تصريحات أطلقها جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الاثنين الماضي، أشار إلى أول مرة إلى أن خفض معدلات الفائدة قد يكون وشيكاً.
هذه التصريحات جاءت في وقت تتباطأ فيه معدلات التضخم والنشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة، بما يتماشى مع توقعات الاحتياطي الفيدرالي، مما يعزز التوقعات بأن البنك المركزي الأميركي قد يبدأ قريباً في تخفيف سياسته النقدية الصارمة.
إلا أن باول لم يحدد متى يمكن أن يحدث هذا الخفض، مما يترك الأسواق والمستثمرين في حالة ترقب، لكنه أكد أن البيانات الأخيرة تدعم الثقة في عودة التضخم إلى هدف البنك المركزي البالغ 2 بالمئة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان الاحتياطي الفيدرالي قد رسم بالفعل مسارا لخفض الفائدة قريباً بأكبر اقتصاد في العالم.
فما هي العوامل التي ستؤثر في هذا القرار الحاسم، وهل يمكن أن يغير جيروم باول موقفه بشأن خفض الفائدة؟
البيانات وفرت الثقة بعودة التضخم لمستهدف البنك المركزي
جيروم باول رفض تغيير التوقعات بأن البنك المركزي سيبقي معدلات الفائدة ثابتة في اجتماعه في غضون أسبوعين حيث يتطلع المسؤولون إلى تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة بعد ذلك، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وقال باول خلال جلسة أسئلة وأجوبة في واشنطن مؤخراً: “إن البيانات المتعلقة بضغوط الأسعار بين أبريل ويونيو الماضيين تضيف إلى حد ما إلى الثقة بأن التضخم سيعود إلى هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي بعد أن فشلت قراءات التضخم في توفير هذه الثقة في وقت سابق من هذا العام.
لكن رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفض القول ما إذا كان ذلك سيبرر خفض أسعار الفائدة في اجتماع صناع السياسة في وقت لاحق من هذا الشهر (30-31 يوليو)، وأضاف: لن أرسل أي إشارات بطريقة أو بأخرى بشأن أي اجتماع معين، سنتخذ هذه القرارات اجتماعاً تلو الآخر”، فيما يتوقع المستثمرون على نطاق واسع أن يبدأ البنك المركزي في خفض أسعار الفائدة في اجتماعه التالي في سبتمبر.
وأشار التقرير إلى أن ظروف سوق العمل هدأت بشكل مطرد في حين استأنف التضخم التباطؤ خلال الربع الثاني من العام الجاري، حيث يمنح هذا المزيج صناع السياسات في بنك الاحتياطي الفيدرالي الذين يشعرون بعدم الارتياح إزاء التسبب في ضعف اقتصادي غير ضروري حجة أقوى لخفض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة.
ولفت إلى أن المسؤولون يحاولون موازنة مخاطر التحرك ببطء شديد لخفض أسعار الفائدة، مما يخاطر بتباطؤ أكثر حدة في التوظيف مع خطر التحرك في وقت مبكر جداً، مما قد يسمح للتضخم بالاستقرار فوق هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وأبقى مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في شهر يونيو الماضي على معدلات الفائدة دون تغيير للمرة السابعة على التوالي عند مستوى 5.25 و5.5 بالمئة، بينما توقف عن رفع الفائدة للمرة الأولى في سبتمبر 2023، وذلك بعد زيادتها 11 مرة منذ مارس 2022.
وتباطأ معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال يونيو الماضي بأكثر من المتوقع، حيث ذكر مكتب إحصاءات العمل التابع لوزارة العمل الأميركية، أن مؤشر أسعار المستهلكين انخفض إلى 3 بالمئة على أساس سنوي، بينما كانت التوقعات 3.1 بالمئة.
وعلى أساس شهري، انكمش مؤشر أسعار المستهلكين، ليسجل 0.1- بالمئة، مقابل توقعات بنمو قدره 0.1 بالمئة في يونيو، كما تباطأ مؤشر أسعار المستهلكين الأساسي في أميركا، والذي يستثني أسعار الغذاء والطاقة إلى 3.3 بالمئة على أساس سنوي و0.1 بالمئة على أساس شهري.
موازنة المخاطر
الخبير الاقتصادي والمالي حسين القمزي قال في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية: “لفهم الأخبار المتعلقة بتصريحات جيروم باول الأخيرة وتأثيراتها على أسعار الفائدة الأميركية، نلاحظ أنه أشار إلى أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي من المحتمل أن يبقي أسعار الفائدة ثابتة في الاجتماع المقبل بعد أسبوعين وكأنه يلمح إلى أن هناك احتمال لتخفيضات في أسعار الفائدة بعد هذا الاجتماع، ربما بدءاً من سبتمبر المقبل”.
وأضاف: “إن التضخم والنشاط الاقتصادي قد تباطآ كما توقع باول مما يدعم فكرة عودة التضخم إلى هدف 2 بالمئة لكنه امتنع عن إعطاء إشارة واضحة، وفي المقابل نعلم أن سوق العمل قد هدأ والتضخم تباطأ في الربع الثاني من هذا العام وهذا يؤكد التوجه إلى تخفيض أسعار الفائدة في الأشهر المقبلة”.
وصرح باول كذلك أنه لن ينتظر حتى يصل التضخم إلى النسبة المستهدفة وهي 2 بالمئة بسبب أن الانتظار طويلًا قد يشكل خطراً يؤدي إلى انزلاق النسبة إلى أقل من 2 بالمئة أو أكثر، وهو وضع غير مستحب لذا يجب أن يبدأ الخفض قبل ذلك للتأكد من الوصول إلى استقرار التضخم حول الـ 2 بالمئة بحسب القمزي، الذي أوضح أن هذا يقود إلى فهم أن الفيدرالي يحاول موازنة المخاطر بين التحرك ببطء شديد لتخفيض الفائدة (مما قد يؤدي إلى تباطؤ حاد في التوظيف) والتحرك بسرعة كبيرة (مما قد يُبقي التضخم فوق الهدف).
تفاؤل حذر
وأوضح أن وهذه المؤشرات تشعل توقعات المستثمرين حالياً بأن تخفيض الفائدة سيكون في سبتمبر، مشيراً إلى أن احتمالات تخفيض الفائدة في يوليو الجاري منخفضة وذلك قبل وبعد خطاب باول، فتحليل موقف باول هو لا تغيير فوري مع تفاؤل حذر والاستمرار في متابعة البيانات لتجنب مفاجأة من الأسواق. بمعنى أنه متأكد وواثق من الوصول إلى الهدف، ولكنه غير ملتزم بجدول زمني.
ويرى الخبير الاقتصادي والمالي أنه سيتم التمهيد لتخفيضات محتملة في الأشهر المقبلة خاصة إذا استمرت الظروف الاقتصادية في التوافق مع توقعات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
الاحتياطي الفيدرالي يتجه لتحقيق غايته
بدوره، قال عامر الشوبكي مستشار الاقتصاد الدولي في حديثه لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية: “لم يتغير موقف جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن خفض أسعار الفائدة، ذلك أن المؤشرات تدل على أن الاحتياطي الفيدرالي يتجه إلى تحقيق غايته من معدل التضخم بالوصول إلى 2 بالمئة وهذا ما كان يصرح به دائماً”.
هذه المؤشرات تقرأها الأسواق بشكل جيد وتدرك بأن هناك احتمال كبير جداً بأن يتم تحفيض معدل الفائدة في شهر سبتمبر المقبل على الرغم من عدم تأكيد الموعد بشكل واضح من قبل الاحتياطي الفيدرالي، وهذا ينعكس على الأسواق ولذلك نرى مؤشر ناسداك الصناعي عند أعلى مستوى تاريخي له وكذلك أسعار الذهب عند أعلى مستوى تقريباً بواقع 2470 دولاراً للأونصة، بحسب تعبيره.
وأشار الشوبكي إلى أن “انخفاض معدلات التشغيل وارتفاع معدل البطالة إلى أكثر من 4 بالمئة يعد مؤشر خطير سيدفع الفيدرالي الأميركي إلى معالجته في البدء بخفض أسعار الفائدة قريباً مما يعني تكاليف اقتراض أقل ونشاط اقتصادي أعلى وهو ما يريد الفيدرالي لتجنب حدوث كود في الفترة المقبلة”.
ويرى مستشار الاقتصاد الدولي الشوبكي أن التلميحات الأخيرة لجيروم باول جاءت متزامنة مع محاولة اغتيال الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب المرشح الرئاسي الجمهوري، حيث زادت هذه المحاولة فرصة أكثر للوصول إلى الرئاسة وهو ما يمكن أن يدفع الفيدرالي الأميركي إلى اتخاذ إجراءات خفض معدل الفائدة وربما قبل موعد الانتخابات الرئاسية، فضلاً عن أن أي إجراء لن يؤثر سلباً أو إيجاباً على شعبية الرئيس جو بايدن.