«دعونا نفتتح الألعاب بعرض مذهل». شعار تبنته اللجنة المنظمة لأولمبياد باريس منذ البداية، وكانت في الموعد من خلال عرض فني ورياضي رائع ومتنوع الفقرات استغرق أربع ساعات على ضفاف نهر السين ولم تعكر صفوه زخات مطرية تساقطت لأغلب فتراته.
كانت الدعوة موجهة إلى العالم أجمع لحضور وتجربة مشاعر فريدة معاً: بث رياح الحداثة والجرأة على الألعاب من خلال إخراج الرياضة من أماكنها المعتادة وخلق لحظات يتم تقاسمها مع أكبر عدد ممكن من الناس.
لأوّل مرة، وأمام حشد كبير جداً من الجماهير (نحو 500 ألف) والمسؤولين تقدمهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من الملوك والملكات والقادة ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية، حرَّر حفل الافتتاح نفسه من الملعب الرئيس وأقيم في قلب المدينة المضيفة، باريس، مع نهر السين كديكور رئيسي.
اختلف المسار التقليدي للحفل: العرض وموكب الرياضيين والخطب البروتوكولية أدمجت في حفل مزج بين الرياضة والفن، وسُمح للمرة الأولى بمشاركة مئات الآلاف من المتفرجين، أغلبهم حضروا مجاناً، وذلك من أجل المساعدة على جعل حفل الافتتاح أعظم عرض في العالم، سخاء وشعبية.
من جسر أوسترليتز إلى تروكاديرو، عبر رياضيو العالم باريس من الشرق إلى الغرب متجمعين حول حاملي أعلامهم الوطنية، خلال نزهة غير مسبوقة بلغت ستة كيلومترات على متن 85 قارباً وعبّارة مزينة بأبهى الألوان.
سرق الرياضيون أجمل الأضواء وسط تصفيقات حارة من الجماهير التي اصطفت على جنبات ضفاف النهر لمشاهدتهم وهم يكتشفون الملاعب الاستثنائية لمسرح الألعاب التي ستستضيف منافساتهم على غرار متنزه ليزانفاليد (ألعاب القوى، القوس والنشاب، سباق الطريق للدراجات) والقصر الكبير (المبارزة، التايكوندو) وبرج إيفل (الكرة الطائرة الشاطئية).
استعرضوا التراث الاستثنائي لفرنسا ورأسمالها الذي أبرزته باريس 2024 خلال هذا العرض الاحتفالي بمرورهم أمام العديد من المعالم الأثرية كما لو أنهم يعبرون تاريخ فرنسا.
- ظهور زيدان ونادال وسيرينا
انطلق الحفل بمشهد للفنان الكوميدي الفرنسي المغربي الأصل جمال دبوز حاملاً الشعلة الأولمبية وهو في طريقه إلى ملعب كبير، لكنه فوجئ بأنه خال من الجماهير.
وفي الوقت الذي كان يحاول فيه استيعاب ما حدث، وصل نجم كرة القدم الفرنسية الجزائري الأصل زين الدين زيدان وأخذ منه الشعلة وركض بها بين شوارع باريس وساحاتها وسط أطفال يمارسون هواياتهم بالسكيت بورد ودراجات بي إم إكس حاولوا اللحاق به لالتقاط صورة، لكنه دخل إلى محطة مترو واشترى تذكرة واستقل القطار أمام خيبة أمل كبيرة للأطفال الثلاثة الذين كانوا يلاحقونه.
توقف القطار فجأة وانطفأ النور فلحق به الأطفال وأخذوا منه الشعلة عبر النافدة وساروا بها على حافة النهر حيث كاد تمساح أن يلتهمهم قبل أن يلتقطها منهم رجل مقنع ومغطى الرأس على قارب بنهر السين وأخذهم معه في الطريق إلى ساحة تروكاديرو، فبدأ عرض مرور الوفود المشاركة على متن القوارب بدءاً من اليونان وصولاً إلى فرنسا.
أخذ البهلوان المتفرجين في رحلة مليئة بالأحداث عبر أجمل المواقع في باريس عبر تسلق البنايات وأبرز المآثر التاريخية للعاصمة خصوصاً كنيسة نوتردام ومتحف اللوفر وغيرها، كل ذلك في 12 لوحة فنية تضمنت دعوة للعيش معاً ورغبة في «أن نجتمع معاً في سلام واحترام وتنوع».
- التحرر والحرية ومقاومة العنف
بصم مخرج الحفل توما جولي العرض بتنوع وحيوية المشهد الفني الفرنسي: مصمّمو الرقصات والملحنون ومصمّمو الأزياء وفنانو السيرك والمواهب الناشئة والمعترف بها عالمياً، بهدف الجمع بين العصور والسجلات والأنماط وأشكال الفن. قدم حواراً بين تراث متعدد الثقافات لفرنسا وأحدث أشكال التعبير الفني.
كما حول أرضية أحد الجسور إلى منصة عرض أزياء عملاقة، بسجادة حمراء وأرضية مربعات باللونين الأسود والأبيض.
تخللت الحفل فقرات غنائية كثيرة أبرزها للأمريكية ليدي غاغا والفرنسية المالية اية ناكامورا، قبل أن تختتمه الكندية سيلين ديون، الغائبة عن الحفلات منذ 2020، بأغنية نشيد الحب للمغنية الفرنسية إديت بياف، من الطبقة الأولى لبرج إيفل، متحدية مرضها النادر الذي يمنعها من مواصلة مسيرتها الغنائية.
اختتم المشهد بمفاجأة مدوية، التقى الرجل المقنع بزيدان عند تروكاديرو وسلّمه الشعلة ومنه إلى لاعب التنس الإسباني رافايل نادال المتوج ببطولة فرنسا المفتوحة 14 مرة (رقم قياسي).
لم تتوقف المفاجأة هنا، استقل الماتادور قارباً إلى جانب نجوم آخرين: الأمريكيان كارل لويس وسيرينا وليامس والرومانية نادية كومانتشي. وبعد رحلة صغيرة سلّموا المشعل إلى النجمة الفرنسية السابقة أميلي موريسمو ومنها إلى توني باركر قبل أن يتناوب على حملها أكثر من نجم في كرة اليد والترياثلون، والرياضيون البارالمبيون إلى أن وصلت إلى العداءة المعتزلة ماري- جوزيه بيريك وبطل الجودو تيدي رينر اللذين قاما بإيقاد المرجل الأولمبي وسط عرض ضوئي مذهل في برج إيفل.
وشكل المرجل الأولمبي قاعدة منطاد حلّقت فوق المدينة.