كتب – المحرر السياسي:قد يبدو هذا السؤال ساذجاً لأن جوابه التلقائي جاهز طبقاً للوقائع التي شهدتها ساحة المعارك منذ الرابع والعشرين من شباط/ فبراير 2022 والتقارير الإعلامية التي صورتها. إلا أن المراقبين باتوا يركزون حالياً على حقيقة أن ذلك اليوم لم يكن اليوم الفصل في بدء الصراع بين الغرب وروسيا؛ بل ربما بدأ الترتيب للمواجهة مع موسكو منذ ضم شبه جزيرة القرم قبل ثماني سنوات أو ربما قبله.

معلوم أن الروس لم يكفوا عن الطلب من واشنطن ومعها الناتو، أخذ مخاوفها الأمنية بعين الاعتبار والكف عن توسيع حلف الناتو، سواء خلال القمم التي عقدت بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره جو بايدن، أو خلال اللقاءات التي جمعت مسؤولين كباراً من البلدين منذ تولي الأخير منصبه في البيت الأبيض. وقد اضطر الروس لدخول الأراضي الأوكرانية كإجراء استباقي للحفاظ على أمنهم القومي وحماية الأقلية الروسية في إقليم دونباس من اضطهاد النازيين الجدد، حسب الرواية الروسية.

وتؤكد مجريات الأحداث أن واشنطن وحلفاءها الغربيين هم الذين يديرون دفة المعارك في أوكرانيا ويحرضون رئيسها والمسؤولين فيها على استمرار الحرب وعدم القبول بالحلول الدبلوماسية في مسعى يهدف إلى استنزاف الجيش الروسي، وهو ما يؤكده التلميح الروسي والتصريح أيضاً بأن كييف ليست جادة في المفاوضات الثنائية التي بدأت منذ أكثر من شهرين ولم تسفر عن نتائج حتى الآن رغم وساطات عدد من الدول.

أسلحة ومرتزقة

لكن الأهم من ذلك كان تحرك دول الغرب خاصة الدول الأوروبية على صعيد تزويد أوكرانيا بالأسلحة رغم الخلافات التي تعتري دول الاتحاد الأوروبي حول الموقف من الحرب، خاصة تلك الدول المتضررة من حظر الطاقة الروسية وعلى رأسها ألمانيا التي انقلبت سياستها رأساً على عقب.

وتنفخ آلة الإعلام الغربي في ما تسميه المقاومة الأوكرانية، وتتحدث عن بطولاتها في صد الهجوم الروسي بعد تغيير الخطة الروسية بنهاية المرحلة الأولى من العملية وتراجع القوات عن محيط كييف وتركيزها على إقليم دونباس. والحقيقة أن سيل الأسلحة والمرتزقة المتدفق على أوكرانيا يكشف أن دول الغرب مصرة على استمرار هذه الحرب التي باتت تثير قلق العالم.

فمنذ بداية العام الحالي وحتى قبل أن تبدأ الحرب قدمت الولايات المتحدة ما قيمته حوالي مليار دولار من المساعدات العسكرية والعتاد للجيش الأوكراني، وهي تتولى تدرب القوات الأوكرانية منذ سنوات.

مخصصات أمريكية

وبعد إشعال فتيل الحرب خصصت الولايات المتحدة 3.7 مليار دولار في شكل أسلحة ومساعدات أخرى، وتسعى إدارة بايدن للحصول على اعتماد إضافي بقيمة 33 مليار دولار من الكونغرس يتضمن تشكيلة واسعة من الدعم العسكري وأنواع الدعم الأخرى.

وأبلغ قادة البنتاغون الكونغرس الأسبوع الماضي خلال جلسة استماع، أن الولايات المتحدة تعلمت الكثير عن أوجه القصور والقدرات العسكرية الروسية في الشهرين الأولين من الحرب في أوكرانيا. لكنهم حذروا من أن موسكو تتعلم من أخطائها مع انتقال الحرب إلى مرحلة جديدة، وأن ذلك سيحدد شكل المساعدات العسكرية التي ستقدمها الولايات المتحدة.

وقال لويد أوستن، وزير الدفاع، والجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، إنه إذا وافق الكونغرس على التمويل، فإن أكثر ما تحتاج إليه أوكرانيا هي مضادات الدبابات ومضادة للطائرات وصواريخ أرض- جو التي تطلق من على الكتف.

أسابيع حاسمة

وأضاف ميلي أنه مع تركز القتال الآن في منطقة دونباس الشرقية، تحتاج القوات الأوكرانية أيضاً إلى المزيد من الدبابات والمركبات الميكانيكية الأخرى، التي توفرها الولايات المتحدة ودول أخرى. وأكد الوزير ورئيس الأركان أن الأسابيع المقبلة ستكون حاسمة.

ولا يقتصر الأمر على توسيع واشنطن دائرة انخراطها في الحرب؛ بل إن حلف شمال الأطلسي عزز وجوده عسكرياً في دول الشرق الأوروبي القريبة من الحدود الروسية ودول البلطيق الثلاثة وبولندا وبلغاريا ورومانيا. ويجري مناورات حالياً في القسم الشرقي من أوروبا.

ومع دخول الحرب شهرها الثالث، يتابع العالم الاندفاع الغربي للمشاركة في الحرب بلا قيود بعد أن كانت معظم دوله وعلى رأسها الولايات المتحدة، تكرر حرصها على تجنب المواجهة المباشرة بين الحلف وروسيا إلا إذا تعرضت إحدى دول الحلف لعدوان.

ويبدو أن مجريات الأحداث تعزز الآمال الأمريكية في اغتنام الفرصة لإضعاف روسيا كقوة عظمى على المسرح العالمي وهو ما أعلنه صراحة وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن أثناء زيارته إلى كييف في صحبة وزير الخارجية أنتوني بلينكن، حيث قال إن واشنطن تريد رؤية روسيا ضعيفة إلى الحد الذي يمنعها من تكرار تجربتها في أوكرانيا. وأكد قدرة كييف على تحقيق النصر بدعم حلفائها خاصة الولايات المتحدة.

محور قوة

ومن اللافت أيضاً الاستدارة التي طرأت على سياسات بعض الدول الأوروبية في الآونة الأخيرة وبخاصة ألمانيا وفرنسا اللتان تشكلان محور القوة الرئيسي في الاتحاد الأوروبي. فقد باشرت ألمانيا التي كانت مفتاح التواصل الأوروبي مع موسكو، في إرسال أسلحة ثقيلة إلى أوكرانيا متجاوزة بذلك كل التقاليد الألمانية وقيود الحرب الباردة، ومتغلبة على شهرين من الخلافات داخل الائتلاف الحاكم كادت أن تفككه. وقد وافقت الحكومة الألمانية على تزويد الجيش الأوكراني بدبابات «جيبارد» بينما وافقت فرنسا التي يعتبر رئيسها إيمانويل ماكرون من أكثر دول العالم تواصلاً مع الرئيس بوتين منذ بدء الحرب، على إرسال صواريخ جافلين وميلان المضادة للدروع.

تدخل المواجهة نفقاً مظلماً، حيث يسدل الستار على الجهود الدبلوماسية في حين لا يزال الحكماء من بين قادة العالم وعلى رأسهم بابا الفاتيكان الذي يسعى للقاء الرئيس بوتين قريباً، يأملون في وضع حد لاندفاعات المغامرين طمعاً في تغيير قواعد اللعبة على المستوى العالمي وترسيخ القطبية الأحادية كمبدأ رئيسي في العلاقات الدولية المعاصرة.

أزمة غذاء

ومع ذلك، تزداد نتيجة تعنت السياسات الغربية أزمات العالم تعمقاً وتشعباً وسط تحذير المنظمات الدولية من خطر الحرب على منظومة الغذاء العالمي، التي تهدد بزيادة عدد الفقراء غير القادرين على تأمين أساسيات الحياة اليومية الذي تجاوز عددهم بسبب مفرزات الحرب 820 مليوناً.

من جهة أخرى تسببت العقوبات الغربية على روسيا وما ترتب عليها من تعطل سلاسل التوريد العالمية، في تحليق دائم لأسعار السلع خاصة الغذائية التي ارتفع بعضها بما يتجاوز 20% خلال شهرين، ما يهدد بالمزيد من الأزمات السياسية حتى في الدول الغنية التي باتت تشهد مظاهرات يومية احتجاجاً على زيادة الأسعار وضعف القوة الشرائية.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version