة العمل بأن التضخم السنوي كما يُقاس بمؤشر أسعار المستهلك انخفض إلى 3 بالمئة في يونيو من 3.3 بالمئة في مايو. ويتوقع الاقتصاديون الذين شملهم استطلاع صحيفة وول ستريت جورنال أن ينخفض إلى 2.8 بالمئة بحلول ديسمبر و2.3 بالمئة بحلول نهاية العام المقبل.

وبشكل عام، يتوقع الاقتصاديون أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة بنسبة 1.7 بالمئة هذا العام بعد التضخم، انخفاضاً من 3.1 بالمئة في عام 2023 (استنادًا إلى الربع الأخير مقارنة بالعام السابق)؛ وأن يظل معدل البطالة فوق 4 بالمئة قليلاً حتى عام 2026، وأن تتوسع جداول الرواتب بحوالي 131,000 وظيفة شهرياً على مدار العام المقبل.

كما يقدر الاقتصاديون وفقاً للتقرير، احتمالية حدوث ركود خلال الأشهر الـ 12 المقبلة بنسبة 28 بالمئة. لم تتغير التوقعات كثيراً عن الاستطلاع الأخير لصحيفة وول ستريت جورنال في أبريل الماضي، عندما رأى الاقتصاديون نمواً بنسبة 1.7 بالمئة للناتج المحلي الإجمالي هذا العام واحتمالية حدوث ركود بنسبة 29 بالمئة.

ويتوقع 51 بالمئة من الاقتصاديين عجزاً أكبر في الميزانية الفيدرالية في ظل رئاسة ترامب، مقارنة بـ 22 بالمئة في عهد بايدن.

وفي بداية فترة ولايته في البيت الأبيض، خفض ترامب والجمهوريون في الكونغرس الضرائب الفردية والشركات والعقارات.

وتنتهي بعض هذه التخفيضات في نهاية عام 2025. يريد ترامب تمديد جميع هذه التخفيضات، في حين سيسمح بايدن بانتهاء التخفيضات الضريبية للأميريكيين الأثرياء.

كما سيرفع بايدن معدل الضريبة على الشركات ويزيد عدة ضرائب أخرى، بحسب التقرير.

يميل العجز الأكبر إلى وضع ضغوط تصاعدية على التضخم وأسعار الفائدة؛ ويعتقد 59 بالمئة من الاقتصاديين أن معدلات الفائدة ستكون أعلى في ظل ترامب، مقابل 16بالمئة في عهد بايدن. لكن عدداً من الاقتصاديين أكدوا أن أياً من المرشحين لم يُظهر اهتماماً كبيراً بالحد من العجز، خاصة عندما كانت حزبه يسيطر على الكونغرس.

وقال ماثيو لوزيتي، كبير الاقتصاديين في الولايات المتحدة لدى دويتشه بنك للأوراق المالية: “أعتقد أننا سنكون على الأرجح في مواجه عجز كبير بغض النظر عمن هو الرئيس المقبل، الفرق الأكبر في التضخم سيأتي على الأرجح من سياسات مثل التجارة”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version