خاصناقلة نفط – أرشيفيةفي السنوات الأخيرة، شهد العالم تطور “أسطول الظل” كظاهرة غير مسبوقة في القطاع البحري، متجاوزاً حدود التجارة التقليدية نحو عمليات تنطوي على انتهاكات قانونية ومخاطر بيئية واقتصادية.بدأ هذا الأسطول كنشاط محدود لنقل البضائع بين دول خاضعة للعقوبات، لكنه سرعان ما اتسع حجمه، ليصبح لاعباً مؤثراً في التجارة العالمية، لا سيما النفط، ما أثار قلق الدول الساحلية والمنظمات الدولية على حد سواء.
تزايد حجم هذا الأسطول يعكس تعقيداته المتزايدة؛ إذ لا يقتصر تأثيره على تقويض القواعد البحرية، بل يشكل أيضاً تهديداً حقيقياً للأطقم البحرية والدول التي تقع ضمن مساراته.
تعمل هذه السفن خارج إطار الأنظمة القانونية الدولية، ما يجعلها مصدراً محتملاً للحوادث البحرية التي قد تتسبب في خسائر بيئية هائلة وتكاليف اقتصادية باهظة تتحملها شركات التأمين والدول المتضررة.
استمرار تنامي أسطول الظل يشكل تحدياً جوهريًا للنظام البحري العالمي، الذي يعتمد على التزام الدول والشركات بالقوانين والمعايير الدولية. هذا التحدي لا يقتصر على الجانب القانوني، بل يمتد إلى المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية التي تفرضها هذه السفن، مما يتطلب استراتيجيات دولية مبتكرة للتصدي لهذا التهديد المتنامي.
منذ بدء الحرب في أوكرانيا في العام 2022، تزايد حجم أسطول الظل – الذي كان في السابق ينقل البضائع في الغالب من وإلى إيران وفنزويلا. واليوم، تشير التقديرات إلى أن حوالي 17 بالمئة من جميع ناقلات النفط تنتمي إلى أسطول الظل، الذي يضم أيضًا سفنًا تجارية أخرى، وفق تحليل للمجلس الأطلسي، يشير إلى أن:
عندما كانت أساطيل الظل البحرية أصغر حجماً بكثير، كان بوسع المجتمع البحري العالمي أن يتعامل مع المخاطر التي يفرضها.
أما اليوم، وعلى النقيض من ذلك، فإن حجم الأسطول يعني أنه يفرض مخاطر فورية على عدد كبير من الأطقم والدول الساحلية والسفن والبيئة البحرية.
كما أن حجم الأسطول يعني أنه يشكل تهديداً للقواعد البحرية العالمية. فالنظام البحري العالمي لا يعمل إلا عندما تلتزم الغالبية العظمى من المشاركين فيه بالقواعد طواعية.
ولم تكن جهود الحكومات الغربية الرامية إلى تقليص أسطول الظل من خلال فرض عقوبات على السفن الفردية فعالة إلا بشكل طفيف. ومع ذلك، هناك استراتيجيات أخرى يمكن أن تتبعها الحكومات الغربية، بما في ذلك التواصل مع الدول التي ترفع علم السفن الظلية وإجراء التحقيقات لتحديد ومعاقبة المالكين المستفيدين النهائيين للسفن الظلية.
التحليل الموسّع للمركز الأطلسي، والذي كتبته إليزابيث براو، وهي زميلة بارزة في مبادرة الأمن عبر الأطلسي التابعة للمجلس، خلص إلى عدة نتائج ملخصاً المخاطر المتعددة لأساطيل الظل على القطاع البحري عموماً، وتداعيات ذلك الاقتصادية.
وبحسب نتائج التحليل المطول فإن:
أسطول الظل يشكل تحدياً محيراً؛ لأنه ينتهك القواعد البحرية عمداً.. وهو كبير الحجم إلى الحد الذي يجعل انتهاكاته تشكل تهديدا خطيرا للنظام البحري العالمي.
كل سفينة ظل تشكل خطراً على السفن الأخرى، وعلى طاقمها، وعلى البيئة البحرية، وعلى الدول الساحلية.
تواجه شركات التأمين على السفن العاملة بشكل قانوني وخاصة الدول الساحلية احتمالات تكبد نفقات كبيرة نتيجة للحوادث التي تنطوي على سفن ظل.
على المدى الأبعد، يشكل أسطول الظل خطرا كبيرا آخر: فهو يهدد بتقويض النظام البحري العالمي، الذي بنته الحكومات والقطاع الخاص بشق الأنفس على مدى عدة أجيال.
وكلما طال أمد استمرار أساطيل الظل في العمل والنمو، كلما نجح في إنشاء قطاع شحن بديل لا يهدد السفن الفردية والدول الساحلية فحسب، بل ويهدد أيضا عمل النظام البحري العالمي.
ويضيف التقرير” قد يزعم البعض أن الغرب ارتكب خطأ في فرض سقف سعري على النفط الروسي، لأن سقف السعر أدى إلى النمو الهائل لأسطول الظل، ولكن الوضع اليوم هو أن أسطول الظل موجود ويستمر في النمو، وأنه محاط بنظام بيئي من المساعدين الراغبين بدءًا من دول العلم إلى سلطات الموانئ إلى المالكين.
غير مطابقة للمواصفات
من جهته، أكد العميد السابق لكلية النقل الدولي واللوجستيات بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري، الدكتور محمد علي إبراهيم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن:
كثيراً من ناقلات أسطول الظل عبارة عن سفن متهالكة غير مطابقة للمواصفات، تستخدم كوسيلة لتهريب النفط والتحايل على العقوبات الدولية.
مخاطر تلك الناقلات كبيرة، ويأتي على رأسها الانسكابات النفطية الناتجة عن كونها أقل من المستوى الفني المطلوب للملاحة.
حدوث أي تسرب نفطي يمثل كارثة بحرية كبيرة تترك تداعيات بيئية صعبة.
وأضاف: ناقلات أسطول الظل عادة ما تكون معرضة للحوداث والتسربات، كونها سفن قديمة عمرها الافتراضي منتهي، إضافة إلى أن طواقمها عادة ما يكونوا أقل من الناحية الفنية، ما يجعل احتمالات التصادم البحرية متزايدة، موضحاً أن نقل النفط يحتاج إلى تحوط.
وقال إن أي تشريعات وعقوبات عادة ما يتم التحايل عليها، خاصة وأن البعض يراها غير مشروعة تتعمد أن توجه لدول بعينها ولتحقيق مصالح وتوجهات معينة، مشدداً على ضرورة وجود تصور دولي ومعايير لتطبيق القانون الدولي بدلا من العقوبات ذات الطرف الواحد.
وتوقع أن تشهد الفترة المقبلة فرض عقوبات جديدة على الدول المتعاملة مع هذه الأساطيل، مستطرداً: “كلما أقرت عقوبات ووضعت قيود سيتم اختراقها”، آملاً أن يتم تسوية النزاعات الموجودة سلميا وبشكل أكثر عدالة.
معضلات أساسية
يشير تحليل المجلس الأطلسي إلى واحدة من المعضلات الأساسية التي تواجه جهود التصدي لأساطيل الظل بشكل جمعي والتعامل معها، لا سيما أنه لا يقتصر المشاركون في سفن الظل على السفن وأطقمها وأصحابها وشركات التأمين، بل يشملون أيضاً الدول القومية. وهذا الوضع يجعل من المستحيل الاتفاق على تدابير فعالة داخل المنظمات متعددة الأطراف. والحقيقة أن المنظمة البحرية الدولية، وهي الهيئة العالمية المسؤولة في المقام الأول عن الشؤون البحرية، لم تتمكن من وقف نمو أسطول الظل منذ أوائل عام 2022 توضح هذه المعضلة.
ويوضح التحليل في نتائجه أن القطاع الخاص وحده ليس في وضع يسمح له بمواجهة أسطول الظل، ولا تستطيع الدول الساحلية الفردية خنق أنشطته من خلال حظر جميع سفن الظل المشتبه بها، لأن هذا قد ينتهك اللوائح البحرية الدولية وسوف تدينه روسيا أيضاً باعتباره غير قانوني وتصعيدي. وهذا بدوره من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم الوضع.
ولكن الحكومات الملتزمة بالنظام البحري العالمي تستطيع أن تتخذ إجراءات من شأنها أن تقلل تدريجيا من حجم الأسطول الخفي والضرر الذي يلحقه. وتشمل هذه التدابير: إنشاء مركز لمراقبة الأسطول الخفي يمكنه التعاون مع الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا لتحديد أفضل السبل لتحديد ومراقبة المشاركين في الأسطول الخفي، وإجراء عمليات تفتيش منتظمة للسفن الخفي المشتبه بها، والتواصل مع الدول ذات الأعلام الملائمة للغاية لإقناعها بعدم رفع الأعلام على السفن الخفي، والتواصل مع الهند.
تبعات بيئية سلبية
من ناحية التداعيت البيئية، أكد رئيس قسم التكنولوجيا الحيوية البيئية وعضو الاتحاد العربي للمناخ والبيئة، تحسين شعلة، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن استخدام أساطيل الظل وبخاصة الناقلة للنفط بطرق غير مشروعة يتم دون مراعاة واهتمام بالمعايير والمحاذير الدولية في تصميم المركبات ووسائل النقل.
وبسبب تهالك الناقلات يحدث تسريب للنفط أثناء نقله في البيئة البحرية، وهو ما يكون له تبعات سلبية على المنطقة التي يتم النقل عن طريقها والتنوع البيولوجي وإنتاج الثروة السمكية في تلك المناطق، بحسب شعلة الذي استعرض بعض التأثيرات، منها:
تعرض البيئة البحرية للخطر وحدوث خلل فيها.
التأثير سلباً على التنوع البيولوجي خاصة مع التغيرات المناخية التي يشهدها العالم.
نقص الإنتاج السمكي وعدم توافر أنواع مختلفة من الأسماك بمعدلات كبيرة، رغم أنها (الأسماك) مصدر رئيسي من مصادر الأمن الغذائي، حيث تتأثر الثروة السمكية سلباً بهذا الإجراء غير القانوني.
تعرض كائنات كثيرة إلى الموت في المناطق التي ينقل فيها النفط بهذه الطريقة بسبب تلوث البيئة.
أكد أن هذا الأسطول يخالف معايير وتوصيات مؤتمرات التغيرات المناخية والمواثيق الدولية، مشددًا على ضرورة أن تفرض الأمم المتحدة شروطًا قوية للحد من تلك الوسائل التي لها تأثيرًا سلبيًا على المجتمع الدولي.
روسيا وإيران
ويخضع أسطول الناقلات “الظلية” في معظمه لسيطرة مصالح حكومية روسية وإيرانية وفنزويلا، والتي تمكنت من الاستحواذ على كمية كبيرة من السفن القديمة في معاملات مستعملة عبر شركات غامضة وغير معروفة مقرها في دول ثالثة مثل الإمارات العربية المتحدة.
وقد توصل تحليل أجرته شركة S&P Global Commodities at Sea وMaritime Intelligence Risk Suite إلى أن 889 ناقلة نفط يزيد وزنها عن 27 ألف طن ربما استُخدمت لنقل النفط الخاضع للعقوبات. وبإجمالي حمولة إجمالية تبلغ 111.6 مليون طن، يشكل أسطول الظل نحو 17% من أسطول ناقلات النفط العالمية.
وقال مسؤولون في الصناعة إن السفن تميل إلى أن تكون أقل صيانة، وتفتقر إلى التأمين الكافي وغالبا ما تتلاعب بإشارات تتبع السفن لإخفاء الأنماط التشغيلية، مما يؤدي إلى مخاوف تتعلق بالسلامة البحرية، وفق شركة S&P Global.