الأراضي الفلسطينية – أ ف ب
في بيت دجن في الضفة الغربية، عاد حسين جميل الذي فقد ترخيص العمل في إسرائيل، بعد اندلاع الحرب في غزة، إلى حراثة أرضه وزرعها. وهو يقول اليوم إنه لن يتركها أبداً.
وبعد اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أوقفت السلطات الإسرائيلية أذونات العمل المعمول بها لأكثر من 200 ألف عامل فلسطيني. وقال جميل (46 عاماً) الذي عاد إلى الزراعة في أرضه، كعشرات من الفلسطينيين، إن العمل في الزراعة «مجدٍ أكثر، وأكثر أمناً».
وأضاف جميل وهو أب لثمانية أبناء:، «وجدتُ أن العمل في الزراعة أفضل كثيراً من العمل في إسرائيل. أشعر بالاستقلالية والراحة، والأهم أنني بتّ أعمل في أرضي».
ويروي أنه عمل داخل إسرائيل «ما بين 20 إلى 22 عاماً، وكانت الأمور جيدة. لكن عقب السابع من أكتوبر، لم نعد نستطيع التوجه للعمل مجدداً».
وتابع بينما يقطف ثمار البندورة من تحت خيمة بلاستيكية مع أبنائه،: «انتظرنا كثيراً على أمل العودة إلى العمل في إسرائيل، لكننا فكّرنا في طريقة للتعويض، ولجأنا إلى الزراعة، ووجدنا أنها مجدية».
وكان العمل في داخل إسرائيل، أو المستوطنات الإسرائيلية يشكّل قبل الحرب، مصدر دخل مهم للفلسطينيين.
وبحسب الاتحاد العام لعمال فلسطين، فإن غالبية العمال الـ 200 ألف من الضفة الغربية الذين كانوا يعملون في إسرائيل قبل الحرب، كانت لديهم تصاريح عمل قانونية، وكان هناك من يدخل إلى الدولة العبرية بطرق غير قانونية.وبحسب وزارة الدفاع الإسرائيلية، كان هناك 18500 عامل من غزة.
وقال مسؤول الدائرة القانونية في الاتحاد محمد العاروري: «بعد الحرب، انقطع جميعهم عن العمل، وهناك عدد قليل جداً من الضفة الغربية تمكّن من الدخول بتصاريح خاصة».
– بطالة قياسية
وبحسب البنك الدولي، فإن الرواتب التي كان يتقاضاها العمال الفلسطينيون داخل إسرائيل كانت أعلى مرتين من رواتب الضفة.
ويقول البنك الدولي، إن الحرب أفقدت 200 ألف شخص عملهم في غزة، حيث كانت البطالة تبلغ حتى قبل الحرب مستويات قياسية عالمية. وفي الضفة الغربية، فقد 144 ألف شخص عملهم بسبب الحرب والعنف وإغلاق طرق. وسجّلت نسبة البطالة في نهاية 2023 رقماً قياسياً، إذ قفز من 12.9% إلى 32%.
وكان جميل واحداً من بين قرابة 200 إلى 250 فلسطينياً من قرية بيت دجن التي يبلغ تعداد سكانها نحو خمسة آلاف، يعملون في إسرائيل. وكان مشرفاً على مجموعة عمال داخل إسرائيل في أعمال البناء والدهان والتشطيب.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، تصاعدت في الضفة الغربية، وتيرة العنف، وقتل 617 فلسطينياً على الأقل على أيدي الجيش الإسرائيلي أو المستوطنين. كما قتل 18 إسرائيلياً على الأقل، بينهم جنود، في هجمات فلسطينية، وفق أرقام إسرائيلية.
– “لن أعود”
وقرب جبال القرية القريبة من مدينة نابلس، تنتشر اليوم بيوت بلاستيكية متلاصقة. وبينها بيتان بناهما جميل بمساعدة شقيقه، واحد خاص به يزرعه بالبندورة، والآخر يشترك مع شقيقه في زراعة الخيار. وعمل مازن أبو جش من جهته في قطاع البناء داخل إسرائيل لعشر سنوات. وكما جميل توجّه بعد الحرب إلى الزراعة.
وأنشأ أبو جش بيتاً بلاستيكياً زرعه بالبندورة. وقال: بعد السابع من أكتوبر جلسنا في منازلنا ننتظر انتهاء الحرب، والعودة للعمل، لكن الحرب لم تنته.
وأضاف أبو جش (43 عاماً) الذي يعيل عائلة من سبعة أفراد: “اتفقت مع 35 عاملاً من القرية على التوجه إلى العمل في الزراعة بدل الانتظار، وهذا ما كان”.
وعلى مسافة ملاصقة للبيت البلاستيكي الذي يديره أبو جش، انهمك رجل خمسيني، مع عائلته في قطف الخيار. وبحسب محمد رضوان من المجلس القروي لقرية بيت دجن، فإن 150 دونماً من البيوت البلاستيكية أُنشئت بعد الحرب، ويديرها عمّال كانوا يعملون داخل إسرائيل.
ويقول رضوان: “انعكس عمل هؤلاء على القرية إيجاباً من خلال تشغيل العاطلين عن العمل، كما ساعد على الحفاظ على الأرض التي تقع في المناطق المصنّفة “ج”، أي المناطق التي تُعتبر، بموجب اتفاق أوسلو، السلطة الفلسطينية مسؤولة عن تقديم الخدمات الطبية والتعليمية فيها، بينما تمسك إسرائيل بالجوانب الأمنية والإدارية والقانونية.
وأضاف: “منذ أن بدأ هؤلاء يعلمون في الزراعة، افتتح في القرية محل لبيع الأدوات الزراعية”.
وقال المزارعون، إن مؤسسات أهلية عملت على توفير مياه من ينابيع وآبار قريبة لري المزروعات، الأمر الذي ساهم في نجاح التجربة.
وأوضح جميل أن مشغله الإسرائيلي اتصل به أكثر من مرّة طالباً منه العودة للعمل، وبأنه سيسهّل له ذلك من خلال الحصول على تصريح عمل، “لكن أبلغته أنني لن أعود”.