فيما شهد العام 2023 استكشاف المؤسسات والشركات أو العالم تقنيات الذكاء الاصطناعي، فإن عام 2024 هو العام الذي بدأت فيه المؤسسات في تبني التكنولوجيا الجديدة ومحاولة الاستفادة منها في تطوير أعمالها، حيث تضاعف عدد المؤسسات التي تستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي AI بانتظام في أعمالها خلال العام الجاري 2024، وذلك وفقا لاستطلاع عالمي أجرته شركة ماكينزي McKinsey حول الذكاء الاصطناعي، وذلك مقارنة باستطلاع مشابه للشركة قبلها بنحو 10 شهور فقط.

وفي ظل النمو الهائل في تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، على الدول العربية أن تواكب هذا التطور لتحقيق أقصى استفادة منه في تطوير شتى المجالات بما في ذلك الصحة والصناعة وغيرها، كما عليها أن تكون لاعبا رئيسيا وعدم الاكتفاء بدور الجمهور، خصوصا في ظل الفرص الكبيرة التي تملكها العديد من الدول العربية، سواء القوة الاقتصادية التي تسهل تبني هذه التكنولوجيا والاستثمار فيها أو القوة البشرية التي يمكنها توفير فرص أكبر للاستفادة من الذكاء الاصطناعي. 

فكيف يمكن للدول العربية الاستفادة من الفرص الكبيرة التي يوفرها الذكاء الاصطناعي؟ وما هو موقفها الآن من تبني هذه التكنولوجيا بعد الثورة التي بدأتها OpenAI بإطلاق الإصدار المجاني من شات جي بي تي مطلع العام الماضي 2023 ؟

كيف يمكن للدول الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي AI ؟ 

ويمكن للذكاء الاصطناعي أن يسهم في تحسين مختلف المجالات في الدول العربية، بما في ذلك الرعاية الصحية والتعليم والنقل والزراعة وتحقيق ما يطلق عليه اسم “المدن الذكية” والتسويق وصناعة المحتوى وغيرها. 

الذكاء الاصطناعي والرعاية الصحية 

بلغت مساهمة الذكاء الاصطناعي في سوق الرعاية الصحية 14.33 مليار دولار أمريكي في عام 2023، ومن المتوقع أن تصل إلى  153.61 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2029، وذلك بمعدل نمو سنوي قدره 48.5٪، وفقا لتقرير من  شركة “أريزتون” للأبحاث، وهي شركة عالمية رائدة في تقديم خدمات الاستشارات والبحوث السوقية.

ويمكن استخدام الذكاء الاصطناعي في مجموعة واسعة من التطبيقات في مجال الرعاية الصحية التي من شأنها زيادة كفاءة العمل وخفض تكلفة العمالة، بما في ذلك الروبوتات المساعدة في الجراحة والمساعدات الافتراضية وتحليل بيانات المرضى والمساعدة في إدارة المستشفيات والتصوير الطبي والتشخيص وتطوير مساعدين افتراضيين، بالإضافة لتسريع عمليات البحث عن أدوية جديدة وتخصيص خطط العلاج وغيرها. 

وتعتبر شركة Niramai من القصص الناجحة في استخدام الذكاء الاصطناعي لتطوير قطاع الرعاية الصحية في الهند، حيث طورت الشركة الهندية الناشئة تقنية للكشف المبكر عن سرطان الثدي اعتمادا على تحليل الذكاء الاصطناعي الصور من كاميرا حرارية، وهي التقنية التي سهلت تقديم خدمات الرعاية الصحية في المناطق النائية أو الفقيرة في الهند، كما قللت التكلفة، حيث لا تحتاج أي أجهزة طبية أو بنية تحتية متطورة، مع الحفاظ على خصوصية المرضى والحصول على النتائج خلال دقائق بعد إجراء الفحص الطبي. 

وتعاونت الشركة الهندية في عام ٢٠٢٣ مع  حكومة ولاية ماديا براديش لتقديم تقنية الكشف المبكر عن سرطان الثدي في 100 قرية نائية، وهو ما أدى للنجاح في إجراء فحص لأكثر من 10000 امرأة خلال ستة أشهر، مع الكشف عن أكثر من ٥٠ حالة سرطان ثدي في مراحلة المبكرة، مما ساعد في إنقاذ حياة المزيد من النساء. 

ونجحت Niramai في تصدير التقنية التي تطورها للعديد من الدول حول العالم، بما في ذلك بعض الدول العربية مثل السعودية والإمارات.

وفي الهند أيضا، نجحت 10BedICU بالشراكة مع OpenAI بالاعتماد على نموذج الذكاء الاصطناعي GPT-4 لتوفير حلول لمشاكل الرعاية الصحية المتعلقة بالنقص الشديد في عدد الأطباء، وذلك من خلال تسهيل عمل الأطباء ومقدمي خدمات الرعاية الصحية عبر العديد من الأدوات، بما في ذلك أداة لتحويل المحادثات بين الطبيب والمريض إلى نصوص وحفظها في سجلات طبية مباشرة وأداة أخرى لأتمتة سجلات المرضى. 

الذكاء الاصطناعي والتعليم

ومن المتوقع أن تصل مساهمة الذكاء الاصطناعي في التعليم هذا العام ٢٠٢٤ إلى ٦ مليار دولار أمريكي، وذلك وفقا لتقرير من منظمة اليونيسكو عن الذكاء الاصطناعي والتعليم. 

ويمكن الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في التعليم من خلال العديد من التطبيقات، بما في ذلك تطبيقات المساعدة في إدارة المدارس، من خلال مراقبة الحضور وأداء المهام الدراسية والجدول الزمني وغيرها، بالإضافة إلى تحليل البيانات الضخمة الناتجة عن العملية التعليمية لتوفير معلومات ضرورية للمعلمين تساعدهم في توفير أفضل تجربة للطلاب، أو حتى التنبؤ بالطلاب المعرضين لخطر الفشل في الدراسة، وهو ما يتيح إنشاء برامج دراسية مخصصة تناسب كل طالب. 

ومن الأمثلة الناجحة على استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين التعليم منصة Squirrel Ai الصينية، وهي الشركة التي طورت خوارزميات خاصة للاستفادة من البيانات الضخمة لأكثر من 24 مليون طالب وسلوكهم التعليمي، وذلك لتخصيص تجربة التعلم وفقا لما يناسب كل طالب وتحسين مسارات التعلم عبر تحديد نقاط القوة والضعف لدى الطلاب. 

وفي الولايات المتحدة، عملت الدكتورة إميلي أوستر بالتعاون مع طلابها في جامعة براون حل مشكلة عدم توفر بيانات عامة منظمة حول التعليم، وذلك من خلال مشروع باسم zelma يوفر طريقة سهلة للآباء وصناع السياسات والخبراء لتحديد خياراتهم والحصول على رؤى تعليمية وفقا لاهتماماتهم، وذلك اعتمادا على نموذج GPT-4 لتوفير إمكانية طلب البيانات بطريقة طبيعية واقتراح الأسئلة وعرض الإجابات معززة برسوم بيانية وشرح السياق الخاص بها، مع جعل جميع الأسئلة عامة بحيث يمكن للجميع الوصول إليها.

الزراعة 

وعن الدول الزراعية أو التي تستهدف تحسين الزراعة، يمكن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لمواجهة العديد من التحديات، بما في التنبؤ بالطقس ومراقبته وتحسين إدارة الري والمراقبة الدقيقة لصحة المحاصيل والتربة وغيرها. 

وفي الولايات المتحدة، أعلنت شركة John Deere الرائدة في تصنيع الآلات الزراعية عن خططها لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الآلات التي تصنعها، وذلك بهدف تخفيض تكاليف الزراعة وتحسين الجودة، حيث قالت أنه من المتوقع أن ينخفض استخدام الأسمدة بمقدار الثلثين عند استخدام آلة قادرة على زراعة البذور وضبط التباعد والعمق اعتمادا على مراقبة جودة التربة، مما يسهل إضافة الكمية الدقيقة من الأسمدة اللازمة اعتمادا على هذه العوامل. 

وتشير تقديرات شركة جون ديري إلى أنه من خلال الجمع بين الجرارات ذاتية القيادة وآلية توزيع الأسمدة بدقة، ستزداد الإنتاجية بنسبة 9%، حيث يمكن زيادة المساحة المزروعة إلى الحد الأقصى مع تقليل تكاليف الأسمدة بنسبة 60%.

موقف الدول العربية من تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي 

وفي محاولة للمشاركة كلاعب رئيسي في ثورة الذكاء الاصطناعي الجديدة وعدم الاكتفاء بدور الجمهور أو المشاهد، بدأت العديد من الدول العربية في استكشاف إمكانية الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تشكيل مستقبلها، حتى أن بعض الدول كان لها الريادة قبل سنوات من التسارع في استكشاف الفرص المتعلقة بهذه التكنولوجيا. 

جهود الإمارات المتعلقة بالذكاء الاصطناعي 

وكان لدولة الإمارات الريادة في الاتجاه للذكاء الاصطناعي عربيا، حيث أعلنت في وقت سابق من عام 2017 عن “استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي”، والتي تركز أهدافها على تهيئة البيئة التحتية وتطويرها لتكون مناسبة للذكاء الاصطناعي، مع الاعتماد على التكنولوجيا الجديدة لتحسين أداء الحكومة ومستوى المعيشة، وذلك من خلال التركيز على قطاعات النقل والرعاية الصحية والفضاء والطاقة المتجددة والتكنولوجيا والمياه والتعليم والبيئة والمرور. 

نريد للذكاء الاصطناعي أن يكون حاضرا في أعمالنا وحياتنا وخدماتنا الحكومية ” _ محمد بن راشد آل مكتوم

وتخطط الإمارات من خلال استراتيجية الذكاء الاصطناعي لتحقيق إلى نمو إضافي تصل قيمته إلى 335 مليار درهم إماراتي، وذلك بحلول عام 2031، عبر خلق فرص اقتصادية وتعليمية واجتماعية جديدة. 

كما كان لدولة الإمارات السبق بالإعلان عن تعيين أول وزير للذكاء الاصطناعي في العالم في عام 2017 أيضا، وهي الخطوة التي تؤكد التزام الدولة بأن تصبح رائدة في هذا المجال عالميا، وفي عام 2019 أعلنت الإمارات عن  تأسيس جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي كأول جامعة للدراسات العليا المتخصصة في بحوث الذكاء الاصطناعي على مستوى العالم وذلك بهدف تمكين الطلاب والشركات والحكومات من تسخير تطبيقات الذكاء الاصطناعي في خدمة البشرية، وتعمل الجامعة على نشر أبحاث في مجالات التعليم وصناعة الدواء والرعاية الصحية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والطاقة والنقل والخدمات اللوجيستية، واستضافت دولة الإمارات العربية المتحدة أول قمة للذكاء الاصطناعي في العالم بعنوان “عالم الذكاء الاصطناعي”.

وفي مايو الماضي 2024، أعلن عمر سلطان العلماء وزير الدولة الإماراتي للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي، اختيار دولة الإمارات ضمن الدول الأعضاء في مجموعة “عملية هيروشيما للذكاء الاصطناعي“، وهي الدولة الدولة الوحيدة عربيا وإقليميا ضمن المجموعة التي تضم اليابان إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة ودولة اليابان ودولة كندا وجمهورية كوريا وغيرها، والتي تهدف لوضع مبادئ توجيهية دولية ومدونة سلوك لمطوري الذكاء الاصطناعي. 

كما أنشأ صاحب السموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة في يناير الماضي 2024 مجلس الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة بصفته حاكما لإمارة أبو ظبي، ليعلن المجلس بعدها عن تأسيس شركة “إم جي إكس” للاستثمار في الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، مع خطط بأن تتجاوز قيمة الاستثمارات 100 مليار دولار أمريكي خلال السنوات القليلة المقبلة حسب بلومبرج، على أن يكون صندوق مبادلة الاستثماري السيادي وشركة الذكاء الاصطناعي G42 من الشركاء المؤسسين. 

وأعلنت شركة مايكروسوفت في أبريل الماضي 2024 عن استثمار 1.5 مليار دولار أمريكي في شركة G42، وهو الاستثمار الاستراتيجي الذي قالت أنه سيعزز مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي ويوفر المزيد من الفرص للشركاء والعملاء للابتكار والنمو، كما أعلنت كلتا الشركتين عن خططهما لإنشاء صندوق لدعم المطورين بقيمة 1 مليار دولار أمريكي. 

ولدى دولة الإمارات استثمارات قوية في كبرى الشركات الواعدة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث استحوذت في مارس الماضي 2024 على حصة في شركة Anthropic الاصطناعي من خلال صندوق مبادلة، وهي الشركة التي تطور نماذج لغوية منافسة لـ GPT من OpenAI وتعتبر كل من شركتي أمازون وجوجل من أبرز مساهميها، كما أعلنت شركة داماك في بيان مؤخرا عن زيادة استثماراتها في شركة xAI المملوكة التي أسسها إيلون ماسك وشركة Mistral AI الفرنسية. 

وعينت حكومة دبي مؤخرا 22 رئيسيا تنفيذيا للذكاء الاصطناعي، وذلك بهدف تسريع دمج الذكاء الاصطناعي في القطاعات المختلفة وتطوير تطبيقات مبتكرة استنادا على أدواته وتقنياته، حيث يطمح  صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، بتحويل إمارة دبي إلى مركز عالمي لتطوير وتبني حلول وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

الجهود السعودية 

وأظهرت السعودية أيضا اهتمامها الكبير بتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي مبكرا، حيث أعلنت في عام 2019 عن  الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي التي تهدف لتحقيق الريادة في هذا المجال ضمن رؤية 2030، والتي تركز على تطوير بنية تحتية رقمية قوية تخدم هذا الهدف وتطوير آليات لجمع البيانات وتحليلها والاستفادة منها، بالإضافة لدعم البحث والتطوير في مجال الذكاء الاصطناعي وتعزيز مهارات القوى العاملة، إلى جانب دمج تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مختلف القطاعات للاستفادة منها. 

وأسست المملكة بعدها  الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) كجهة مسؤولة عن تنفيذ الاستراتيجية، بالإضافة لتقديم الدعم للشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي وتنظيم فعاليات متعلقة به، إلى جانب كونها الجهة المسؤولة عن جمع وتنظيم والتعامل مع البيانات والأبحاث والابتكار في قطاع البيانات والذكاء الاصطناعي. 

وسبق للهيئة التي تقود وتنظم جهود السعودية في الذكاء الاصطناعي إطلاق مسرعة الأعمال “غاية” في وقت سابق من 2023، وذلك بهدف استثمار ما يصل إلى 160 مليون دولار في 120 شركة ناشئة في الذكاء الاصطناعي، وتخطط سدايا لتنظيم القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في العاصمة السعودية الرياض في وقت لاحق من سبتمبر المقبل 2024، وهي القمة التي ستناقش الابتكار والصناعة في مجال الذكاء الاصطناعي.

وتخطط الحكومة السعودية لإنشاء صندوق بقيمة حوالي 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، وفقا لتقرير من نيويورك تايمز في مارس الماضي 2024 نقلا عن ثلاثة مصادر مطلعة على الأمر. 

وخصصت شركة أرامكو السعودية العملاقة حوالي 3.5 مليار دولار أمريكي للأبحاث والتطوير في عام 2023، مع التركيز على الذكاء الاصطناعي والتقنيات المرتبطة به، وأقامت الشركة العملاقة شراكات استراتيجية مع Nvidia وIBM، لضمان الحصول على أحدث التقنيات المتقدمة في الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك شرائح Nvidia وكمبيوتر كمي بقدرة 200 كيوبت من شركة Pasqal الفرنسية.

وفي مارس الماضي 2024، أطلقت أرامكو نظام التشغيل المدعوم بالذكاء الاصطناعي Nour OS ونموذج لغوي للذكاء الاصطناعي باسم Aramco Metabrain، والذي دربته على ما يقرب من تسعة عقود من البيانات الخاصة بها، وأكدت الشركة أنها بدأت في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملياتها، وذلك بهدف تعزيز دقة الاستكشاف والحفر والتنبؤ بالأعطال وتحليل البيانات آنيا، مع تقديرات بتوفير تكلفة التشغيل بنسبة تصل إلى 50 في المئة في بعض الحالات. 

وتوفر أكاديمية كاوست التابعة لجامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا برنامجا لتعلم الذكاء الاصطناعي، وهو برنامج يهدف لتهيئة طلاب الجامعات للعمل في مجال الذكاء الاصطناعي ويغطي من خلال 4 مراحل الأساسيات حتى المستويات المتقدمة أو الاحتراف، وأعلنت جوجل مؤخرا عن تعاون مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا (كاوست) لدعم أبحاث الذكاء الاصطناعي في المملكة وذلك من خلال دعم للباحثين قيمته 100 ألف دولار أمريكي. 

مصر: فرص واعدة وخطوات متأخرة 

ورغم التحديات الاقتصادية التي تواجه مصر، إلا أن الكثافة السكانية المرتفعة قد تمنحها فرصا واعدة فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، حيث تتمتع الدول ذات الكثافة السكانية العالية بكمية هائلة من البيانات المتاحة والمتنوعة، بما في ذلك البيانات الديموغرافية للسكان والبيانات الصحية والبيانات المالية وغيرها، وهي البيانات  الضرورية لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي وتطوير نماذج أكثر تطورا قادرة على تنفيذ مهام أكثر تعقيدا.

كما تعتبر الدول ذات الكثافة سوقا ضخما لتطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو ما من شأنه أن يشجع المستثمرين، بالإضافة لخلق فرص عمل جديدة. 

 وكانت الحكومة المصرية قد أعلنت إنشاء المجلس الوطني للذكاء الاصطناعي في وقت سابق من نوفمبر 2019، وذلك بهدف إنشاء استراتيجية وطنية للذكاء الاصطناعي وحكومة استخداماته في مصر، وهي الاستراتيجية التي تركز على محاور رئيسية تشمل تحسين كفاءة الحكومة من خلال دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي ورفع مستوى الوعى العام بالذكاء الاصطناعى وأهميته من خلال برامج الدراسة والتدريب وغيرها، بالإضافة إلى دراسة كيفية الاستفادة من الذكاء الاصطناعي في مجالات الزراعة والبيئة وإدارة الميـاه و الرعايـة الصحيـة معالجـة اللغـة العربيـة و التخطيـط الاقتصـادي وغيرها، إلى جانب التعاون الدولي مع مبادرات متعلقة بالذكاء الاصطناعي، وتدرس الحكومة مؤخرا مقترح تشريع قانون خاص بالذكاء الاصطناعي، مع وجود خطط لإنشاء هيئة حكومية مسؤولة عن تنظيم البيانات واستغلالها. 

لكن من الواضح أن الحكومة المصرية تركز في استراتيجيتها للذكاء الاصطناعي على بناء القدرات البشرية، وهو ما يوضح إدراك الحكومة إلى أن القوة البشرية هي أهم الأصول التي تملكها مصر، حيث قالت الحكومة انها دربت أكثر من 5000 مسؤول حكومي على فهم حالات استخدام الذكاء الاصطناعي.

كما أطلقت الحكومة مبادرة أشبال مصر الرقمية في مايو 2022 بهدف تزويد طلاب المدارس بمهارات تكنولوجيا المعلومات بما في ذلك الذكاء الاصطناعي، وهي المبادرة التي تستهدف تدريب 3000 طالب بالتعاون مع جهات عالمية متخصصة، بالإضافة لمبادرة رواد مصر الرقمية التي تقدم مسارات للتعلم لطلاب الجامعات من بينها الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات من المستوى التأسيسي إلى مستوى الخبراء، إلى جانب مبادرة بناة مصر الرقمية، وهي منحة دراسية أطلقتها وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات تستهدف القادة في مجال تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، حيث تقدم درجة الماجستير المهنية في الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة في أفضل الجامعات العالمية، بالإضافة إلى التدريب المهني من قبل شركات التكنولوجيا المحلية والعالمية. 

وتأكيدا على حرصها في عدم تفويت فرصة الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي، وفرت العديد من كليات الحاسبات والمعلومات في الجامعات المصرية قسما خاصا لتعلم الذكاء الاصطناعي وعلوم البيانات، حتى أن العديد من هذه الكليات غيرت اسمها إلى كلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي، كما أضاف معهد تكنولوجيا المعلومات ITI التابع لوزارة الاتصالات المصرية تخصص الذكاء الاصطناعي ضمن المنحة التي يوفرها لخريجي الجامعات والتي تمتد لمدة 9 شهور وتعتبر من المبادرات المسؤولة عن تخريج أفضل الكفاءات في مجال تكنولوجيا المعلومات في مصر. 

كما اتفقت مصر وإيطاليا على إنشاء مركز للذكاء الاصطناعي في القاهرة في وقت سابق من أبريل 2024، وذلك بهدف تعزيز الاعتماد على الذكاء الاصطناعي في جميع أنحاء إفريقيا، بالإضافة إلى توفير التدريب والدعم للدول الأفريقية في هذا المجال سريع التطور، إلى جانب تعزيز التعاون بين المؤسسات البحثية والشركات في كل من مصر وإيطاليا.

ونوه الدكتور حسام عثمان مستشار وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية لموقع oxfordinsights إلى الفرص الهائلة التي من شأن تطبيقات الذكاء الاصطناعي توفيرها محليا، وذلك عبر تغذيتها من خلال البيانات الضخمة، وأشار إلى أن تدريب تطبيق للذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن اعتلال الشبكية السكري على البيانات المحلية أظهر أداء أفضل كثيرا في مصر مقارنة مع دول أخرى. 

أبرز الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي عربيا 

وتمثل الشركات الناشئة عاملا رئيسيا في تحقيق رؤية الدول العربية في مجال الذكاء الاصطناعي، وهذه مجموعة من أفضل الشركات الناشئة في الذكاء الاصطناعي البارزة عربيا: 

WideBot: 

وتعتبر شركة WideBot واحدة من أبرز الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة العربية، وهي الشركة التي توفر حلولا مبتكرا لتطوير روبوتات الدردشة الذكية استنادا على تقنيات الذكاء الاصطناعي، وذلك بهدف تحسين التواصل مع العملاء عبر خدمة عملاء أسرع وأذكى، مع دعم اللغة العربية بلهجاتها المختلفة، بالإضافة للتكامل مع منصات التواصل الاجتماعي المختلفة بما في ذلك فيسبوك ماسنجر وواتساب وتيليجرام، وتتيح الخدمة للشركات تخصيص المحادثات بناء على سلوك العملاء وتفضيلاتهم، مما يوفر خدمة عملاء شخصية أكثر. 

مزن Mozn:

تأسست شركة مزن Mozn السعودية في عام 2017، وهي من الشركات الناشئة الرائدة في توفير حلول للمؤسسات اعتمادا على الذكاء الاصطناعي، وذلك بهدف تمكين هذه المؤسسات من اتخاذ أفضل القرارات عبر تحليل البيانات من خلال خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتطورة.

وتوفر الشركات خدماتها للقطاعات المالية والصحية والحكومية، كما تتيح أيضا منصة Focal لمكافحة الاحتيال المالي اعتمادا على الذكاء الاصطناعي والمساعدة في الامتثال لقوانين مكافحة غسل الأموال، بالإضافة لمنصة Osos التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي لتوفير خدمات أشبه بالتي توفرها روبوتات الدردشة مثل شات جي بي تي مخصصة للمؤسسات تدعم اللغة العربية بدقة أكبر. 

وكانت cnbc قد اختارت مزن Mozn ضمن قائمتها لأفضل 250 شركة في مجال التكنولوجيا المالية على مستوى العالم، وهي القائمة التي تعدها بالتعاون مع شركة أبحاث السوق Statista، وقالت الشركة السعودية خلال القمة العالمية للذكاء الاصطناعي في الرياض خلال سبتمبر الماضي 2023 أنها تخطط لبناء أكبر نموذج لغوي في مجال فهم وتحليل اللغة العربية.

فيلينتس: 

وهي شركة ناشئة سعودية تقدم حلا شاملا لأتمتة عمليات التوظيف اعتمادا على تقنيات الذكاء الاصطناعي، بما في ذلك فرز السير الذاتية للمرشحين للوظائف وإجراء مقابلات بالفيديو مع مساعد ذكي افتراضي، مع توفير تقييم لتحليل السلوك والمهارات اعتمادا على المقابلة، مما يساعد الشركات على اتخاذ القرارات الأنسب بشأن التوظيف، كما يوفر الوقت والتكاليف حسبما تقول فيلينتس velents، مع وجود العديد من الخدمات الأخرى من بينها خدمة لاختبار المتقدمين للوظائف التقنية أو في مجال البرمجة وعرض تقييم شامل. 

أوركاس:

تعتمد أوركاس Orcas على الذكاء الاصطناعي لتخصيص تجربة التعليم، وذلك عبر التعرف على نمط كل طالب وتوفير أنسب مسار تعليمي يلبي الاحتياجات المختلفة، كما توفر الشركة الناشئة المصرية التي استحوذت عليها مؤخرا شركة بيمز الرائدة في مجال التكنولوجيا التعليمية بالكويت مساعد الذكاء الاصطناعي للمدرسين، والذي يساعد المدرسين في ضبط خطط الدروس لتلبية احتياجات الطلاب الفردية، بالإضافة للمساعدة في المهام التعليمية مثل تحضير المحتوى التعليمي والواجبات وفقا لمستوى الطالب وغيرها. 

DXwand:

تطور DXwand نظاما لأتمتة  المحادثات النصية والصوتية بين العملاء والشركات أو الجهات الحكومية، وذلك عبر مختلف المنصات، بما في ذلك مراكز الاتصال وواتساب وفيسبوك ماسنجر والرسائل النصية القصيرة وغيرها، مع دعم كل من اللغتين العربية والإنجليزية، بالإضافة لتوفير رؤى من المحادثات مع العملاء وعرضها كمعلومات تساعد الشركات على اكتساب العملاء والاحتفاظ بهم.

وحصلت DXwand في يناير الماضي 2024 على استثمار جديد بقيمة 4 ملايين دولار، حسب ومضة، وذلك بقيادة  Shorooq Partners وAlgebra Ventures، مع الدعم المستمر من صندوق منطقة دبي للمستقبل، وكانت الشركة قد نجحت أيضا في جمع 1 مليون دولار في يونيو 2022 بقيادة Huashan Capital الأمريكية.  

لبلب AI:

وهي من الشركات الرائدة في  حلول الذكاء الاصطناعي باللغة العربية ومعالجة اللغة الطبيعية، والتي تشمل بحث لبلب الذي يمكن للمواقع الإخبارية والمتاجر الإلكترونية وغيرها دمجه بسهولة لتوفير تجربة بحث أدق وأذكى باللغة العربية اعتمادا على تقنيات الذكاء الاصطناعي، مع إمكانية تخصيص خيارات البحث وفقا لما يناسب كل مؤسسة، بالإضافة لميزة التوصيات التي تقدم اقتراحات سواء من المحتوى أو المنتجات على المتجر الإلكتروني وفقا لتفضيلات كل مستخدم، مع عرض المنتجات أو العناصر الأكثر شيوعا لتعزيز التفاعل وزيادة فرص الاستحواذ على العملاء. 

وكانت “مجرة” قد أعلنت في وقت سابق من شهر يوليو الجاري 2024 عن الاستحواذ على “لبلب”، وذلك بهدف ترسيخ دورها في الابتكار الرقمي العربي والاستثمار في قطاع الذكاء الاصطناعي متسارع النمو. 

بروتينيا Proteinea:

 شركة ناشئة مصرية تعمل في مجال التكنولوجيا الحيوية، وتستخدم تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتطوير وتصميم البروتينات بطرق مبتكرة، وتهدف الشركة التي شارك في تأسيسها محمود الجندي وعبد العزيز الجمال في عام 2019 لاستخدام التقنيات التي تطورها في مجالات الصحة من خلال تصميم الجيل التالي من أدوية الأجسام المضادة لتطوير علاجات للأمراض بما في ذلك السرطان والسكري ومرض كرون، بالإضافة إلى صناعات تربية الأحياء المائية والتكنولوجيا الغذائية. 

ورغم الجهود المبشرة للدول العربية فيما يتعلق بالذكاء الاصطناعي AI، خصوصا في السعودية والإمارات، إلا أن على الدول العربية تعزيز خططها والإسراع في دمج التكنولوجيا الجديدة والاستثمار فيها لتحقيق أقصى استفادة منها. 

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version