تتسابق الشركات المالية لدمج الذكاء الاصطناعي في أكبر عدد ممكن من عملياتها، حيث يكافح المستثمرون لتسخير هذه التكنولوجيا في مساعدتهم على تحقيق الهدف المركزي منها وهو “التنبؤ بتحركات أسعار الأسهم بطريقة تعزز من الأرباح”.
ورغم الدور الكبير الذي ينتظر تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في عالم المال، إلا أن الاستعانة بخوارزميات الكمبيوتر للمساعدة في التنبؤ بتحركات الأسهم، أثبت الواقع أنه تحد صعب، فحتى أولئك المتأكدين من أن الذكاء الاصطناعي سوف يحدث ثورة في طريقة اختيار الأسهم في يوم من الأيام، يرون أن تحقيق هذا الهدف يتطلب سلسلة من التحسينات التدريجية وطويلة المدى، التي سينتج عنها ميزة متواضعة في البداية، علماً أن الميزة المتواضعة في وول ستريت قد تدر مليارات الدولارات.
وبحسب تقرير أعدته “بلومبرغ” واطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” سيكون الذكاء الاصطناعي موجوداً في جميع أنواع الأدوار في عالم المال، بما في ذلك خدمة العملاء وتسهيل تنفيذ العمليات التجارية وجعلها أكثر كفاءة.
ومن حيث تعزيز عوائد الاستثمار، فإن آمال الشركات المالية تنصب إلى حد كبير على التعلم الآلي، وهو المجال الفرعي للذكاء الاصطناعي، حيث يتم تدريب أجهزة الكمبيوتر على كميات هائلة من البيانات لأداء مهام معينة.
ويشتمل التعلم الآلي على عنصرين هما الذكاء الاصطناعي التوليدي وهي القوة التي تخلق المحتوى في ChatGPT مثلاً، والذكاء الاصطناعي التنبئي، الذي يستخدم النتائج السابقة للتنبؤ بالنتائج المستقبلية، وهذا تحديداً ما قد يفيد في التنبؤ بتحركات الأسهم.
وفي دليل على مدى توغّل هذه التكنولوجيا في عالم الصناعة المالية يقول مصرف جي بي مورجان، إن هناك أكثر من 300 حالة استخدام للذكاء الاصطناعي في جميع عملياته.
الذكاء الاصطناعي واختيار الأسهم؟
يمكن تدريب الذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي يحاكي عمل الدماغ البشري على أداء مهام معرفية معقدة، وذلك بمساعدة من الكميات الهائلة لبيانات المعلومات الموجودة مسبقاً، حيث يتعلم الذكاء الاصطناعي كيفية استخدام هذه المعلومات لصياغة شيء جديد، مثل مقدمة لرواية جديدة، أو ملخص لتقرير، أو قصيدة أو عقد قانوني.
وعند تطبيق هذا المفهوم من قبل الشركات المالية، فإن ذلك يعني أن برامج الذكاء الاصطناعي ستكون قادرة على تلخيص البحث وكتابة التعليمات الأساسية وتقارير الاستثمار، كما ستكون قادرة على البحث في البيانات التاريخية واستخلاص أنماط السوق لتقييم احتمالية الأحداث المستقبلية والتنبؤ بها.
ومن هنا فإن الأمل يبقى في أن يتمكن العالم من استخدام الذكاء الاصطناعي التنبؤي، كأداة استثمارية تحلل كميات هائلة من البيانات المالية وتتوصل إلى تنبؤات مستنيرة، مثل تحديد اتجاه سعر الأسهم والسندات.
وعلى سبيل المثال، انتقل أحد المحللين الكميين من المدرسة القديمة، وهو جيسون هسو منRayliant Global Advisors، من اختيار الأسهم بناءً على ستة معايير، إلى استخدام خوارزمية الذكاء الاصطناعي التي تتبع حوالي 200 إشارة.
والأمل هو أن يتمكن الذكاء الاصطناعي من العمل على قاعدة “شراء الأسهم ذات أدنى نسبة سعر إلى القيمة الدفترية” ومعرفة القطاعات المحددة وظروف السوق التي تعمل فيها هذه القاعدة بشكل أفضل، في حين يحاول معظم مديري الأموال الذين يستخدمون الذكاء الاصطناعي الجمع بين التقنيات الجديدة والتقنيات النظرية الراسخة.
كيف يمكن أن يحسن النتائج؟
وجد الباحثون أن نماذج الذكاء الاصطناعي التنبؤية الحديثة أفضل في اكتشاف الأنماط المعقدة وكيفية تفاعل المتغيرات المختلفة مع بعضها البعض في السوق المالية.
وفي حين اعتمدت الإصدارات القديمة من نماذج الذكاء الاصطناعي على اكتشاف كلمات مفتاحية معينة، فإن أحدث التقنيات في هذا المجال تعتبر أفضل في تحليل سياق الأمور، مما يجعلها أكثر دقة في فهم بيانات الأرباح ونصوص المكالمات والمستندات الأخرى، الأمر الذي يساعد في الكشف عن إشارات التداول أو مخاطر الاستثمار المحتملة.
وقد أظهرت بعض الدراسات الأكاديمية أنه يمكن مثلاً استخدام ChatGPT لفك رموز المصطلحات التي يتحدث بها محافظو البنوك المركزية غالباً عن أسعار الفائدة، وتقديم الملخص الذي توصلوا إليه إلى الشركات بطرق قريبة مما يمكن أن يفعله الخبير البشري.
وحتى الآن، هناك القليل من الأدلة على أن الذكاء الاصطناعي يمنح ميزة ملموسة في عالم الأسهم.
فقد تأخر مؤشر “Eurekahedge” الذي يتتبع 12 صندوقاً يعتمد على تحليلات الذكاء الاصطناعي، عن مؤشر صناديق التحوط الأوسع بنسبة حوالي 14 نقطة مئوية على مدار السنوات الخمس الماضية.
ووفقاً لشركة “Plexus Investments”، وهي شركة لإدارة الأصول تتبع عوائد صناديق المدارة من قبل الذكاء الاصطناعي، فإن 45 بالمئة من هذه الصناديق تتفوق على الصناديق التي تتبع المعايير التقليدية.
من ناحية أخرى، اقترحت ورقة بحثية أكاديمية نشرت في عام 2021 أن صناديق الاستثمار المشتركة، والمدعومة بالتكنولوجيا تتفوق على نظيراتها التي يديرها البشر فقط، ولكن ليس على مجمل السوق.
ما هي العقبات؟
قد تتعرض الآلات والبرامج التي يديرها الذكاء الاصطناعي للخداع في عالم المال بسبب الأسواق الصاخبة والأحداث المفاجئة، كما قد تفتقر هذه البرامج أحياناً إلى البيانات اللازمة التي تساعدها في إتخاذ القرار الصحيح.
فمثلاً عندما تكتشف برامج الذكاء الاصطناعي أنماطاً مربحة محتملة، قد يحدث أمر مفاجئ في السوق يغيّر جميع الاتجاهات، وهو الأمر الذي لا تملك هذه البرامج القدرة على مواكبته.
كما هناك عقبة أخرى تتمثل في افتقار الذكاء الاصطناعي إلى ما يمكن أن نطلق عليه “القدرة على التفسير”، فمن الصعب معرفة كيف توصل برنامج للذكاء الاصطناعي إلى نتيجة معينة، في حين أن المستثمرين البشر يحبون عموماً معرفة ما حدث من خطأ عندما يخسرون أموالهم.
ويقول الخبير في التوجيه المالي والاقتصادي عبد الله حرفوش، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه من غير الممكن أن تعتمد الأسواق المالية فقط على الذكاء الاصطناعي في عملية اختيار الأسهم، حيث أن هذه المهام ستظل مرتبطة دائماً بالبشر وذلك لعامل أساسي ومهم وهو “الشعور والتنبؤ بالسوق” وهذه الصفات يمتلكها الإنسان، مشيراً إلى أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يجمع البيانات ويحللها من منطلق أنه روبوت مبرمج للقيام بهذا الأمر، ولذلك
فإنه لن يكون بمقدوره التوقع والتنبوء بأحداث يمكن أن تحصل مثل التوترات الجيوسياسية والحروب والكوارث الطبيعية والتي تلعب دوراً رئيسياً في تحريك الأسواق، في حين أن الإنسان يمكنه ذلك.
ويرى حرفوش أن عالم المال والأسهم يمكن أن يشهد تعاوناً بين الذكاء الاصطناعي والبشر، فبرمجيات الذكاء الاصطناعي التي يستخدمها المستثمر والمحلل تساعد في تحليل البيانات المالية والاقتصادية وبيانات البطالة وبيانات السندات بسرعة قياسية، لتقوم بعدها هذه البرمجيات بإظهار نتيجة توقعاتها للسوق، بناءً على البيانات التي تم تزويدها بها، وهنا يأتي دور الإنسان الذي يجب أن يضع اللمسة البشرية المرتبطة بالشعور الشخصي، تجاه الظروف الاستثنائية وغير الطبيعية والعوامل الطبيعية، مشيراً إلى أن هذه الميزات التي يتمتع بها الإنسان هي نتاج سنوات من الخبرة جراء العمل في هذا المجال لسنوات، وبالتالي فإن أفضل صيغة للحل تكون بوضع الإنسان يده بيد الذكاء الاصطناعي في عالم المال والأسهم.
وحذّر حرفوش من سيطرة الذكاء الاصطناعي بشكل كامل على التوقعات ومجريات الأحداث في عالم الأسهم، حيث أن قيادة هذه التكنولوجيا للسوق، تعني أنها باتت تدير ما يحصل فيها، ليصبح عندها بإمكان صانعي السوق والمصارف الكبيرة، توقع حركات الشراء والبيع التي ينفذها الذكاء الاصطناعي بدلاً عن البشر، وهنا ستقوم المصارف بتنفيذ ما يشبه عمليات المضاربة لأخذ السوق بعكس الاتجاه المتوقع وبالتالي يخسر المتداولون أموالهم، كاشفاً أن الذكاء الاصطناعي لدى صانعي السوق والمصارف الكبيرة سوف يتوقع ما يقوم به الذكاء الاصطناعي لدى المتداولاين والمستثمرين من عمليات بيع وشراء، في حين أن بقاء زمام المبادرة بيد البشر يسمح بتجنب هذا السيناريو.
أداة مكملة لدور البشر
بدوره يقول المحلل المالي جوزيف زغبي في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن الذكاء الاصطناعي يمتلك القدرة على تحسين عملية اختيار الأسهم بفعالية من خلال التحليل الدقيق للبيانات وتقديم توصيات مبنية على نماذج متقدمة، ولكن مع ذلك، فإنه من المهم أن يتم استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة مكملة للتحليل البشري، وليس بديلاً عنه، وذلك نظراً للعقبات والتحديات التي قد تواجهها هذه التكنولوجيا، كاشفاً أن العديد من نماذج الذكاء الاصطناعي، تعتمد على البيانات التاريخية للتنبؤ بالمستقبل، ولكن في حال كانت هذه البيانات غير كاملة بشكل كاف، فإن التوقعات ستكون غير دقيقة.
وشدد زغبي على أن الاعتماد الكبير على نماذج الذكاء الاصطناعي في عالم الأسهم قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة، فهناك عوامل تؤثر على السوق بشكل غير متوقع، كما أن الذكاء الاصطناعي يواجه صعوبة في فهم العوامل النفسية والسلوكية التي تؤثر على قرارات المستثمرين، والتي قد تكون مهمة في التنبؤ بتحركات السوق.
وبحسب زغبي، فإن الدور الإيجابي للذكاء الاصطناعي في عالم الأسهم، يكمن في قدرته على اتخاذ قرارات لحظية سريعة بسرعة أكبر من البشر، مما يوفر استجابة أسرع لتحركات السوق، بالإضافة إلى ذلك، تسهم هذه التكنولوجيا في إزالة التحيزات العاطفية، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي تجنب القرارات العاطفية التي قد تؤثر على المستثمرين في سوق الأسهم.