في خطوة غير متوقعة، قررت الصين خفض أسعار الفائدة الأساسية قصيرة الأجل وأسعار الإقراض المعيارية في محاولة لتعزيز النمو الاقتصادي في ظل بيانات اقتصادية ضعيفة للربع الثاني وأزمة عقارية طويلة الأمد، حيث أعلن بنك الشعب الصيني عن خفض سعر إعادة الشراء العكسي لمدة سبعة أيام إلى 1.7 بالمئة، كما تم تخفيض سعر الفائدة الأساسي للإقراض لمدة عام إلى 3.35 بالمئة، وسعر الخمس سنوات إلى 3.85 بالمئة.
وتأتي هذه التحركات في وقت تواجه فيه الصين انكماشاً اقتصادياً محتملاً وارتفاعاً في الديون وضعفاً في معنويات المستهلكين والشركات، مع تصاعد التوترات التجارية العالمية، وتسعى الحكومة من خلال هذه التدابير إلى تحقيق هدف النمو الاقتصادي المعلن لهذا العام بنحو 5 بالمئة. لكن يبقى السؤال: هل تخفيضات أسعار الفائدة الصينية كافية لوقف التباطؤ الاقتصادي؟
وذكر تقرير نشرته شبكة (سي إن بي سي) الأميركية واطلعت عليه (سكاي نيوز عربية) أن هذه التخفيضات جاءت بعد أن أصدرت الصين أخيراً بيانات اقتصادية للربع الثاني من العام الجاري أضعف من المتوقع واجتماع كبار قادتها في جلسة عامة تعقد كل خمس سنوات تقريبا، حيث أوضح التقرير أن “البلاد تقترب من الانكماش وتواجه أزمة عقارية طويلة الأمد وارتفاعاً في الديون وضعفاً في معنويات المستهلكين والشركات، إلى جانب تصاعد التوترات التجارية وازدياد حذر قادة العالم من هيمنة الصين على الصادرات”.
وذكر بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) الإثنين إنه سيخفض سعر إعادة الشراء العكسي لمدة سبعة أيام إلى 1.7 بالمئة من 1.8 بالمئة، كما سيحسن آلية عمليات السوق المفتوحة، ثم أعلنت الصين عن تخفيض أسعار الفائدة المعيارية للإقراض بنفس الهامش في التثبيت الشهري، إذ تم تخفيض سعر الفائدة الأساسي للإقراض لمدة عام إلى 3.35 بالمئة من 3.45 بالمئة سابقاً، بينما تم تخفيض سعر الخمس سنوات إلى 3.85 بالمئة من 3.95 بالمئة.
تباطؤ النمو
وتباطأ نمو الاقتصاد الصيني بأكثر من التوقعات خلال الربع الثاني من العام الجاري، حيث أظهرت بيانات المكتب الوطني للإحصاء الصيني، أن ثاني أكبر اقتصاد بالعالم نما بنسبة 4.7 بالمئة على أساس سنوي في الربع الثاني، مقابل توقعات بلغت 5.1 بالمئة، في حين كان الاقتصاد الصيني قد سجل نمواً في الربع الأول من 2024 بلغ 5.3 بالمئة.
وقال لاري هو كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة (ماكواري): “إن خفض أسعار الفائدة هو خطوة غير متوقعة ، ويرجع ذلك على الأرجح إلى التباطؤ الحاد في زخم النمو في الربع الثاني وكذلك الدعوة إلى تحقيق هدف النمو هذا العام من قبل الجلسة العامة الثالثة”.
فعالية محدودة
وفي حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” قال الخبير الاقتصادي والمالي حسين القمزي: “إذا كانت الحكومة الصينية تهدف من هذه الخطوة إلى تحفيز الاقتراض والإنفاق من خلال جعل القروض أرخص، فإن فعاليتها قد تكون محدودة، فقد خفضت الصين سابقاً أسعار الفائدة في محاولة لمواجهة تباطؤها الاقتصادي ولم تأتِ بأثر ملحوظ”.
وأشار القمزي إلى عدة عوامل تجعل من تأثير خفض تكلفة الاقتراض أكثر تعقيداً ومنها أن الاقتصاد الصيني يواجه تحديات كبيرة تشمل أزمة ممتدة في قطاع العقارات، ومستويات عالية من الديون، وضعف في ثقة المستهلكين والشركات، وبالتالي فإن هذه التخفيضات الطفيفة في أسعار الفائدة ليست كافية للتغلب على هذه المشكلات الهيكلية. بالإضافة إلى ذلك فإن الصين على حافة الانكماش، مما يقلل من التأثير المحتمل لهذه التخفيضات لأن أسعار الفائدة الحقيقية تبقى مرتفعة رغم التخفيضات الاسمية”.
فعندما يحدث الانكماش، تكون القوة الشرائية للنقود أعلى، مما يعني أن المستهلكين قد يؤجلون الإنفاق على أمل انخفاض الأسعار أكثر، وهذا يؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي. عندما تكون الصين على حافة الانكماش، فإن أي تخفيض في أسعار الفائدة الإسمية (مثل تلك التي قامت بها الصين مؤخراً) لن يكون له التأثير المرغوب إذا كانت الأسعار تنخفض بشكل عام (أي إذا كان هناك انكماش). ذلك لأن سعر الفائدة الحقيقي سيبقى مرتفعاً أو حتى يزداد، مما لا يشجع الناس على الاقتراض والإنفاق، بحسب تعبيره.
الصين تحتاج إصلاح السياسات المالية والهيكلية
وأردف بقوله: “على سبيل المثال، إذا كان سعر الفائدة الإسمي 3 بالمئة وكان معدل الانكماش 2 بالمئة، فإن سعر الفائدة الحقيقي يكون 5 بالمئة وهذا يجعل تكلفة الاقتراض عالية نسبياً، حتى بعد التخفيضات في السعر الإسمي، مما يحد من فعالية السياسة النقدية في تحفيز الاقتصاد”.
وفي حين أن تخفيضات أسعار الفائدة تعد خطوة نحو دعم الاقتصاد، يرى الخبير الاقتصادي والمالي القمزي أن “الصين تحتاج إلى ما هو أكثر، وهو إصلاح السياسات المالية والهيكلية الأوسع لتحقيق انتعاش أكثر قوة. هناك تردد من الحكومة في القيام بتحفيز ضخم، مما يعني أن الجهد الرئيسي يجب أن يأتي من التدابير المالية بدلاً من السياسة النقدية وحدها”.
واختتم بقوله: بصورة عامة، أعتقد أنه في حين أن تخفيضات أسعار الفائدة هي علامة إيجابية على استعداد الحكومة لدعم الاقتصاد، من المرجح أن يكون تأثيرها محدوداً دون إصلاحات اقتصادية أوسع وتدابير مالية مرافقة”.
بدوره، قال علي حمودي الخبير الاقتصادي، الرئيس التنفيذي ورئيس الاستثمار في “ATA Global Horizons”، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية “إن تخفيضات أسعار الفائدة في الصين هي استجابة لمجموعة من التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، بما في ذلك خطر الانكماش، وأزمة العقارات التي طال أمدها، وارتفاع الديون، وضعف معنويات المستهلكين والشركات”.
النمو القائم على الاستثمار يبلغ ذروته
لكن حمودي يرى أن هذه التدابير قد لا تكون كافية لتعزيز الطلب بشكل كبير وأن حجمها المتواضع لخفض أسعار الفائدة قد يحد من تأثيرها على اقتراض الأسر والشركات، إذ لا تزال الصين تواجه الكثير من التحديات، أقلها هو قطاع العقارات المتضخم والمضطرب.
ومن الواضح أن النمو القائم على الاستثمار بلغ ذروته في الصين، حيث لم يعد النظام المالي قادراً على توليد نفس وتيرة التوسع الائتماني كما كان الحال في العقد الماضي. ومع جفاف مصدر النمو هذا، فإن نمو الاستهلاك الأسري سوف يشكل العامل الأكثر أهمية في تحديد المسار الاقتصادي ومعدل النمو في الصين في الأمد البعيد، بحسب تعبيره.
ونوه الخبير الاقتصادي حمودي إلى أنه “في غياب إصلاحات مالية كبيرة، فمن المرجح أن يتباطأ نمو استهلاك الأسر في الأمد البعيد بين 3 و4 بالمئة سنوياً بالقيمة الحقيقية على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. وفي أقصى تقدير، سوف يساهم استهلاك الأسر بنحو 1.5 نقطة مئوية من نمو الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وهو من المرجح أن يحد من نمو الناتج المحلي الإجمالي في الأمد البعيد إلى نحو 3 بالمئة، نظراً للرياح المعاكسة المعروفة التي قد تعوق نمو الاستثمار بشكل أسرع”.
وأضاف: “تباطأ نمو استهلاك الأسر في الصين بشكل أكثر حدة في السنوات الأخيرة مقارنة بما تزعمه البيانات الاقتصادية الرسمية. وارتفعت مدخرات الأسر بشكل كبير وانهارت ثقة المستهلك. وتشير سلاسل البيانات البديلة إلى انخفاض إنفاق الأسر في عام 2022 وحدوث انتعاش متواضع فقط في عام 2023 وأوائل عام 2024”.
اختلالات التوازن في الاقتصاد تتسع
لذلك فإنه لا توجد حلول سياسية سريعة لوتيرة نمو الاستهلاك الأسري البطيئة في الصين، فقد لقد اتسعت اختلالات التوازن في الاقتصاد الصيني لعدة سنوات، ولن يتسنى تغيير هذا النمط إلا من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد بشكل كامل، والنظام المالي، وإعادة توزيع الدخل بقيادة الحكومة، طبقاً لما قاله حمودي.
وبعد خفض أسعار الفائدة، انخفض اليوان الصيني إلى أدنى مستوى له في أسبوعين تقريباً عند 7.2750 مقابل الدولار قبل أن يخفض بعض الخسائر، كما أن عوائد سندات الحكومة الصينية آخذة في الانخفاض عبر العائد، حيث انخفضت سندات 10 و 30 عاماً بنحو 3 نقاط أساس، قبل أن تستقر عند 2.24 بالمئة و 2.45 بالمئة على التوالي، وارتفعت العقود الآجلة لأذون الخزانة الصينية لأجل 30 عاماً لتسليم سبتمبر 2024 (CTLU4) بنسبة 0.3 بالمئة في التعاملات المبكرة الإثنين.
وقال تشيوي تشانغ، كبير الاقتصاديين في شركة بينبوينت لإدارة الأصول: “إن “حقيقة أن بنك الشعب الصيني لم ينتظر خفض الفيدرالي الأميركي أولاً تشير إلى أن الحكومة تدرك الضغط النزولي على اقتصاد الصين”، ويتوقع المزيد من تخفيضات أسعار الفائدة في الصين بعد دخول الفيدرالي الأميركي في دورة خفض أسعار الفائدة.
وقال بنك الشعب الصيني في بيان إن تخفيضات أسعار الفائدة في الصين تهدف إلى “تعزيز التعديلات المضادة للدورة لدعم الاقتصاد الحقيقي بشكل أفضل”.
ويأتي الإعلان أيضاً بعد أن قال بنك الشعب الصيني إنه سيقوم بإصلاح قناة انتقال سياسته النقدية. وقال محافظ بنك الشعب الصيني بان غونغشين الشهر الماضي إن سعر إعادة الشراء العكسي لمدة سبعة أيام يعمل بشكل أساسي كوظيفة لسعر الفائدة الرئيسي.
#الصين
#الاقتصاد الصيني