تعود الرسوم الجمركية على الصلب إلى الواجهة مجدداً، حيث يطالب صنّاع الصلب في الولايات المتحدة بإعادة فرض تعريفات جديدة على واردات الصلب، ليس فقط من الصين والمكسيك، بل حتى من دول شريكة تاريخياً لواشنطن مثل الاتحاد الأوروبي واليابان والمملكة المتحدة.
ويستند صُنّاع الصلب إلى تجاربهم مع رسوم 2018 التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترامب آنذاك، مشيرين إلى أنها رفعت أسعار الصلب المحلي، وعززت أرباح الشركات، ووفرت آلاف الوظائف من خلال توسيع المصانع وزيادة الطاقة الإنتاجية.
وبينما تتجه الأنظار إلى سياسات ترامب الاقتصادية القادمة، يراهن قطاع الصلب على أن تكون التعريفات الجمركية السلاح الأقوى لإعادة تشكيل الصناعة وتعزيز تنافسيتها، بعد أن سمح الرئيس جو بايدن سمح بدخول بعض الصلب إلى الولايات المتحدة دون رسوم جمركية>
فهل يدفع صنّاع الصلب ترامب إلى مواجهة جديدة مع الشركاء التجاريين التقليديين؟ وهل يمكن أن تصبح الرسوم الجمركية، مجدداً، سلاح ترامب الاستراتيجي لإعادة رسم ملامح صناعة الصلب الأميركية؟
ويدعم بعض صانعي الصلب في الولايات المتحدة خطط الرئيس المنتخب دونالد ترامب لفرض تعريفات جمركية على المكسيك والصين، كما أنهم يطالبون باتخاذ إجراءات إضافية، بحسب تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” واطلعت عليه سكاي نيوز عربية.
وأوضح التقرير أن اتحاد مصنعي الصلب يريد إعادة فرض التعريفات الجمركية على الصلب القادم من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان، وأشار إلى أن هذه الدول كانت مشمولة في تعريفات ترامب لعام 2018، لكن الرئيس بايدن سمح لاحقاً بدخول بعض الصلب إلى الولايات المتحدة دون رسوم جمركية. وذكر أنه من بين أعضاء الاتحاد شركتا “ستيل دايناميكس” و”نكور” أكبر منتج للصلب في الولايات المتحدة.
وكانت المطالبة بفرض تعريفات إضافية جزءاً من اقتراح تجاري أصدره الاتحاد أخيراً وقال: “إن هذه الرسوم الجديدة ستعزز سوق الصلب المحلي وتساعد في معالجة الممارسات التجارية التي تشوه المنافسة والتي يعتقد أن دولاً أخرى تقوم بها”.
ونقل التقرير عن مسؤولين تنفيذين في شركات الصلب الأميركية من المؤيدين المتحمسين لتعريفات 2018.قولهم: إن التعريفات ساعدت في رفع أسعار الصلب الأميركية، وزيادة الأرباح، وتوسيع التوظيف.
وفي السنوات الأخيرة، افتتحت الشركات مصانع جديدة ووسعت أخرى، مضيفة ملايين الأطنان من قدرة إنتاج الصلب.
وتعهد ترامب بجعل التعريفات عنصراً أساسياً في سياسته الاقتصادية لتعزيز التصنيع المحلي، وقال الرئيس المنتخب إنه سيفرض رسوماً بنسبة 25 بالمئة على جميع الواردات من كندا والمكسيك ما لم تكثف هذه الدول جهودها للحد من تدفق المهاجرين إلى الولايات المتحدة. كما دعا إلى فرض تعريفات أعلى على الواردات القادمة من الصين.
الاستخدام المكثف للتعريفات الجمركية يرفع أسعار السلع الاستهلاكية
ويقول اقتصاديون إن الاستخدام المكثف للتعريفات الجمركية سيرفع أسعار السلع الاستهلاكية في الولايات المتحدة. فأسعار السلع المعمرة التي تحتوي على نسبة كبيرة من الصلب – مثل الأجهزة المنزلية، والسيارات، والجرارات الزراعية – مرتفعة بالفعل نتيجة الاختناقات في سلاسل التوريد للمواد والمكونات بعد أسوأ فترات جائحة كوفيد-19.
وإن فرض تعريفات إضافية على الواردات سيمنح شركات الصلب المحلية قدرة أكبر على رفع أسعارها من خلال زيادة أسعار المنتجات الأجنبية المنافسة بشكل فعّال.
بدوره، قال فيليب بيل، رئيس اتحاد مصنعي الصلب: “نحن تحت تهديد مستمر من الاقتصادات غير السوقية التي تتحايل على قوانيننا التجارية لتغرق السوق الأميركية بالصلب الرخيص المدعوم بشكل كبير ومنتجات أخرى”.
ويمثل الاتحاد بشكل أساسي الشركات التي تصنع الصلب من خلال صهر الخردة. إذ أن حوالي 70 بالمئة من الصلب المنتج في الولايات المتحدة مصنوع من الخردة.
وشملت تعريفات ترامب على الصلب لعام 2018 في البداية رسوماً بنسبة 25 بالمئة على الصلب القادم من كندا والمكسيك، ولكن تم إلغاؤها في عام 2019 كجزء من الاتفاقية التجارية الحرة المعدلة بين الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.
وتُعد أسعار الصلب في الولايات المتحدة حالياً من بين الأعلى في العالم. ومع ذلك، ظلت الأسعار راكدة في الأشهر الأخيرة بسبب انخفاض الطلب الناتج عن ضعف القطاع التصنيعي، خاصة صناعة السيارات، وفقاً لتقرير الصحيفة الأميركية.
وأشار التقرير إلى اتن بعض المسؤولين التنفيذيين في شركات الصلب اشتكى من أن السوق الأميركية تتعرض لتقويض بسبب الواردات منخفضة التكلفة من الصين، والتي تتحايل على التعريفات الحالية من خلال تمريرها عبر المكسيك، منوهاً بأن الرئيس بايدن فرض تعريفات جمركية على الواردات المكسيكية التي تستخدم صلباً من الصين.
ولكن بعض التنفيذيين في شركات الصلب قالوا إن التمييز بين الصلب القادم من الصين والمكسيك أمر صعب ويعتمد بشكل كبير على الرقابة الصارمة من السلطات المكسيكية.
مطالبات صناع الصلب تهدف إلى عظيم أرباحهم
في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أوضح الدكتور نضال الشعار، الخبير الاقتصادي وكبير الاقتصاديين في شركة “ACY” أن مطالبات فرض الرسوم الجمركية في الولايات المتحدة لا تقتصر على صناعة الصلب فقط، بل تمتد إلى العديد من الصناعات الأخرى التي تسعى لرفع التعريفات الجمركية بهدف تحقيق أهداف اقتصادية واضحة.
هذه الأهداف تتمثل في تحسين العوائد المالية، وتوفير بيئة إنتاجية أكثر راحة للشركات المحلية، إلى جانب الاستفادة من تقليص المنافسة الخارجية، وهو ما يتيح لها رفع الأسعار وتحقيق أرباح أكبر.
وأضاف الدكتور الشعار أن هذه المطالبات تعكس اعترافاً ضمنياً من بعض الشركات، مثل شركات الصلب، بتحقيقها أرباحاً في السابق، لكن طموحها الآن يتمحور حول تعظيم أرباحها، حتى وإن بدت العملية قائمة على مصالح ذاتية تهدف لتحقيق عوائد إضافية للمساهمين.
ورغم أن هذا التوجه قد لا يكون مقبولاً لدى البعض، إلا أنه يبقى مفهوماً من منظور اقتصادي”.
وفيما يتعلق باحتمالية قيام الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب برفع التعريفات الجمركية على الواردات، يرى الشعار أن هذا القرار قد يتم بشكل جزئي وليس كلي.
ويرجع ذلك إلى طبيعة التبادل الاقتصادي العالمي الحالي، حيث بات من الصعب على أي شركة التحكم بشكل كامل في العملية الإنتاجية دون الاعتماد على التصدير والاستيراد. ومع ذلك، تأمل بعض الشركات في تقليص المنافسة الخارجية لتتمكن من التوسع وزيادة الإنتاج.
فرض التعريفات يحتاج نهجاً انتقائياً
وأشار كبير الاقتصاديين في شركة “ACY” إلى أهمية دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، باعتبارها الطرف الأكثر تأثراً بالمنافسة الخارجية، لاسيما من الشركات الصينية والآسيوية والأوروبية.
هذه الشركات تلعب دوراً حيوياً في تعزيز الإبداع والابتكار، وتوفير فرص العمل، وتطوير مهارات جديدة تسهم في تحفيز الاقتصاد الأميركي بشكل عام.
واختتم الدكتور الشعار حديثه بالتأكيد على ضرورة انتهاج الإدارة الأميركية نهجاً انتقائياً في فرض أو رفع التعريفات الجمركية، أو حتى منح إعفاءات لبعض الواردات.
ويرى أن الولايات المتحدة قد تحتاج قريباً إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات بهدف تحفيز الإنتاج المحلي، ودعم الابتكار، وتنشيط العملية الاقتصادية بشكل أكثر فاعلية.
من جهته، قال الخبير الاقتصادي علي حمودي في حديث خاص لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية: “إن الوعد بفرض التعريفات الجمركية يمكن أن يساعد السياسيين في الفوز بالانتخابات، لكنها ليست أفضل طريقة لتحقيق الاستقرار وتنمية قوة سوق العمل من الطبقة المتوسطة”.
“وهذا يعني أن ارتفاع تكاليف كل شيء من أسعار المنازل والسيارات والمواد الغذائية سيستمر وسيفوق زيادات الرواتب المستقبلية، مما سيترك الطبقة العاملة قلقة بشأن الأمن الوظيفي والآفاق المالية المستقبلية”، بحسب تعبيره.
آثار سلبية
ورداً على سؤال فيما إذا كانت التعريفات الجمركية الأكثر شمولاً على واردات الصلب إلى الولايات المتحدة ستساعد صناعة الصلب الأمريكية، يرى حمودي أن إعادة إشعال الزيادات المحتملة في أسعار المستهلك نتيجة للتعريفات الجمركية واسعة النطاق يمكن أن تلحق الضرر بصناعة الصلب كجزء من تباطؤ اقتصادي أوسع نطاقاً.
وأضاف “كما تخاطر السياسات بإلحاق الضرر بقطاع التصنيع في البلاد ككل، حيث ستؤدي التعريفات الجمركية إلى زيادة تكاليف المصانع التي تعتمد على الصلب الخام كجزء من منتجها النهائي المصنع، مما يجعل هذه الشركات أقل قدرة على المنافسة مع نظيراتها الدولية”.
كما يرى الخبير الاقتصادي حمودي أن “مقترحات ترامب ستكثف أيضاً الآثار السلبية التي نتجت عن الجولة الأولى من التعريفات الجمركية في ولايته الأولى، بما في ذلك زيادات التكاليف لمجموعة من الشركات المصنعة التي تستخدم الصلب الخام كمدخلات. إن هذه التكاليف المرتفعة من شأنها أن تضر بالقدرة التنافسية لمثل هؤلاء المنتجين الأميركيين، مما يعرضهم لخطر خسارة الإيرادات وربما تسريح العمال”.
وأوضح أنه “كل من يشتري الصلب سوف يتحمل تكاليف أعلى، ولذلك أعتقد أن التعريفات الجمركية بهذا الحجم التي اقترحها ترامب من شأنها أن تزيد أيضاً من الأسعار التي يدفعها المتسوقون الأميركيون، لأن المستوردين عادة ما يضيفون حصة أو كل تكلفة هذه التعريفات الجمركية المرتفعة إلى المستهلكين، لذا فإن النتيجة هي أن أسعار السلع المُصنعة في الولايات المتحدة من المرجح أن ترتفع، مما يؤثر على الطلب المحلي ويضيف ضغوطاً تضخمية إلى الاقتصاد الأميركي ككل”.