إعداد ـ محمد كمال
عشية المفاوضات الحاسمة التي تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقف لا تحسد عليه، إذ تعوّل بشكل أساسي على حُسن النوايا من إسرائيل وحماس، اللتين قاومتا التوصل إلى اتفاق لأشهر عدة، وكذلك الخوف من أن تؤدي انتكاسة أخرى إلى تفاقم الصراع، فضلاً عن إجراء جلسة المفاوضات في ظل التصريحات الإيرانية بالتحضير لرد انتقامي ضد إسرائيل، بعد مقتل القائد السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في طهران، ما يهدد بتوسيع الصراع إلى ما هو أبعد من سيطرة أي أحد، بما في ذلك أمريكا نفسها.
ولدى الأطراف المتحاربة دوافع لقلب المحادثات المقررة في الدوحة، الخميس، والتي وصفها مساعدو الرئيس الأمريكي، جو بايدن، بأنها محاولة «المرحلة الأخيرة» لإنهاء الحرب التي أودت بحياة عشرات الآلاف من الفلسطينيين، وتأمين إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الباقين في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول، ويقدر عددهم بنحو 115 رهينة.
انقسام داخل إسرائيل
ويواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضغوطاً من أعضاء حكومته اليمينية المتطرفة، لرفض ما يسمّونه «صفقة الاستسلام»، في مقابل توجيه عائلات الأسرى اتهامات له بتعمد تمديد الحرب من أجل بقائه السياسي.
كما أن هناك خلافاً حاداً حول طريقة تعامل نتنياهو مع المحادثات، وكيف ينبغي أن تنتهي الحرب في غزة. ويوم الاثنين، قال وزير الدفاع يوآف غالانت، في بيان له، إن صفقة الرهائن كانت مسألة «عاجلة»، وشكر الولايات المتحدة على «قيادتها والتزامها بهذه القضية». كما انتقد هدف نتنياهو الذي طال انتظاره وهو تحقيق «النصر الكامل» على حماس، ووصفه بأنه «هراء»، وفقاً لتسريبات في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وردّ نتنياهو على غالانت متهماً إيّاه بنشر «رواية مناهضة لإسرائيل» والتي «تضر بإمكانية التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن».
ويقول مسؤول إسرائيلي مقرب من نتنياهو «يدرك الآن أنه بحاجة إلى اتفاق، وأن إسرائيل تؤيد التوصل إلى اتفاق، وأن ترك الرهائن وراءه سيكون جرحاً مؤلماً قد لا تتعافى منه إسرائيل».
موقف حماس
أما حماس فقد أكدت على لسان عضو فريقها التفاوضي، غازي حمد، أن الحركة لن تحضر محادثات الخميس، متهمة نتنياهو باستخدامها «كغطاء لمواصلة عدوانه ضد الشعب الفلسطيني».
كما يمكن أن يشكل مقتل هنية عقبة إضافية، نظراً لوضعه السابق باعتباره صانع القرار الأخير في المكتب السياسي للحركة، وفهمه البديهي لما سيكون مقبولاً للسنوار، الذي تولى زعامة الحركة سياسياً، بعده.
ولعب هنية دوراً رئيسياً في التفاوض على عرض حماس هذا الصيف، والذي وصفه المسؤولون الأمريكيون بأنه مهم لأنه يبدو أنه يلبي الشروط المنصوص عليها في الاتفاقية الإطارية التي أعلنها بايدن.
وعلى الرغم من أن حماس أعربت عن إحباطها العلني من المحادثات، ولن تحضر، الخميس، إلا أن سهيل الهندي، عضو مكتبها السياسي، قال إن الحركة لن تتخلى عن العملية. وقال إن حماس ستعيد المشاركة إذا حصلت على «التزام واضح» من الإسرائيليين بشأن اقتراحها الأخير. وقال أحد المسؤولين المطّلعين على المفاوضات، إن حماس أبلغت الوسطاء بأنها مستعدة للقاء بهم بعد اجتماع، الخميس إذا كانت هناك تطورات، أو ردّ جدي من إسرائيل.
لا تنازلات
ويخشى دبلوماسيون أن تؤدي كل هذه العوامل إلى جعل المفاوضين أقل استعداداً لتقديم تنازلات، ويقول آرون ديفيد ميلر، خبير شؤون الشرق الأوسط في منشور على منصة إكس «إن مسار هذه الأزمة يقع الآن في أيدي إيران؛ وحزب الله؛ وزعيم حماس يحيى السنوار وبنيامين نتنياهو.. إنها فكرة محبطة كما قد يتخيل المرء».
ودعت إدارة بايدن، وشركاؤها، الوسطاء إلى عقد الاجتماع على أمل حل الخلافات العالقة بين الطرفين بعد المطالب الإسرائيلية الجديدة، وفقاً لأربعة مسؤولين مطّلعين على العملية.
مطالب جديدة
وفي جلسة المفاوضات الأخيرة، التي عقدت في روما، أواخر الشهر الماضي، يقول المسؤولون إن إسرائيل أصرت على شروط جديدة تتجاوز نطاق الإطار الذي أعلنه بايدن في 31 مايو/ ايار، والخاص بوقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، وإطلاق سراح الرهائن في المرحلة الأولى، على أن يكون مصحوباً بانسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة بالسكانن والعودة الحرة للمدنيين الذين فروا جنوباً هرباً من القصف الإسرائيلي، إلى شمال غزة.
وبموجب مطالبها الجديدة، تريد إسرائيل الاحتفاظ بالسيطرة العسكرية، إلى أجل غير مسمى، على ممر فيلادلفيا على طول الحدود بين غزة ومصر، فضلاً عن معبر رفح، وستقيم نقاط تفتيش بين شمال غزة وجنوبها، لمراقبة حركة النازحين من سكان غزة. وزعم نتنياهو أن التغييرات تتفق مع الإطار الأصلي.
وأوضح مبعوث بايدن الإقليمي، عاموس هوشستين، الأربعاء، أن صبر الولايات المتحدة قد نفد تجاه الأطراف التي تسعى إلى شروط أفضل. وقال هوشستاين خلال زيارته إلى لبنان، حيث تم إيفاده لتهدئة التوترات بين إسرائيل وحزب الله: «لم يعد هناك المزيد من الوقت لنضيعه، ولم تعد هناك أعذار صالحة من أي طرف لمزيد من التأخير».
استمرار صفقات الأسلحة
وفوجئ مسؤولو البيت الأبيض، وغضبوا من توقيت مقتل هنية، وقالوا إنهم «قلقون للغاية» من الغارة الإسرائيلية، السبت، التي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 93 شخصاً في مدرسة في مدينة غزة تؤوي الفلسطينيين النازحين، وفقاً لمسؤولي الإنقاذ. ومع ذلك، استمرت إدارة بايدن في استبعاد استخدام أقوى نفوذ لها على إسرائيل والمتمثل في فرض شروط على المساعدات العسكرية.
وخلال الأسبوع الماضي، وافقت إدارة بايدن على مبيعات أسلحة جديدة لإسرائيل بنحو 20 مليار دولار، بما في ذلك الصواريخ والطائرات الحربية والذخيرة، وأذنت بتوفير 3.5 مليار دولار إضافية لإسرائيل لإنفاقها على الأسلحة، والمعدات العسكرية الأمريكية. كما وافقت على مواصلة تمويل كتيبة عسكرية إسرائيلية مثيرة للجدل متهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، بما في ذلك إساءة معاملة رجل فلسطيني أمريكي يبلغ من العمر 78 عاماً، توفي بعد أن تم تقييده وتكميم فمه من قِبل الوحدة.
تفويض جديد
وسيمثل إسرائيل في اللقاء ديفيد بارنيا، رئيس الموساد، ورئيس الشاباك رونين بار، واللواء نيتسان ألون. والأهم من ذلك، وفقاً لمكتب نتنياهو، أنه سيكون لديهم تفويض للتفاوض، وهو ما لم يكن الحال دائماً خلال أشهر من المحادثات المتقطعة.
وبينما تسعى واشنطن جاهدة لتحقيق انفراجة دبلوماسية في الدوحة، فإنها تراقب بقلق أيضاً التحركات العسكرية في إيران، التي وعدت بـ«معاقبة» إسرائيل على اغتيال هنية في دار ضيافة في طهران.
لكن مسؤول في حماس قال: «ما سمعناه من إيران هو أن انتقامهم لا علاقة له بالمفاوضات، فهما ملفان منفصلان، لأن الانتقام هو رد على هجوم على سيادة إيران». وأضاف: «لكن من الممكن أنه إذا كانت هناك جهود جادة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، فإن الوضع العام يمكن أن يتحسن».
ويبدو أن هذا التقييم يشاركه فيه الرئيس بايدن. وعندما سأله الصحفيون، الثلاثاء، عما إذا كان اتفاق وقف إطلاق النار في غزة قد يقنع إيران بالامتناع عن شن هجوم انتقامي ضد إسرائيل، أجاب: «هذا هو توقعي».