خاصبورصة لندنشهدت بورصة لندن في 2024 تحديات غير مسبوقة تهدد مكانتها كأحد المراكز المالية العالمية البارزة. فمنذ الأزمة المالية العالمية عام 2008، لم تواجه السوق هذا القدر من الخروج الجماعي للشركات الكبرى، مما يعكس تحولاً مقلقاً في اتجاهات الإدراج والتمويل.يتزامن ذلك مع تصاعد المخاوف من تحول الشركات الكبرى إلى أسواق أخرى، أبرزها بورصة نيويورك، مما يضع الاقتصاد البريطاني أمام اختبار صعب في الحفاظ على جاذبيته الاستثمارية.
وعلى الرغم من الجهود الحكومية المكثفة لإصلاح قواعد السوق وتعزيز التنافسية، تشير المؤشرات إلى نزيف مستمر في عدد الشركات المدرجة، وغياب واضح للاكتتابات العامة الأولية.
يعكس هذا التحول حركة جديدة في الأسواق العالمية، حيث تلعب عوامل مثل التنظيم المالي، وحجم السيولة، والفرص الاستثمارية دوراً محورياً في قرارات الشركات حول أماكن إدراجها.
في هذا السياق، يشير تقرير لصحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية، إلى أن:

العام الجاري 2024 من المتوقع أن يكون الأسوأ لبورصة لندن منذ الأزمة المالية العالمية، من حيث عمليات مغادرة الشركات.
يأتي ذلك مع تزايد المخاوف من أن مزيداً من الشركات ضمن مؤشر FTSE 100 سوف تنسحب من المملكة المتحدة لصالح بورصة نيويورك.
بيانات مجموعة بورصة لندن تشير إلى قيام 88 شركة بإلغاء إدراجها أو نقل إدراجها الأساسي من السوق الرئيسية في لندن هذا العام، بينما لم تحل محلها سوى 18 شركة فقط.
يمثل هذا أكبر تدفق صاف للشركات من السوق الرئيسية منذ العام 2009.
كذلك فإن عدد الشركات الجديدة في طريقه أيضا إلى أن يكون الأدنى في 15 عاما حيث تظل الاكتتابات العامة الأولية نادرة.

وتأتي عمليات الخروج على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة البريطانية، والهيئات التنظيمية في البلاد، بما في ذلك بورصة لندن، بهدف تعزيز جاذبية المدينة من خلال إصلاح قواعد السوق ونظام المعاشات التقاعدية المحلي.

شركة Ashtead، وهي شركة تأجير معدات بقيمة سوقية تبلغ 23 مليار جنيه إسترليني، أصبحت هذا الشهر أحدث شركة كبيرة تقترح نقل إدراجها الأساسي من لندن إلى نيويورك.
ستنضم الشركة المذكورة إلى ست مجموعات أخرى من مؤشر FTSE 100 تخلت عن مؤشر الأسهم القيادية لصالح أماكن خارجية منذ عام 2020.
بلغ إجمالي القيمة السوقية لهذه الشركات نحو 280 مليار جنيه إسترليني (حتى يوم الجمعة) ــ أي حوالي 14 بالمئو من القيمة الإجمالية الحالية لمؤشر FTSE 100.

ومن بين الشركات الخارجة أيضاً شركة Flutter العملاقة والتي تبلغ قيمتها 39 مليار جنيه إسترليني، والتي تمتلك Paddy Power، ومجموعة CRH لمواد البناء التي تبلغ قيمتها 55 مليار جنيه إسترليني. وقد نقلت كلتا الشركتين قائمة أسهمهما الرئيسية إلى نيويورك في الأشهر الثمانية عشر الماضية.
كذلك في الوقت نفسه أدت سلسلة من عمليات الاستحواذ من قبل مقدمي العطاءات من شركات الاستثمار الخاصة إلى استنزاف البورصة.  وتعد مجموعة الأمن السيبراني Darktrace ومنصة الاستثمار Hargreaves Lansdown  من بين الشركات التي وافقت على الشراء هذا العام.
الرئيسة التنفيذية لبورصة لندن: 36% من الشركات المدرجة دوليةالوضع الاقتصادي العام
من جانبه، أوضح الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور حميد الكفائي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أن:

الوضع الاقتصادي لبريطانيا شهد تراجعاً كبيراً منذ انسحابها من الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا كانت تعتبر مركزاً مالياً مهماً بسبب دورها كعضو رئيسي في الاتحاد الأوروبي وموقعها كمركز اقتصادي أوروبي بارز. إلا أن هذا الوضع تغير بعد الخروج من الاتحاد، حيث بدأت العديد من الشركات بنقل عملياتها إلى مدن مثل باريس وبروكسل وبرلين.
سوق لندن للأوراق المالية، الذي كان يُعتبر سابقاً من أهم الأسواق المالية العالمية، بدأ في فقدان مكانته تدريجياً.. هذا التراجع جاء نتيجة انتقال الشركات والمؤسسات المالية إلى مراكز أخرى داخل أوروبا، إضافة إلى التوسع الاقتصادي في الولايات المتحدة.

يوضح أن النمو القوي للاقتصاد الأميركي، مدعوماً بازدهار الأعمال للشركات العالمية في الولايات المتحدة، أسهم في تقليل جاذبية السوق البريطانية. ومع وجود سوق مالية مزدهرة في نيويورك، ومعظم النشاطات الاقتصادية العالمية تتركز الآن في أميركا، أصبحت الشركات ترى أن البقاء في لندن لم يعد مجدياً اقتصادياً.
ويضيف الكفائي: السياسات التي اتبعها حزب المحافظين أسهمت في إضعاف موقع بريطانيا الاقتصادي (..) مشيراً إلى تراجع عدد الشركات المدرجة في بورصة لندن في تلك الفترة، وأن هذه المشكلة تعكس الانخفاض الملحوظ في مكانة بريطانيا الاقتصادية على المستويين الأوروبي والعالمي.
وفي ختام حديثه، يشدد الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية، على أن الحكومة البريطانية الحالية تأمل في تحسين الوضع الاقتصادي، إلا أن الزخم الاقتصادي العالمي يميل حالياً لصالح الولايات المتحدة. فيما استعادة بريطانيا لموقعها المالي السابق في العالم قد لا تكون بالسهولة التي يتصورها بعض المسؤولين في لندن.
أبرز الأسباب
من جانبه، يقول الباحث في الاقتصاد الدولي، الدكتور علي الإدريسي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن تزايد هجرة الشركات من بورصة لندن في الآونة الأخيرة يرجع إلى مجموعة من الأسباب الاقتصادية والتنظيمية والجيوسياسية التي تؤثر على جاذبيتها كوجهة لإدراج الشركات.
ومن أبرز هذه الأسباب:
ضعف الأداء الاقتصادي في المملكة المتحدة:

الاقتصاد البريطاني يعاني من بطء النمو مقارنةً بالأسواق الأخرى، مما يقلل من جاذبية البورصة للمستثمرين والشركات.
خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أدى إلى فقدان لندن مكانتها كبوابة رئيسية للسوق الأوروبية، وأثر ذلك على ثقة الشركات والمستثمرين.

انخفاض مستويات التقييم:

بعض الشركات المدرجة في بورصة لندن تعاني من تقييمات أقل مقارنةً بالبورصات العالمية الأخرى مثل نيويورك وهونغ كونغ، ما يدفع الشركات للبحث عن إدراج يحقق لها قيمة سوقية أعلى.
انخفاض الجاذبية الاستثمارية بسبب تراجع الشهية الدولية للاستثمار في الأسهم البريطانية.

المنافسة العالمية الشديدة:

البورصات العالمية الأخرى مثل بورصة نيويورك تقدم بيئات تنظيمية وبنية تحتية تكنولوجية أفضل، مما يجذب الشركات الكبرى، لا سيما في قطاعات التكنولوجيا والابتكار.
توافر مصادر تمويل أكبر في الأسواق المنافسة، وخاصة من المستثمرين الأميركيين.
الأسواق الآسيوية مثل هونغ كونغ وسنغافورة تقدم حوافز لجذب الشركات، خاصة في ظل نمو الاقتصادات الآسيوية.
الشركات المدرجة في الولايات المتحدة غالباً ما تحصل على تقييمات أعلى وفرص تمويل أوسع.

تحديات تنظيمية وتشريعية:

بعض الشركات تعتبر أن القواعد التنظيمية لبورصة لندن أكثر صرامة وأقل مرونة مقارنةً ببورصات مثل نيويورك وسنغافورة.
الإدراج في بورصة لندن يُعد مكلفًا نسبيًا، مما يجعل الأسواق الأخرى خيارًا أكثر جاذبية.

ضعف التركيز على شركات التكنولوجيا:

بورصة لندن تركز تقليدياً على القطاعات التقليدية مثل المالية والطاقة، بينما تتصدر التكنولوجيا والابتكار القطاعات الأسرع نمواً عالمياً.
غياب الدعم الكافي للشركات الناشئة وشركات التكنولوجيا مقارنة بالبورصات العالمية الأخرى.

تغيّر توجهات المستثمرين:

العديد من المستثمرين الدوليين أصبحوا أقل اهتمامًا بالسوق البريطانية بسبب تقلبات سعر صرف الجنيه الإسترليني وعدم استقرار البيئة السياسية.

وبالتالي، فإن “هجرة الشركات من بورصة لندن تعكس تحديات هيكلية تتعلق بالاقتصاد البريطاني والمنافسة العالمية”، وفق الإدريسي، الذي يشدد على أنه  “لتعزيز جاذبيتها، تحتاج بورصة لندن إلى إصلاحات تنظيمية، تحسين بيئة الاستثمار، وزيادة التركيز على القطاعات المستقبلية مثل التكنولوجيا والابتكار”.
يشار إلى أن مؤشر FTSE 100، الذي يرتكز على قطاعات “الاقتصاد القديم” مثل الطاقة والتعدين، حقق مكاسب بلغت نحو 8 بالمئة هذا العام. فيما حقق مؤشر S&P 500 القياسي الأميركي ــ الذي يضم أسهماً ذات نمو أعلى مثل مجموعات التكنولوجيا Magnificent Seven ــ مكاسب بلغت نحو 27 بالمئة خلال نفس الفترة.
أزمة بورصة لندن
وبالعودة لتقرير “فايننشال تايمز”، فقد نقل عن رئيس الأبحاث في شركة بيل هانت للسمسرة، تشارلز هول، قوله:

“لا يمكن أن نؤخذ على محمل الجد باعتبارنا قائدًا عالميًا في مجال التمويل إذا لم تكن لدينا سوق مزدهرة لرأس المال”.
“السوق البريطانية لا تتمتع بأي حق مكتسب لتصبح مكانا رائدا للإدراج، لكنها تتطلب الرعاية والدعم لتحقيق النجاح في سوق عالمية بشكل متزايد”.
“المزيد من الشركات سوف تغادر ما لم يتم اتخاذ إجراء”.

يشار إلى أن العوامل التي ذكرتها الشركات التي تنقل إدراجها الرئيسي إلى نيويورك تشمل وجود مجموعة أعمق من المستثمرين واحتمال تحسن السيولة في أسهمها.
بالنسبة لبعض الشركات، تعكس هذه الخطوة نمو عملياتها في أميركا الشمالية. حيث تحقق شركة Ashtead نحو 98  بالمئة من أرباحها التشغيلية في الولايات المتحدة، بينما تحقق مجموعة Ferguson، التي انتقلت في عام 2022، نحو 99 بالمئة.
وتحصل 9 شركات في مؤشر FTSE 100 على أكثر من نصف إيراداتها من الولايات المتحدة، وفقًا لبنك أوف أميركا، بما في ذلك مجموعة البيانات إكسبيريان وشركة التعليم بيرسون.
فرص أمام بورصة لندن
على الجانب الآخر، فإن ثمة فرصاً محتملة قد تسهم في تقليص تلك الأزمة التي تواجهها بورصة لندن، وهو ما يشير إليه من بروكسل، خبير الشؤون الأوروبية، محمد رجائي بركات، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، والذي يلفت إلى تدهور الأوضاع الاقتصادية في الدول التي كانت تعتبر محركاً أساسياً للاقتصاد الأوروبي، مثل ألمانيا وفرنسا.

برلين شهدت تدهوراً مستمراً في أوضاعها الاقتصادية، حيث تواجه نحو 300,000 شركة ألمانية شبح الإفلاس.
أما في فرنسا، فإن الأوضاع الاقتصادية تعاني أيضاً من عدم الاستقرار الحكومي، لا سيما بعد فشل رئيس الوزراء السابق ميشيل بارنييه في إدارة الحكومة، مما يزيد من الشكوك حول مستقبل الحكومة الجديدة المعينة.

ويضيف: “غياب الاستقرار السياسي في كلا البلدين يؤثر بشكل مباشر على الأوضاع الاقتصادية في عموم أوروبا، مما قد يدفع رؤوس الأموال للتوجه نحو بورصة لندن”، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن الانتخابات المقبلة في ألمانيا تثير الشكوك حول نجاح اليمين المتطرف، مما يزيد من القلق في الأوساط الاقتصادية.
كما يؤكد أن هذه الظروف تجعل أصحاب رؤوس الأموال يفضلون إعادة استثماراتهم إلى بورصة لندن، حيث كانت الأموال تتدفق إليها بشكل كبير خلال فترة وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي، واليوم ثمة عودة لهذه الأموال مع تدهور الأوضاع في دول المنطقة.
فرص وتحديات
وقالت غولدمان ساكس في مذكرة يوم الجمعة: “تفكر المزيد من الشركات البريطانية في نقل قوائمها إلى الولايات المتحدة، وأصبحت فجوة التقييم بين المملكة المتحدة والولايات المتحدة أكبر”.
وبحسب استراتيجية الأسهم الأوروبية في غولدمان ساكس، شارون بيل، فإن العديد من الشركات التي تبحث عن تقييمات أعلى شعرت بأنها مضطرة إلى الابتعاد عن المملكة المتحدة بسبب الافتقار إلى اهتمام المستثمرين المحليين.
ويقول العديد من المستشارين والمديرين التنفيذيين في أحاديثهم الخاصة إن الإصلاحات الأخيرة ــ بما في ذلك التغييرات المخطط لها في نظام المعاشات التقاعدية وإصلاح قواعد الإدراج في المملكة المتحدة ــ لم تحرك الأمور بعد.
بينما يأمل مستشارو بورصة لندن أن تحصل السوق البريطاني على دفعة معنوية إذا مضت مجموعة الأزياء السريعة الصينية “شين” قدما في الطرح العام الأولي المخطط له في لندن.
وقالت بورصة لندن في بيان لها: “ستتخذ الشركات قرارات مخصصة تتناسب مع مزيج أعمالها وموقعها. وتظل سوق المملكة المتحدة ثالث أكبر سوق في العالم من حيث رأس المال الذي تم جمعه حتى الآن هذا العام وتشهد مجموعة الإصلاحات الأكثر ديناميكية في أي مكان في العالم”.
عودة لندن
في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، يشير رئيس قسم الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، إلى أنه:

في السنوات الأخيرة، شهدنا هجرة عديد من الشركات من بورصة لندن، وهذا يعود بشكل كبير إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
كان هناك قلق كبير بين الشركات الموجودة في لندن، مما دفع الكثير منها إلى البحث عن أسواق بديلة.
ومع ذلك، أعتقد بأن هناك فرصة حقيقية لعودة لندن لتتصدر المشهد المالي العالمي، خاصة مع احتمال عودة حزب العمال إلى الحكم، الذي يسعى إلى إعادة لندن كمركز مالي أساسي.

ويضيف: لندن كانت تاريخياً المركز المالي الثاني بعد نيويورك، ولكن خروجها من الاتحاد الأوروبي ألحق بها أضراراً جسيمة. لقد فقدت الكثير من جاذبيتها لأسباب ضريبية، وعدم الاستقرار، وقلة النمو الاقتصادي. كما أن الشركات كانت حذرة جداً في ظل اللوائح التضخمية الصارمة، وهذا أثر سلباً على بيئة الأعمال.
ويوضح أنه مؤخراً، صرح وزير المالية البريطاني بأنه يسعى لإدخال ترخيص للعملات المشفرة بحلول العام 2026. هذا يعكس رغبة الحكومة في تخفيف القيود التنظيمية، وهو توجه مشابه لما اتبعه الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب. وهذا التوجه يمكن أن يسهم في إعادة جاذبية لندن كمركز مالي عالمي.
ويختتم يرق حديثه بالإشارى إلى أنه “يتعين الأخذ بعين الاعتبار أن العديد من المستثمرين ورجال الأعمال من الهند كانوا يعتبرون لندن وجهة مفضلة، لكنهم أيضاً انتقلوا إلى أسواق أخرى. لذا، سيكون من الضروري العمل على استعادة الثقة وجذب رأس المال من جديد إلى بورصة لندن، بالإضافة إلى إطلاق إصدارات جديدة لتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية”.#بورصة لندن#بريطانيا


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version