خاص

اقتصاد تركيا – عقارات أنقرة

شهدت تركيا نمواً كبيراً في الثروة بنسبة 157بالمئة وفقاً لتقرير الثروة العالمي لعام 2024 الصادر عن البنك السويسري “يو بي إس”، وذلك على الرغم من التضخم المرتفع الذي وصل إلى 72 بالمئة، هذا النمو يثير العديد من التساؤلات حول العوامل التي ساعدت تركيا على تحقيق أعلى نسبة نمو في الثروة على مستوى العالم.

ويبرز من بين هذه العوامل ارتفاع قيمة الأصول العقارية والأسهم، والتي زادت بشكل كبير نتيجة للتضخم. بينما فقدت الليرة التركية 83 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار خلال السنوات الخمس الماضية، واستفاد مالكو الأصول من ارتفاع أسعار هذه الممتلكات. ومع ذلك، يعاني المواطنون من تدهور قدرتهم الشرائية بسبب ارتفاع الأسعار وتراجع قيمة العملة.

في ظل هذه الظروف، يبرز التناقض بين الثراء بالأصول والفقر النقدي، مما يثير تساؤلات حول مدى استدامة هذا النمو في الثروة وتأثيره على الحياة اليومية للأتراك، هل يمكن لتركيا المحافظة على هذا الزخم في النمو، أم أن هناك تحديات مستقبلية قد تؤثر على هذا النجاح؟ وكيف يمكن للأتراك التكيف مع هذا الوضع المتناقض بين ثروة الأصول وقدرة الشراء المتدنية؟

ارتفاع مفاجئ

واعتبر تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية تقدم تركيا بفارق كبير عن بقية العالم في التصنيف السنوي للثروة العالمية مفاجئاً بالنظر إلى مستويات التضخم المرتفعة في البلاد، حيث تميزت بنمو مذهل يزيد عن 157بالمئة في الثروة لكل بالغ بين عامي 2022 و2023، تلتها روسيا وقطر بنسبة نمو 20 بالمئة، وجنوب إفريقيا بنسبة نمو تجاوزت 16بالمئة بينما في الولايات المتحدة نمت الثروة المتوسطة لكل بالغ بنسبة 2.5 بالمئة”.

ويبلغ معدل التضخم في تركيا نحو 72 بالمئة وهو رقم مذهل لسكان البلاد البالغ عددهم 85 مليون نسمة، الذين شهد العديد منهم انخفاضاً كبيراً في قدرتهم الشرائية خلال السنوات الأخيرة، إذ فقدت الليرة التركية في السنوات الخمس الماضية، نحو 83 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار، (33 ليرة لكل دولار)، لكن بالنسبة للأتراك الذين يمتلكون أصولاً مثل المنازل، فقد نمت ثروتهم نتيجة دفع التضخم تكاليف تلك الممتلكات إلى الارتفاع.

ويعرّف تقرير البنك السويسري الثروة الصافية أو “الثروة” بأنها “قيمة الأصول المالية بالإضافة إلى الأصول الحقيقية (خاصة العقارات) المملوكة للأسر، مطروحاً منها الديون”.

العلاقة بين التضخم وارتفاع الثروة

وفي تحليل للعلاقة بين التضخم وارتفاع الثروة في تركيا، نقلت الشبكة الأميركية عن صامويل آدامز، الخبير الاقتصادي في “يو بي إس” لإدارة الثروات العالمية قوله: “بطرق معينة، يساعد ارتفاع معدل التضخم على تفسير سبب زيادة الثروة بشكل أكبر بكثير بالعملة المحلية، على الأقل أكثر من البلدان الأخرى لأنه يجب أن نضع في اعتبارنا أن الثروة تُقاس بالقيمة الإسمية”.

وأضاف آدامز: “إذا كان التضخم مرتفعاً للغاية، فإن ما يحدث عادة هو أنه إذا كان لديك أصل حقيقي مثل العقار، فإن أسعار المنازل تميل إلى الارتفاع بالتوازي مع التضخم، إن لم يكن أسرع”. “لذا فإن الأشخاص الذين يمتلكون منازل أو يمتلكون الأسهم، التي تميل أيضاً إلى الأداء الجيد في تلك البيئات، يميلون إلى رؤية ثروتهم تتراكم بشكل أسرع، بالطبع، هذا لا يعني أن الجميع يستفيدون بنفس القدر، فإذا لم تكن تمتلك هذه الأصول، وإذا لم ترتفع أجورك بنفس سرعة التضخم، فستتأثر بشكل سلبي إلى حد كبير.”

السوريون في تركيا.. عبء أم محرك للاقتصاد؟

وأشار التقرير أيضاً إلى “تأثير العملة”، وهو ما يغير نمو الثروة أكثر من غيره – غالباً ما تختلف أرقام نمو الثروة بالعملة المحلية بشكل كبير عن تلك المقومة بالدولار، النمو الاستثنائي بالفعل في تركيا بأكثر من 63 بالمئة بالدولار، يتضاعف ليصل إلى ما يقرب من 158 بالمئة بالليرة التركية”. ومن الأمثلة الأخرى في التقرير اليابان، التي شهدت بالدولار الأميركي أقل من 2 بالمئة متوسط نمو في الثروة لكل شخص بالغ بالدولار الأميركي بين عامي 2022 و2023، ولكن بالعملة المحلية بلغ هذا النمو 9 بالمئة.

وبتقييم متوسط نمو الثروة في البلدان بين عامي 2008 و2023، “حدث التطور الأكثر دراماتيكية في تركيا”، كما ذكر بنك “يو بي إس” حيث ارتفع متوسط الثروة لكل شخص بالغ في هذه الفترة بنسبة 1708 بالمئة بالعملة المحلية”.

محفزات نمو الثروة

في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية قال الخبير الاقتصادي، الدكتور عماد الدين المصبح، أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي: “نمت الثروة في تركيا بهذه النسبة الكبيرة على الرغم من التضخم المرتفع لأن أسعار الأصول مثل المنازل ارتفعت بشكل كبير، فمع التضخم تميل أسعار الأصول الحقيقية إلى الارتفاع مما يساهم في زيادة الثروة بالعملة المحلية وبالأسعار الجارية (بمعنى لم تزد كمية الأصول، ولكن زادت قيمها النقدية) حتى لو لم تنعكس نفس الزيادة عند تحويلها إلى الدولار الأميركي”.

وذكر الدكتور المصبح عدة عوامل ساعدت بتحقيق أعلى نمو في الثروة بتركيا على المستوى العالمي وهي:

• ارتفاع أسعار الأصول مثل المنازل التي ترتفع قيمتها مع التضخم.
• التضخم وانخفاض سعر صرف الليرة التركية وهو ما يزيد من قيمة الأصول بالعملة المحلية.
• امتلاك الأصول، إذ أن العديد من الأتراك يمتلكون أصولاً مثل المنازل والأسهم التي تستفيد من التضخم.

وأوضح أستاذ الاقتصاد في كليات الشرق العربي أنه يمكن للأتراك أن يكونوا أثرياء بالأصول مع قدرة شرائية متدنية وقال: “على الرغم من ارتفاع قيمة الأصول مثل المنازل، فإن الأجور الحقيقية قد لا ترتفع بنفس النسبة. هذا يعني أن الأفراد قد يمتلكون أصولاً ذات قيمة عالية، ولكنهم يواجهون صعوبة في تلبية احتياجاتهم اليومية بسبب انخفاض القوة الشرائية للأجور”.

الاستثمار بالعقار والذهب والعملات

من جهته، قال الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” طارق الرفاعي في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”: “إن الإقبال الكبير على القطاع العقاري في تركيا من قبل المستثمرين الأجانب ولا سيما من منطقة الشرق الأوسط وروسيا أدى إلى هذا الارتفاع الكبير للثروة على الرغم من أزمة التضخم التي تعاني منها البلاد.

كما أن المستثمرين في تركيا يستثمرون بالعملات الأجنبية الصعبة مثل اليورو والجنيه الإسترليني والفرنك السويسري، بالإضافة إلى استثماراتهم الخارجية، والاستثمار في الكثير من الأصول التي لا يؤثر عليها التضخم لأنها ترتفع معه، بحسب الرفاعي.

وأشار الرئيس التنفيذي لمركز “كروم للدراسات الاستراتيجية” إلى أن الافراد في تركيا في العموم يستثمرون بالذهب وكما هو معلوم فإن المعدن الأصفر وصلت قيمته بالدولار إلى أسعار قياسية وأن سعر الذهب بالليرة التر كية ساعد في نمو الثروات.

ورداً على سؤال حول كيفية تكيف الأتراك مع الوضع المتناقض بين ثروة الأصول وقدرة الشراء المتدنية، أجاب الرفاعي: “الأتراك غير متكيفين مع هذا الوضع بسبب أزمة انهيار العملة وارتفاع نسبة التضخم. فمنذ سنوات، اعتاد الأتراك على المخاطرة العالية في عملتهم، مما دفعهم إلى التحوط ومحاولة الابتعاد عن الاعتماد على الليرة التركية بالتحول إلى العملات الأجنبية الصعبة والاستثمار في الأصول والعقارات. لكن بشكل عام، الوضع سيء جداً للمواطن العادي”.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version