شهد العام 2024 تحولاً بارزاً في أسواق المعادن الثمينة، حيث سجل الذهب مستويات قياسية جديدة، متجاوزاً توقعات العديد من الخبراء، وقد جاءت هذه القفزة وسط اضطرابات جيوسياسية وتوترات اقتصادية عالمية، دفعت المستثمرين إلى البحث عن أصول أكثر استقراراً، ليجدوا في الذهب ملاذهم الآمن.
ومع اقتراب العام 2025، يثار السؤال حول قدرة الذهب على الحفاظ على هذا الزخم، بل وربما تحقيق مستويات أعلى، وسط توقعات متباينة بين من يرون أن عوامل مثل التضخم المرتفع واحتمالات التباطؤ الاقتصادي العالمي ستواصل دعم المعدن النفيس، وبين من يحذرون من عودة السياسات النقدية المتشددة التي قد تقلص الطلب الاستثماري عليه.
فهل سيكون الذهب في 2025 امتداداً لقصته الناجحة في العام السابق أم أن الرياح قد تجري بما لا تشتهي السفن؟
- حطم المعدن النفيس أرقاماً قياسية تلو الأخرى، حيث ارتفع بنحو 28 بالمئة منذ بداية العام.
- وصل الذهب إلى أعلى مستوى على الإطلاق عند 2748.23 دولار في أكتوبر.. ويتداول حالياً عند مستوى 2600 دولار.
في هذا السياق، تشير توقعات غولدمان ساكس، إلى أن الذهب من المتوقع أن يرتفع إلى مستوى قياسي العام المقبل بفضل مشتريات البنوك المركزية وخفض أسعار الفائدة في الولايات المتحدة. وقد وأدرج البنك المعدن ضمن أفضل تداولاته للسلع الأساسية للعام المقبل وقال إن الأسعار قد توسع مكاسبها خلال رئاسة دونالد ترامب.
يتوقع غولدمان ساكس أن ترتفع أسعار الذهب إلى 3 آلاف دولار للأونصة، بزيادة أكثر من 16 بالمئة عن مستواها الحالي (..) مشيراً إلى أن المحرك الهيكلي للتوقعات هو ارتفاع الطلب من البنوك المركزية، في حين أن الارتفاع الدوري سيأتي من التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة مع خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وقد ارتفعت أسعار الذهب بشكل حاد خلال الـ 12 شهراً الماضية مع اقبال المستثمرين على الاستثمار، سعياً لحماية محافظهم الاستثمارية. ويرى محللو غولدمان ساكس أن هذا الارتفاع قد يستمر الآن، على الرغم من التوقعات باستمرار الزيادات في قيمة الدولار، بحسب ما نقله تقرير لياهو فاينانس.
وقال محللون في غولدمان ساكس: “نحن نرفض الحجة الشائعة القائلة بأن الذهب لا يمكن أن يرتفع إلى 3000 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2025 في عالم يظل فيه الدولار أقوى لفترة أطول”. وبدلا من ذلك، قال المحللون إنهم يتوقعون أن أسعار الذهب سوف تتحدد بشكل أساسي بناء على مدى خفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي لأسعار الفائدة.
كما يتوقع استراتيجيو “يو بي إس” أن ترتفع قيمة الذهب بحلول العام 2025، مشددين على أنه منذ بداية عام 2024، ارتفعت أسعار الذهب بنسبة 28 بالمئة، متفوقة على مؤشر ستاندرد آند بورز. ويعتقد استراتيجيو “يو بي إس” أن العديد من العوامل ستستمر في دفع الأسعار إلى الارتفاع في عام 2025، بما في ذلك تراكم الذهب المستمر من قبل البنوك المركزية كجزء من استراتيجيات التنويع الخاصة بها.
وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، قامت البنوك المركزية العالمية بأكبر مشترياتها من الذهب هذا العام في أكتوبر.
وهناك أيضًا طلب متزايد من المستثمرين الباحثين عن الاطمئنان بسبب حالة عدم اليقين مثل السياسات المالية والتجارية والجيوسياسية التي ينتهجها دونالد ترامب، إلى جانب الصراعات المستمرة في أوكرانيا والشرق الأوسط. وتدفع هذه العوامل الطلب على أصول الملاذ الآمن، مما يعزز التدفقات إلى صناديق الاستثمار المتداولة في الذهب.
بناء على تلك المعطيات، يتوقع “يو بي إس” أن يصل سعر الذهب إلى 2900 دولار للأونصة بحلول نهاية عام 2025 .
ملاذ آمن
من جانبها، تقول خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن:
- الذهب شهد خلال العام 2024 ارتفاعات قياسية متتالية.
- كلما كسر الذهب نقطة حاسمة في السعر، كان يستقر لفترة قصيرة قبل أن يعاود الصعود متأثراً بالأحداث الجيوسياسية والتصعيدات والحروب التي تشهدها مناطق مختلفة حول العالم.
- المخاوف من الركود الاقتصادي خلال العام 2024 دفعت عديد المتعاملين -سواء أفراداً أو دولاً (البنوك المركزية)- إلى اعتماد الذهب كملاذ آمن، وهو ما زاد الطلب عليه.
- الصين كانت من بين الدول التي اهتمت بزيادة احتياطياتها من الذهب، إلى جانب دول مجموعة بريكس التي سعت لتكوين احتياطيات ذهبية لدعم دخولها في هذا التكتل الاقتصادي المهم.
وأضافت: الذهب في 2024 شهد تحركات صعودية متواصلة، إلا أن معطيات الانتخابات الأميركية والارتفاع القياسي في سعر العملات المشفرة، مثل البيتكوين الذي تجاوز 100 ألف دولار، جعلت بعض المستثمرين يتخلون عن الذهب كملاذ آمن في بعض الفترات، مع التركيز على الأصول الأكثر تقلباً مثل العملات المشفرة.
وأشارت رمسيس إلى أن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وتأثير ذلك على استقرار السياسات العالمية، بالإضافة إلى تردد الفيدرالي الأميركي في الحفاظ على وتيرة خفض أسعار الفائدة، أمور تؤثر بشكل كبير على مستويات الذهب.
- خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي معدلات الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس للمرة الثالثة هذا العام، وذلك في آخر اجتماع له خلال العام 2024.
- يتوقع مسؤولو مجلس الاحتياطي الآن خفضين آخرين فقط في أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في كل مرة بحلول نهاية عام 2025.
- يقل هذا بنصف نقطة مئوية عن الخفض الذي كان المسؤولون يتوقعونه حتى سبتمبر للعام المقبل.
ورغم ذلك، أكدت الخبيرة أن الذهب سيظل المعدن الأكثر جذباً للمستثمرين، مع الاعتماد عليه كوسيلة تحوط واستثمار آمنة في مواجهة التضخم، مشيرة إلى أن توقعات العام 2025 تشير إلى استقرار الذهب عند مستويات 2024، مع إمكانية تراجعه إذا هدأت الأوضاع السياسية العالمية، مثل إنهاء الحرب في أوكرانيا أو التهدئة في غزة. ومع ذلك، إذا تأزمت الأوضاع مجددًا، قد يشهد الذهب ارتفاعات قياسية قد تصل إلى 3000 دولار للأونصة، حسب توقعات بعض الخبراء.
تأثير الدولار القوي وسياسات الفيدرالي
يشار إلى أن الذهب مقوم على نطاق واسع بالدولار، حيث يؤثر ارتفاع الدولار على أسعار المعدن النفيس. كما تعمل أسعار الفائدة المرتفعة وعوائد سندات الخزانة الأميركية على زيادة المنافسة على الأصول الآمنة، مما يؤدي إلى تثبيط الطلب على الذهب.
ولكن هذه العلاقات كانت متقطعة على مدى السنوات القليلة الماضية، حيث تفوقت العوامل الأوسع مثل الطلب على الذهب من البنوك المركزية – وخاصة الصين – على تحركات الدولار وسندات الخزانة الأميركية، وفقا لما نقله تقرير لشبكة “سي إن بي سي” الأميركية، اطلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” عن الخبير الاقتصادي في مجال السلع الأساسية في كابيتال إيكونوميكس، حماد حسين.
بحسب حسين، فإن:
- مقترحات ترامب بشأن التعريفات الجمركية، وبنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشدداً تزيد من مخاطر الهبوط للذهب (..) لكننا نتوقع أن تكون العوامل غير التقليدية أقوى العام المقبل.
- الصين تلعب الدور الأكبر في هذا الصدد، فقد استأنف البنك المركزي لثاني أكبر اقتصاد في العالم عمليات شراء الذهب، في حين تعمل التوقعات الاقتصادية الكلية الضعيفة ــ وخاصة في ظل تصاعد محتمل للحرب التجارية مع الولايات المتحدة ــ على دفع الطلب على الملاذ الآمن بين المستثمرين المحليين.
- البنوك المركزية من بولندا إلى الهند فضلت بشكل متزايد عمليات شراء الذهب منذ اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في عام 2022.
- نتيجة لذلك، من المرجح أن تظل أسعار الذهب قريبة من مستوياتها القياسية المرتفعة خلال العام المقبل.
كذلك نقل التقرير عن رئيسة تحليل السوق في آر بي سي بروين دولفين، جانيت موي، قولها:
- أسعار الذهب ستواصل العثور على الدعم العام المقبل.
- بنك الاحتياطي الفيدرالي الأكثر تشددًا، والدولار الأميركي الأقوى، كلها عوامل سلبية للذهب في الأمد القريب. وهذا صحيح بشكل خاص بعد الارتفاع القوي لأسعار الذهب هذا العام والجاذبية المتزايدة للعملات المشفرة كمخزن رقمي للقيمة.
- مع ذلك، نعتقد بأن بعض الدعم الهيكلي والدوري للذهب سيظل ذا أهمية.
- هذه العوامل تشمل رغبة البنوك المركزية في الأسواق الناشئة في جمع الذهب كنسبة مئوية من الاحتياطيات، ومكان في المحفظة كتحوط ضد مخاطر الاقتصاد الكلي المختلفة.
كما قالت استراتيجية السلع الأساسية في آي إن جي، إيوا مانثي، إن:
- التوترات الجيوسياسية حتى العام 2025، إلى جانب تنويع الاحتياطيات الأجنبية من قبل البنوك المركزية وحقيقة أن أسعار الفائدة من المرجح أن تستمر في التحرك نحو الانخفاض، تخلق “عاصفة مثالية للذهب”.
- “على الرغم من التراجع الذي شهدناه في أسعار الذهب بعد بيان بنك الاحتياطي الفيدرالي الأخير، فإننا نعتقد بأن الزخم الإيجابي للذهب سيستمر في الأمد القريب إلى المتوسط”.
- تتوقع مجموعة آي إن جي أن يبلغ متوسط أسعار الذهب 2760 دولارا للأونصة في العام 2025، مقارنة بـ 2595 دولارا في الوقت الحالي.
مستويات قياسية
من جانبه، تحدث الرئيس التنفيذي لمركز كروم للدراسات، طارق الرفاعي، لموقع اقتصاد سكاي نيوز عربية قائلا:
- “شهدت أسعار الذهب ارتفاعات قياسية خلال هذا العام، حيث تجاوزت حاجز 2500 دولار للأونصة بشكل كبير”.
- هذه المستويات القياسية تعكس تغيراً ملحوظاً في أسواق الذهب، حيث بدأنا نرى الأسعاراً فوق هذا المستوى غير المسبوق.
- كما قد نشهد ارتفاعات مستمرة في أسعار الذهب حتى العام 2025.
- فيما لا يزال من المبكر تحديد القمة السعرية للذهب، لكن التوقعات تشير إلى استمرار الارتفاع.
وذكر الرفاعي أنه من الممكن أن تصل أسعار الذهب إلى 3000 دولار للأونصة. بينما قد يحدث تراجع بعد ذلك، إلا أن الاتجاه العام يشير إلى أن المستثمرين، بما في ذلك البنوك المركزية، بدأوا في شراء كميات كبيرة من الذهب، مما يعزز الأسعار.
وأوضح أحد العوامل الرئيسية المؤثرة في هذا الاتجاه وهو توجه المستثمرين نحو الذهب كوسيلة للتحوط ضد المخاطر المتزايدة في الأسواق، منوهاً بأنه مع التباطؤ الملحوظ في عديد الاقتصادات، خصوصاً الأوروبية، والبيئة الجيوسياسية المضطربة في دول مثل فرنسا وألمانيا وبريطانيا، بالإضافة إلى العوامل السياسية في الولايات المتحدة، أصبح الذهب ملاذاً آمناً بالنسبة للمستثمرين.