خاصأشباه الموصلات – أرشيفيةتبرز صناعة أشباه الموصلات من بين الركائز الأساسية للتطور الاقتصادي والتقني الذي تصبو إليه المملكة المتحدة، حيث تلك الرقائق المحرك الرئيسي للثورة الرقمية التي تشمل الذكاء الاصطناعي.وعلى الرغم من أن المملكة المتحدة ليست من اللاعبين الكبار مثل الولايات المتحدة أو الصين، إلا أنها تمتلك خبرة طويلة في تصميم الرقاقات الإلكترونية وتطوير البرمجيات المرتبطة بها، مما يمنحها فرصة كبيرة للتميز في السوق العالمية.
مع ذلك، تواجه هذه الصناعة في المملكة المتحدة تحديات عدة، أبرزها نقص الاستثمارات الضخمة والبنية التحتية مقارنة بالدول الكبرى. تعتمد المملكة بشكل كبير على استيراد الرقائق المصنعة، مما يجعلها عرضة للتقلبات في سلاسل التوريد العالمية. كما أن المنافسة الشرسة من القوى الدولية الكبرى، مثل الصين وتايوان، تضع ضغطاً إضافياً على الشركات البريطانية لتطوير تقنيات جديدة والحفاظ على قدرتها التنافسية.
وفي ظل هذه التحديات، تُقدم المملكة فرصاً كبيرة لتعزيز مكانتها في سوق أشباه الموصلات من خلال استراتيجيات مبتكرة. كذلك فإن مبادرات الحكومة البريطانية، مثل خطط الاستثمار في البحث والتطوير وتقديم الحوافز للشركات الناشئة، يمكن أن تساعد في خلق بيئة داعمة للابتكار. بالإضافة إلى ذلك، فإن بناء شراكات مع الحلفاء الدوليين يمكن أن يسهم في تقليل الاعتماد على الاستيراد وتعزيز القدرات المحلية.
منافسة دولية
في مقال له بصحيفة فايننشال تايمز البريطانية، يقول  جيفري أوين، وهو رئيس قسم السياسة الصناعية في مؤسسة بوليسي إكستشينغ، إنه مع استمرار الحرب التجارية على أشباه الموصلات بين الولايات المتحدة والصين دون أي بوادر تهدئة، تسعى الدول المنتجة الأخرى لتجنب الأضرار الجانبية.

في اليابان، التي كانت رائدة هذا القطاع قبل أن تتفوق عليها كوريا الجنوبية وتايوان، تدعم الحكومة مشروعاً جديداً يعتمد على تقنية مبتكرة لتطوير الرقائق الأكثر تقدماً.
أما الاتحاد الأوروبي، فيواصل تنفيذ برنامج استثماري في مصانع التصنيع، مدعوم جزئياً من الحكومات الوطنية بموجب قانون الرقائق الأوروبي.

ويطرح سؤالاً: “ماذا يجب على المملكة المتحدة فعله؟”.. موضحاً أن هذا السؤال يستحق النظر فيه من قبل المجلس الجديد لاستراتيجية الصناعة في بريطانيا، الذي تم الإعلان أخيراً عن أعضائه.

تمتلك بريطانيا واحدة من أكثر شركات أشباه الموصلات قيمة على مستوى العالم، وهي شركة (Arm)، رغم أن أغلب ملكيتها تعود إلى مجموعة “سوفت بنك” اليابانية.
ارتفعت قيمة أسهم الشركة بشكل كبير في الأشهر الأخيرة نتيجة دورها المتوقع في تطبيقات الذكاء الاصطناعي.
لكن (Arm) هي شركة ترخيص للملكية الفكرية وليست شركة تصنيع. وهنا يكمن تخلف المملكة المتحدة في جانب التصنيع ضمن هذه الصناعة.

بحسب الكاتب، فإنه بسبب قرارات حكومية ومؤسساتية اتُخذت على مدى الأربعين عاماً الماضية، لا تمتلك المملكة المتحدة شركة تصنيع أشباه موصلات كبيرة ومتنوعة مثل القادة الأوروبيين الثلاثة: “إنفينيون” في ألمانيا، “NXP” في هولندا، و”STMicroelectronics” بالشراكة الفرنسية-الإيطالية.
واقع الصناعة البريطانية
ويشير المقال إلى أن:

صناعة أشباه الموصلات في بريطانيا صغيرة، ومعظم المصانع تخدم أسواقاً متخصصة.
حالياً، تمثل أشباه الموصلات المركبة حوالي 20 بالمئة من إجمالي الطلب على أشباه الموصلات.
استثمرت الشركات البريطانية في هذا القطاع على نطاق واسع في السنوات الأخيرة، بدعم حكومي في بعض الحالات.
من الأمثلة على ذلك شركة “Plessey Semiconductors” في بليموث، التي تصنع رقائق عرض دقيقة تعتمد على نيتريد الغاليوم. وفي جنوب ويلز، يتألف تجمع أشباه الموصلات المركبة من عدة شركات، بعضها مملوك أجنبيًا، تطور وتصنع هذه الرقائق للعملاء الصناعيين.

ويتحدث المقال عن “فرصة للريادة البريطانية”، ذلك أنه نظراً لتوسع القطاع بسرعة، وظهور تطبيقات جديدة، تمثل أشباه الموصلات المركبة فرصة مهمة للمملكة المتحدة، حيث تتمتع البلاد بوفرة من الأفكار الواعدة التي تنبثق من الجامعات، إلى جانب قطاع تصميم حيوي ينشط في هذا المجال.
ولكن لتحويل هذه الأفكار إلى منتجات، يقترح كاتب المقال إنشاء مصنع يلعب دوراً مشابهاً لما تقوم به مصانع السيليكون في أوروبا ومناطق أخرى، من خلال خدمة الشركات التي تفتقر إلى قدرات التصنيع الخاصة بها. ويمكن بناء هذا المصنع على موقع جديد أو بجوار مصنع تصنيع قائم.
من المحتمل أن يأتي جزء كبير من التمويل من الحكومة، بينما يمكن أن يتم تمويل ثلثي المشروع من خلال ائتلاف من شركات أشباه الموصلات والمستثمرين من القطاع الخاص، مع تحمل الدولة للثلث المتبقي.
كما أظهرت الأحداث الأخيرة، فإن أشباه الموصلات تعد ذات أهمية كبيرة من الناحيتين الاقتصادية والاستراتيجية، مما يستوجب وجود خطة واضحة من الحكومة لدعم الصناعة. والتركيز على أشباه الموصلات المركبة قد يكون المسار الصحيح لتحقيق ذلك.
دور مميز
من جانبه، يقول المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية بالولايات المتحدة الأميركية، الدكتور أحمد بانافع، في تصريحات لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن أشباه الموصلات تُعد أساساً للتقنيات الحديثة، ومع تصاعد المنافسة العالمية، تبحث المملكة المتحدة عن دور مميز في هذا القطاع.
ويُحدد نقاط القوة البريطانية، على النحو التالي:
البحث والتطوير:

المملكة المتحدة تضم جامعات عالمية مثل كامبريدج وأكسفورد التي تقدم أبحاثاً متقدمة في أشباه الموصلات.
وجود شركات رائدة مثل ARM التي تقود تصميم الرقائق عالمياً.
مبادرات مثل “Innovate UK” و “UK Research and Innovation” توفر تمويلًا لتعزيز الابتكار في هذا المجال.

الأسواق المتخصصة:

التركيز على تصميم الرقائق بدلاً من الإنتاج الضخم.
تطوير تقنيات متقدمة مثل رقائق الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمومية.
استكشاف مواد مبتكرة مثل الجرافين لتحسين أداء أشباه الموصلات.

الشراكات الدولية:

تعزيز التعاون مع الاتحاد الأوروبي في البحث والتطوير والتصنيع.
بناء شراكات استراتيجية مع دول رائدة مثل اليابان وكوريا الجنوبية لنقل الخبرة والتكنولوجيا.

دعم حكومي:

استثمارات حكومية بقيمة مليار جنيه إسترليني لدعم البحث والتطوير والشركات الناشئة.
خطة طويلة الأجل لتقليل الاعتماد على الموردين الدوليين.

المواهب البشرية:

نظام تعليمي قوي يركز على العلوم والهندسة والتكنولوجيا.
سياسات هجرة مرنة لجذب الكفاءات العالمية في مجال أشباه الموصلات.

في مايو 2023، كشفت الحكومة البريطانية، عن استراتيجية لاستثمار مليار جنيه إسترليني  في صناعة أشباه الموصلات خلال العقد الجاري.
تهدف هذه الاستراتيجية إلى تحفيز نمو القطاع في المملكة المتحدة، وخفض مخاطر انقطاع الإمدادات، وحماية الأمن القومي. ومن المتوقع أن يتم تخصيص استثمارات تصل قيمتها إلى مئتي مليون جنيه (230 مليون يورو) في فترة بين 2023-2025، لتعزيز البحث والتطوير وتسهيل التعاون الدولي.
كما يستعرض المستشار الأكاديمي في جامعة سان خوسيه الحكومية بالولايات المتحدة الأميركية، في معرض حديثه مع موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” أبرز التحديات التي تواجه المملكة المتحدة، في سياق المنافسة بقطاع أشباه الموصلات، على النحو التالي:
المنافسة العالمية:

الولايات المتحدة والصين وكوريا الجنوبية تستثمر بشكل هائل في هذا القطاع.
قانون “CHIPS Act” الأميركي يقدم تمويلًا بـ52 مليار دولار لدعم صناعة أشباه الموصلات.

ضعف البنية التحتية:

المملكة المتحدة تفتقر إلى مصانع تصنيع متكاملة، مما يجعلها تعتمد على سلاسل التوريد العالمية.
اضطرابات التوريد قد تؤثر على الإنتاجية.

نقص التمويل الكافي:

الحاجة إلى استثمارات أكبر لتتناسب مع المنافسين العالميين.
ضرورة إشراك القطاع الخاص من خلال تحفيزات مالية وإعفاءات ضريبية.

كما يرصد خطوات لتحقيق النجاح في القطاع بالنسبة للمملكة المتحدة، على النحو التالي:

زيادة الاستثمارات الحكومية في البحث والتطوير والبنية التحتية.
بناء شراكات استراتيجية مع حلفاء دوليين لتعزيز سلسلة التوريد.
تحفيز الشركات المحلية والأجنبية للاستثمار في قطاع أشباه الموصلات.
دعم التعليم والتدريب لتطوير مهارات القوى العاملة في هذا المجال.

ويستطرد: “يمكن للمملكة المتحدة أن تلعب دوراً مميزاً في قطاع أشباه الموصلات من خلال الابتكار والتركيز على الأسواق المتخصصة”، مشدداً على أن الاستثمار في هذا القطاع سيعزز مكانتها الاقتصادية والتكنولوجية في العالم.
خطوة استراتيجية
من برلين، يقول الكاتب المتخصص في الشؤون الأوروبية، محمد الخفاجي، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”:

الجهود البريطانية لتعزيز وجودها في قطاع أشباه الموصلات تمثل خطوة استراتيجية مهمة، لكنها تواجه تحديات كبيرة قد تؤثر على تحقيق أهدافها.
إعلان الحكومة البريطانية في مايو 2023 عن استثمار مليار جنيه إسترليني على مدى العقد المقبل في قطاع أشباه الموصلات يعكس إدراكاً متزايداً لأهمية هذا القطاع الحيوي، خاصةً في ظل اعتماد الصناعات التكنولوجية الحديثة على هذه المكونات.
كما أن تخصيص 200 مليون جنيه إسترليني لتعزيز البحث والتطوير والتعاون الدولي بين عامي 2023 و2025 يعكس أيضاً التزاماً واضحاً بالنهوض بالصناعة.
لكن حجم صناعة أشباه الموصلات في المملكة المتحدة لا يزال صغيراً نسبياً مقارنة بالدول الرائدة في هذا المجال، مثل تايوان وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة.

ويشير إلى أن السياسات الحكومية، مثل القيود على الهجرة، تعرقل قدرة الشركات البريطانية على جذب الكفاءات والمواهب اللازمة، وهو ما قد يؤثر سلباً على قدرتها التنافسية في هذا القطاع الذي يعتمد بشكل كبير على المهارات المتخصصة.
وعلى الصعيد العالمي، يلفت الخفاجي إلى الهيمنة الواضحة لشركات كبرى مثل “TSMC” التايوانية وسامسونغ الكورية، مؤكداً أن الاستثمار البريطاني البالغ مليار جنيه إسترليني خلال العقد يبدو متواضعاً نسبياً مقارنة بحجم السوق العالمية، مما يثير التساؤلات حول قدرة المملكة المتحدة على المنافسة بفعالية في هذا القطاع.
ويختتم الخفاجي حديثه بالتأكيد على أن نجاح بريطانيا في تحقيق طموحاتها يتطلب معالجة التحديات المحلية، مثل توسيع قاعدة الإنتاج المحلية وتعديل السياسات المرتبطة بتوظيف المواهب، بالإضافة إلى بناء شراكات دولية قوية تسهم في دعم الصناعة وتعزيز قدرتها على المنافسة عالمياً.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version