بفضل مكانتها المتميزة على رأس عديد من قوائم “أفضل الأماكن للسفر”، من المتوقع أن تستقبل اليابان عددًا قياسيًا من المسافرين في العام الجاري 2024. لكن الصين على الجانب الآخر تواجه واقعا مختلفا: عودة أبطأ بكثير للزوار الدوليين.
أسقطت كلتا الدولتين القيود الحدودية المتعلقة بكوفيد-19 في وقت متأخر نسبيا (اليابان في أكتوبر 2022، والصين في يناير 2023)، ـ لكن مسارات التعافي بعد الوباء فيهما تباعدت منذ ذلك الحين.
ارتفاع الطلب على كلا البلدين
يشهد الطلب على زيارة الصين ارتفاعا، وفقا للإدارة الوطنية للهجرة، التي أعلنت عن زيادة بنسبة 130 بالمئة على أساس سنوي في عدد الزوار الأجانب من يناير إلى يوليو.
ونقلت شبكة “سي إن بي سي” الأميريكية في تقرير لها اطلع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عليه، عن ممثل من موقع السفر Trip ، قوله إن الرحلات الصيفية شهدت ارتفاعًا أيضًا، مع تضاعف الحجوزات الواردة منذ الصيف الماضي.
- مع ذلك، لا يزال عدد الوافدين أقل بكثير من مستويات ما قبل الجائحة.
- في عام 2019، استقبلت الصين نحو 49.1 مليون مسافر.. وبحلول يوليو من هذا العام، وصل نحو 17.25 مليون أجنبي ، وفقًا لوسائل الإعلام الرسمية الصينية.
بينما فيما يخص اليابان، فقد زار البلاد أكثر من 3 ملايين مسافر دولي كل شهر منذ شهر مارس – وهو رقم يفوق بكثير مستويات عام 2019.
وقال كبير مسؤولي الاستراتيجية والاستثمار في تطبيق السفر لجنوب شرق آسيا ترافيلوكا، جويديب تشاكرابورتي، إنه بخلاف الانبهار الثقافي باليابان، فإن الوضع الحالي للبلاد هو جزئياً نتاج للمبادرات التي وضعتها الحكومة اليابانية.
وتابع: “الحكومة ركزت منذ فترة طويلة على جعل اليابان وجهة سياحية رائدة من خلال الجهود الداعمة للسياحة، مثل تعزيز تجارب المسافرين وتبسيط عملية السفر للزوار الدوليين.. هذه الجهود تسارعت بعد ذلك بسبب انخفاض قيمة الين”.
وتابع تشاكرابورتي: “انتقل سعر صرف الدولار الأميركي/الين الياباني من حوالي 140 في يناير 2024 إلى أكثر من 160 بحلول يوليو 2024، مما يجعل اليابان أكثر تكلفة”.
والآن عادت “السياحة المفرطة” في اليابان لتتصدر عناوين الصحف مرة أخرى، مع ازدحام الحشود في معابد كيوتو الشهيرة وتنافسها على الأماكن خلال موسم ذروة أزهار الكرز.
وتواجه سوق العمل في البلاد ــ التي كانت من بين الأكثر صرامة في العالم المتقدم قبل تفشي الوباء ــ صعوبة في مواكبة الطلب. ففي هذا العام، قلص 85 بالمئة من مشغلي السفر والضيافة ساعات العمل بسبب نقص العمالة، وفقا لاتحاد نقابات عمال صناعات الخدمات والسياحة في اليابان.
لماذا انخفض الاهتمام بزيارة الصين؟
لا تزال سعة الرحلات الجوية إلى الصين أقل من مستويات ما قبل الوباء من عديد من البلدان، ولا سيما من الولايات المتحدة (-77 بالمئة)، وفقًا لشركة تحليلات شركات الطيران Cirium
كما أن التوترات الجيوسياسية لها تأثيرها أيضاً، وفقاً لشبكة السياسات منتدى شرق آسيا، والتي ذكرت أن “تشديد الحكومة الصينية لقبضتها على القواعد المجتمعية قد يسبب إزعاجاً للمسافرين الأجانب في الصين”.
ووفق تقرير الشبكة الأميركية، فإن توسع الصين في سياساتها الخاصة بالإعفاء من التأشيرة يحفز الطلب على الزيارة . فوفقًا للإدارة الوطنية للهجرة، فإن حوالي 58 بالمئة من المسافرين القادمين في النصف الأول من عام 2024 جاءوا من دول لديها مثل هذه الترتيبات.
ولكن تقرير مركز بيو للأبحاث يظهر أن أكثر من نصف الدول الخمس والثلاثين التي شملها الاستطلاع لديها آراء سلبية تجاه الصين. ووفقاً للتقرير الصادر في يوليو، فإن بعض أكبر المنفقين على السفر في العالم ــ مثل أولئك القادمين من الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة وفرنسا ــ لديهم آراء سلبية إلى حد كبير تجاه الصين.
وتوجد أعلى معدلات إيجابية للصين في التقرير في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وآسيا، على الرغم من أن الآراء مختلطة في المنطقة الأخيرة.
صعوبات في التنقل
وقد تكون مشاكل التنقل في الصين هي السبب وراء إبقاء البعض في وطنهم أيضاً.
منذ ظهور الوباء، دفعت الصين المزيد من أنظمة الدفع والحجز عبر الإنترنت، مما تسبب في صداع للمسافرين الأجانب الذين ليسوا على دراية بالبرامج الصينية الشهيرة.
ويقول سونغشان هوانغ، الأستاذ بجامعة إديث كوان الأسترالية، في مقال له في منتدى شرق آسيا : “إن معالجة هذه القضايا أمر ضروري لجذب المسافرين الأجانب مرة أخرى”.
وكتب: “إن حجز تذاكر القطارات عالية السرعة أو تذاكر الدخول إلى مناطق الجذب السياحي الشهيرة يتطلب استخدام برنامج WeChat المضمن. وتقبل العديد من المؤسسات WeChat Pay أو AliPay حصريًا، مما يترك السياح الأجانب في مأزق إذا اعتمدوا فقط على النقد أو بطاقات الائتمان”.
انضباط ياباني
في السياق، قال الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية، الدكتور جعفر الحسيناوي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:
- اليابان معروفة عالمياً بالتقدم التكنولوجي العالي والتنظيم الحضري متناهي الدقة، فضلًا عن تمتعها بأمن مجتمعي كبير.
- لكن اليابان تفتقر إلى الإرث التاريخي الحضاري، وشعبها يقدس الانضباط والعمل الذي يجعل المدن اليابانية مقفرة منذ ساعات الليل الأولى.
- مع كل هذا فإنها تجعل كثيراً من السائحين يتوجهون إليها للأسباب الواردة أعلاه!
وأضاف: أما فيما يخص الصين فهي تمتلك من الإرث الحضاري التاريخي الكبير ما يجعلها قبلة للسياحة، إلا أن القيود الحكومية الصارمة المفروضة على حركة السياح -لتخوفها من وصول جماعات أصولية إرهابية- تقلق الأمن الصيني.
وتابع الخبير الاقتصادي المتخصص في الشؤون الصينية: الصين تعاني أيضاً من مشاكل أمنية داخلية تؤثر على حالة الاستقرار (..) بجانب مشاكلها مع تايوان وهونغ كونغ، لكن سعت الحكومة الصينية إلى إظهار نفسها وعبر منافذ إعلامية متعددة بأنها آمنة ومستقرة من أجل جذب أكبر عدد من السائحين.
السياحة في الصين
بينما أشار الكاتب المتخصص في الشؤون الصينية، حسين إسماعيل، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إلى أنه خلال النصف الأول من هذا العام الصين استقبلت 14 مليون سائح أجنبي، لا سيما وأن لديها عديداً من المقاصد السياحية المشهورة وعدد كبير من المواقع المدرجة في قائمة التراث العالمي سواء الثقافي أو غير المادي.. ولا شك أن الصين خلال جائحة كورونا كانت تعاني من الإغلاق وبالتالي تراجع إلى حد كبير السفر إليها ولكن مع فتح أبواب البلاد للسفر الأجنبي بدأت تستعيد عافيتها في جذب السائحين من الخارج.
وأضاف: الصين تقدم حالياً تسهيلات سفر ومرور لما يقرب من 50 دولة حول العالم، وسعر العملة الصينية هو الأكثر استقراراً، علاوة على أن البنية التحتية لخدمة السائحين على درجة كبيرة من التقدم سواء فيما يتعلق بالفنادق والخدمات والمواصلات وتيسير السفر، ولكن هناك بعض الأمور التي ربما تحُد من السفر إلى الصين للسياحة، فزيارة 14 مليون سائح أجنبي إلى الصين في 6 أشهر هذا رقم متواضع بالنسبة لبلد بحجم الصين وبما لديها من مواقع سياحية، على حد وصفه.
وثمة بعض الصعوبات التي يواجهها السائح في الصين منها استخدام الصينيين تطبيقات خاصة بهم لطلب المواصلات والدفع. وبحسب إسماعيل، فإن الصين تتجه إلى الرقمنة فيما يتعلق بالدفع الإلكتروني ونادراً ما نجد أي شخص في الصين يستخدم النقود الورقية أو الدفع النقدي، فكل ذلك يتم عبر التطبيقات، بجانب اختلاف ثقافة الطعام والتعامل من العوامل التي لا تشجع للسائحين من بلدان معينة.
واستطرد: لكن الحكومة الصينية في الفترة الأخيرة وعدت بحل تلك المعضلات فبدأت على سبيل المثال تقديم وسائل ربط الدفع بالحسابات المصرفية خارج الصين للزائرين، ويسرت إمكانية الحصول على بطاقات الهواتف المحمولة في المطارات.
أما فيما يخص اليابان، فأوضح أنها تتمته بسمعة جيدة، لا سيما فيما يتعلق بتصنيع المنتجات التي يستخدمها كثير من الناس، بجانب اتصاف شعبها بالدقة والعمل والجد، لكن ربما ليس لديها الكثير من المواقع والمقاصد السياحية المألوفة والمشهورة، بينما في الصين يوجد سور الصين العظيم وتماثيل التراكوتا وغيرها.
بينما اليابان ليس لديها كل هذا رغم ذلك لديها مواقع طبيعية خلابة فهي عبارة مجموعة من الجزر، كما أن الثقافة اليابانية تمثل عنصر جذب للتعرف إلى ثقافة شرقية مختلفة عن ثقافات عديد من الدول، أيضاً لديها تيسيرات وبنية تحتية قوية سواء في قطاع الفنادق والنقل والمواصلات وخدمة السائحين وهذه عوامل جذب للسائح الأجنبي.
واستكمل حديثه قائلاً: ربما لا تكون العملة اليابانية مستقرة بشكل كبير مثل اليوان الصيني فالين الياباني ربما يتعرض لبعض الصعود والهبوط ولكن في نطاق معين لا يؤثر على قرار السائح بالتوجه إلى اليابان، وسواء بالنسبة لليابان أو الصين أو كوريا الشمالية أو الجنوبية أو كل منطقة جنوب شرق آسيا يرى الأوروبيون أن فيها شيئاً من الغموض الذي يسعى السائح الغربي لاستكشافه، بالتالي هذه الرغبة في المغامرة والتعرف على مجتمعات وثقافات مختلفة هي التي تحفز وتجذب السائحين لزيارتها.