بدأت فكرة تأسيس مجموعة بريكس في سبتمبر من العام 2006 وذلك في خضم أول اجتماع وزاري لوزراء خارجية روسيا والبرازيل والهند والصين على هامش أشغال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك لكن سرعان ما تبلورت الفكرة بشكل سريع وإنضمت دول أخرى إلى التكتل الاقتصادي منها جنوب إفريقيا.
وفي يونيو 2009 عقد رؤساء هذه الدول اجتماعهم الأول في روسيا ورفعوا تعاون دول بريك إلى مستوى القمة قبل أن تنضم دولة خامسة إلى هذه التكتل وهي جنوب إفريقيا لتتغير بذلك تسمية التكتل إلى بريكس.
القوة الاقتصادية
تشكل دول مجموعة البريكس الخمسة مجتمعة نحو 40 بالمئة من مساحة العالم ونحو 42 بالمئة من عدد سكان العالم بنحو 3.2 مليار نسمة في حين يصل ناتجها المحلي الإجمالي إلى نحو 26 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتسيطر على نحو 18 بالمئة من التجارة العالمية.
يحتوي التكتل على مجموعة من عمالقة الاقتصاد العالمي مثل الصين التي تحتل المرتبة الثانية في قائمة أكبر اقتصادات العالم إلى جانب الهند التي تحقق معدلات نمو كبيرة وفي طريقها لتكون ثالث أكبر اقتصاد في العالم حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن يتجاوز حجم الاقتصاد الهندي نحو 6 تريليونات دولار بحلول 2028.
كما تعتبر روسيا واحدا من نقاط قوة هذا التكتل بسبب متانة اقتصادها واحتياطيات الضخمة من النفط والغاز.
إضافة إلى هذه الدول يبرز اقتصاد البرازيل أيضا كقوة اقتصادية مشكلة لمجموعة بريكس بناتج محلي يصل إلى 2.2 تريليون دولار وبفائض قياسي في الميزان التجاري يقارب الـــ 100 مليار دولار بنهاية العام الماضي. كما تحتوي المجموعة على اقتصاد جنوب إفريقيا المتنوع والذي أثبت قدرته على الصمود في وجه أزمات الاقتصاد العالمي بناتج محلي يصل إلى 381 مليار دولار.
تمثل الدول الخمسة بما تمتلكها من مقومات اقتصادية تكتلا لا يقل أهمية عن التكتلات الاقتصادية العالمية، لكن بعد الحرب الروسية الأوكرانية كثر الحديث عن تكوين نظام عالمي جديد ومدى حاجة الدول إلى نظام اقتصادي أكثر توازنا كما ازداد الاهتمام العالمي بتحالف بريكس.
لكن قبل ذلك وتحديدا في عام 2017 ناقشت الدول الأعضاء في مجموعة بريكس ما أصطلح على تسميته “بريكس بلس” وهي خطة تسعى من خلالها المجموعة إلى إضافة دول جديدة للتكتل.
بريكس بلس.. مزيد من القوة
في أغسطس من العام الماضي أعلنت مجموعة بريكس عن انضمام أربع دول جديدة وهي الإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا. أضافت هذه الدول بمجرد انضمامها ما يقارب من تريليون ونصف دولار من الناتج المحلي الإجمالي لاقتصاد المجموعة.
وخلال منتدى أعمال البريكس قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن مجموعة السبع استحوذت على 45.5% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1992 في مقابل 16.7% لدول البريكس”. مشيرا إلى أن حصة بريكس من الاقتصاد العالمي بلغت 37.4% في عام 2023، مقارنة بحصة مجموعة السبع البالغة 29.3%، مؤكدا أن الفجوة “تتسع وستتسع” لا محالة.
بنك وعملة جديدة
قررت دول بريكس خلال قمة فورتاليزا التي عقدت بالبرازيل عام 2014 إنشاء بنك تنمية سمي “بنك التنمية الجديد “إن دي بي” (NDB)، إضافة إلى تأسيس مؤسسة “صندوق الاحتياطي النقدي” “سي آر إيه” (CRA) والتي تهدف إلى توفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية وهذا يشمل قضايا العملة حيث تتأثر العملات الوطنية للدول الأعضاء سلبًا بالضغوط المالية العالمية.
يضطلع بنك التنمية بدور أساسي وهو منح قروض بمليارات الدولارات لتمويل مشاريع البنيات الأساسية والصحة والتعليم، وما إلى ذلك، في البلدان الأعضاء بالمجموعة، وكذلك البلدان الناشئة الأخرى.
ويبدو أن فكرة إنشاء مؤسسات دولية موازية لمؤسسات بريتنس وودز مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدعم النمو والتنمية على المستوى الدولي، دون قيود أو اشتراطات سياسية واجتماعية، يشكل الخطوة الأولى في مخطط المجموعة لإنشاء نظام عالمي جديد.
استراتيجيا تسعى دول المجموعة لتخفيف هيمنة الدولار على التجارة البينية فيما بينها من خلال اعتماد عملة موحدة تجمع دول المجموعة أو من خلال اعتماد العملات الوطنية لهذه الدول.
متى سيتم إصدار عملة البريكس؟ لا يوجد تاريخ إطلاق محدد حتى الآن، لكن قادة دول المجموعة ناقشوا بالفعل الاحتمال خلال قمة البريكس الرابعة عشرة، التي عقدت في منتصف عام 2022، كما أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إن دول البريكس تخطط لإصدار “عملة احتياطية عالمية جديدة”، وهي مستعدة للعمل بشكل مفتوح مع جميع شركاء التجارة العادلة.
أصبحت اقتصادات دول بريكس مكملة لبعضها حيث تسيطر على احتياطيات ضخمة من الغاز والنفط والمعادن إضافة إلى التكنولوجيا والكفاءات البشرية والثروات الزراعية، وباتت المجموعة تمتلك بنكا للتنمية وصندوق احتياطات نقدية مغريًا للدول النامية التي تحتاج مساعدات وقروضا. لكن هذا العملاق الاقتصادي يواجه تحديات كبيرة من شأنها أن تعيق نموه.
تحديات تواجهها بريكس
ربما تمكنت مجموعة بريكس وخلال وقت وجيز من تحقيق مجموعة من الأهداف إلا أن الطريق لا يخلو من التحديات، فرغم عوامل القوة المتوفرة لا تعد مجموعة بريكس حتى الآن تكتلا عالميا فاعلا في الأزمات الدولية.
كما أن دول المجموعة لا تتبنى مواقف موحدة من قضية التخلي عن الدول أو المواجهة مع الغرب والولايات المتحدة كما هو الحال بالنسبة لإيران وروسيا وبدرجة أقل الصين.
كما تبرز المنافسة الاقتصادية بين الصين والهند كتحد مهم للمجموعة حيث تسعى نيودلهي للاستفادة من الحرب التجارية بين بكين وواشنطن وتقدم نفسها على أن بديل الغرب الجديد عن الصين.
إضافة إلى ذلك يبرز الفارق الكبير في القوة الاقتصادية لدول المجموعة كمصدر قلق من تأثيره على حجم التأثير الداخلي حيث تبرز إثيوبيا أفقر دول المجموعة في مواجهة الصين كثاني أكبر اقتصاد في العالم.