تُعَدُّ عملية التفاوض على الراتب خطوة حاسمة في حياة أي محترف، سواء كان في بداية مسيرته المهنية أو في مرحلة متقدمة منها. فهي ليست مجرد فرصة لتحصيل مكاسب مادية فحسب، بل تمثل أيضًا اعترافًا بقيمة الفرد وإسهاماته داخل المؤسسة.
ومع تزايد التنافسية في سوق العمل، أصبح من الضروري أن يكون لدى الأفراد القدرة على التفاوض بمهارة وحكمة لضمان الحصول على ما يستحقونه من تعويضات مالية ومزايا إضافية.
في هذا السياق، يشير تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، إلى تجربة توري دانلاب، والتي تعلمت في وقت مبكر من حياتها المهنية أهمية التفاوض على الراتب.
كانت هذه الاستراتيجية، التي ضمنت لها ذات يوم 10 آلاف دولار إضافية في عرض عمل، هي العامل الأساسي في توفيرها 100 ألف دولار في سن الخامسة والعشرين وتأسيس منصة تعليمية مالية للنساء والمجموعات المهمشة.
تشير تجربتها إلى أن التفاوض بنجاح على وظيفة جديدة لا يعني الحصول على كل ما تريد، لأنك لا تملك السيطرة على ذلك، كما تقول دانلاب، التي تبلغ من العمر الآن 30 عاماً.
وتتابع: “بالنسبة لي، النجاح في المفاوضات يعني أن تكون مستعدًا جيدًا، وأن تجمع كل بياناتك معًا، وأن تفعل أفضل ما بوسعك”.
- إن النظر إلى المفاوضات باعتبارها محادثة، وليس سيناريو يحصل فيه الفائز على كل شيء، يمكن أن يساعدك على التفكير خارج نطاق الراتب والتفكير في الأجزاء الأخرى من حزمة التعويضات التي ترغب في إظهارها.
- إذا لم يتمكن صاحب العمل من تلبية توقعاتك بشأن الراتب، ففكر في التفاوض على الامتيازات غير النقدية مثل إجازة مدفوعة الأجر، أو أيام العمل من المنزل، أو مسمى وظيفتك، أو أي شيء آخر مهم بالنسبة لك.
وإلى ذلك، نقل تقرير الشبكة عن المستشارة المهنية الرئيسية في ResumeBuilder ستايسي هالر (التي تمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التوظيف)، قولها: اعتبرها علامة جيدة إذا كان صاحب العمل على استعداد للتفاوض على أجزاء متعددة من العرض، حتى لو لم تحصل على كل شيء في قائمة أمنياتك.
وتضيف: “عندما يذهب الناس للتفاوض، فإنهم يريدون فقط أن يشعروا بأن شخصًا ما قد قدم لهم شيئًا ما. وفي بعض الأحيان يكون الأمر بسيطًا للغاية، ولكنك تشعر وكأنهم بذلوا جهدًا على الأقل وحاولوا فعل شيء من أجلي. وهذا يُظهِر حسن النية بأنهم على استعداد للذهاب إلى أبعد من ذلك قليلًا لتقديم أنفسهم من أجلك”.
على الأقل، عليك أن تعرف ما هي أساسيات التعويضات التي تحتاجها مقابل المكافآت التي قد ترغب في الحصول عليها. وتضيف هالر: “لا يجب أن تكون كل شيء، ولكن عليك أن تعرف ما تحتاجه، ولا تتنازل عن ذلك”.
- قد يكون من المفيد أيضًا التفكير مسبقًا، والسؤال عن عدد المرات التي تجري فيها الشركة مراجعات لأداء الموظفين ورواتبهم.
- اسأل مدير التوظيف عن ما يلزم للحصول على الزيادة التي تبحث عنها، سواء كانت مهارات معينة تحتاج إلى إظهارها أو إنجازات يجب تحقيقها، وكم من الوقت يمكنك أن تتوقع أن تستغرقه هذه العملية، كما تقول هالر.
وتضيف دانلاب أنه قد يكون من المفيد الحصول على هذا الملخص كتابيًا أثناء قبولك للعرض، بحيث عندما تفعل هذه الأشياء حتمًا، يمكنك الدخول والحصول على دليل على حصولك على زيادة.
نصائح أساسية
من جانبها، تقدم الخبيرة الاقتصادية، حنان رمسيس، في حديثها مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، مجموعة من النصائح الهامة للشباب المقبلين على دخول سوق العمل.
- أن يكون الشاب على دراية بقيمة إمكانياته في السوق قبل التقدم لأي وظيفة.
- هذا الوعي يمنعه من تقييم نفسه بأكثر مما يستحق، وبالتالي تجنب الشعور بالإحباط عند مواجهة الراتب المعروض.
- ضرورة دراسة العرض الذي تقدمه الشركة بعناية، للتأكد من توافقه مع الطموحات الوظيفية. فبعض الشباب يفضلون في بداية مسارهم المهني اكتساب الخبرة على حساب الراتب، بينما يركز آخرون على الحصول على راتب يتناسب مع الظروف الاقتصادية والجهد المبذول للوصول إلى العمل.
وترى رمسيس أن الشاب الذي يملك وعيًا بإمكانياته يكون أكثر قدرة على اتخاذ قرارات حكيمة، بينما قد يقبل الشاب الذي يفتقر إلى الخبرة بأي عرض يُقدم له، حتى لو كان غير مجزٍ ماليًا، لإدراكه أن الخبرة تُعد استثمارًا طويل الأجل.
كما تشير إلى أن بعض الشركات تقدم عروضًا مكتوبة، وأخرى تكتفي بالعروض الشفهية. لذا، نصحت بضرورة توثيق أي اتفاق شفهي بشكل مكتوب لتجنب تراجع الشركة عن وعودها، مؤكدة أيضاً في الوقت نفسه أهمية مراجعة البنود التعاقدية بدقة، خاصة تلك التي تتضمن شروطًا جزائية قد تجعل العمل عبئًا بدلًا من أن يكون فرصة.
تحديد المخاطر
ومن جانب آخر، دعت رمسيس الشباب إلى تقييم المخاطر المرتبطة بالوظيفة الجديدة، والتحقق من أن الراتب يعوض تلك المخاطر إن وُجدت.
وتوصي الشباب بأن يختاروا مجال العمل الذي يتناسب مع إمكانياتهم وطموحاتهم، وأن يفكروا بجدية في المستقبل الوظيفي على المدى الطويل، بدلاً من التركيز فقط على العائد المالي الفوري. كما تشير إلى أن البعض يلتحق بوظائف معينة فقط من أجل المال السريع، مثل العمل في مراكز الاتصال، دون التفكير في بناء مسار مهني مستدام، مما قد يؤدي بهم إلى تحديات أكبر مع مرور الوقت.
وتختتم حديثها بنصيحة للشباب بالاستفادة من تجارب الأكبر سنًا، والتشاور مع الأهل، وعدم نسيان الاستخارة قبل اتخاذ أي قرار مصيري.
خطوات مهمة
من جانبه، يرصد الخبير الاقتصادي ياسين أحمد على مجموعة من الخطوات المهمة التي ينبغي اتباعها لتحقيق أفضل نتائج.
- البحث الدقيق حول رواتب الوظائف المماثلة في شركات أخرى، مما يساعد على تحديد النطاق المقبول للراتب الذي يمكن التفاوض عليه.
- استثمار الوقت والجهد في تطوير المهارات الشخصية، ذلك أن تحسين المهارات يزيد من قيمة الفرد في سوق العمل ويعزز من قدرته التفاوضية.
فيما يتعلق بعملية التفاوض نفسها، يوصي ياسين بأن يكون الشاب مرنًا ومستعدًا للتفاوض على كل من الراتب والمزايا الإضافية، مع التحلي بالواقعية في المطالب، مضيفاً: إن فهم الحوافز الإضافية مثل التأمين الصحي وبدل المواصلات وفرص التدريب لا يقل أهمية عن التركيز على الراتب الأساسي.
كما يشير إلى أهمية بناء علاقات إيجابية مع الزملاء والمديرين، حيث أن هذه العلاقات يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تعزيز فرص الحصول على زيادات مستقبلية في الراتب.
ويشدد ياسين على ضرورة التحلي بالصبر والتفهم خلال عملية التفاوض، وتجنب التصعيد أو المواقف المتوترة. وأكد على أهمية الاستمرار في تطوير المهارات والخبرات بشكل مستمر لزيادة فرص الحصول على وظائف أفضل ورواتب أعلى في المستقبل.
وينصح الخبير الاقتصادي بالتركيز على الإنجازات الشخصية ومساهمة الفرد في الشركة أثناء التفاوض، واستخدام لغة محترمة ومهذبة في جميع التعاملات. وأوضح أهمية أن يكون الشخص مستعدًا للمفاوضة مع تحديد سقف محدد للراتب المرغوب، مع قبول بعض التنازلات إذا دعت الحاجة.
ويختتم ياسين نصائحه بالتأكيد على أن الصبر والعمل الجاد هما المفتاحان الأساسيان لتحقيق النجاح في الحصول على الراتب المستحق.