تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الأخيرة، التي أكدت عدم نية موسكو لشن حرب على القارة الأوروبية، لم تخلُ من التحذيرات حول أي محاولة لمصادرة الأصول الروسية المجمدة أو نشر قوات أجنبية على الأراضي الأوكرانية، ما يضع أوروبا أمام اختبار دبلوماسي وأمني شديد التعقيد.

في هذا السياق، يقدم الباحث في العلاقات الدولية طارق وهبي تحليلاً معمقاً للوضع الراهن خلال حديثه لبرنامج “التاسعة” على “سكاي نيوز عربية”، موضحاً أبعاد التوتر بين روسيا وأوروبا والرهانات الاستراتيجية التي تحيط بالقارة.

تصريحات لافروف.. دبلوماسية تطمينية أم إشارات حرب خفية؟

أكد وهبي أن تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، التي تنص على عدم وجود نية حالية لشن الحرب، تشكل رسائل دبلوماسية تطمينية أكثر منها قرارات استراتيجية فعلية. ورأى الباحث أن هذه التصريحات لا تعكس موقف بوتين المباشر، بل هي رسائل موجهة لمن يريد سماعها، على غرار ما يفعله الدبلوماسيون في الأمم المتحدة.

وأشار إلى أن روسيا سبق وأن شنت حربين خلال عهدين مختلفين للرئيسين الفرنسيين ساركوزي وماكرون، ما يعكس نهج موسكو في رفع سقف التهديدات، وجعل الأوروبيين يذهبون بعيداً في برامج العسكرة، والتي تتطلب سنوات من التنفيذ لتصبح فعالة. كما لفت إلى أن روسيا نجحت في استعادة جزء من قوتها العسكرية واحتلال أراضٍ في أوكرانيا، ما يعكس استمرار موسكو في استراتيجيتها القائمة على القوة كأداة أساسية في تحقيق مصالحها.

مصالح أوروبا وأوكرانيا.. علاقة استراتيجية وليست مجرد دعم سيادي

تطرق الباحث إلى أن دفاع أوروبا عن أوكرانيا لا يقتصر على حماية سيادة الدولة، بل يرتبط بمصالح استراتيجية، خصوصًا في مجالات الطاقة والتجارة. وأوضح أن دول أوروبا الشرقية، من بولندا ودول البلطيق إلى بلغاريا ورومانيا، تضغط على الاتحاد الأوروبي لضمان دعمها الأمني والعسكري، نظرًا لما تعتبره تهديداً مستمراً من موسكو.

وأوضح وهبي أن روسيا تسعى عبر تهديداتها المستمرة إلى إعادة تشكيل نفوذها الإقليمي، مستوحاة من تصورها الخاص لما كان يُعرف بـ”الاتحاد السوفياتي”، مع التأكيد على أن مفهوم القوة هو الأداة الوحيدة التي يفهمها الرئيس بوتين في إدارة الملفات الدولية.

الأصول الروسية المجمدة.. محور التوتر الاقتصادي

تناول الباحث ملف الأصول الروسية المجمدة في أوروبا، مشيرًا إلى أن فرنسا وبريطانيا وبلجيكا سيطرت على ممتلكات الأوليغارش المقربين من بوتين، واستخدمت جزءاً من هذه الأموال لدعم أوكرانيا عسكرياً. وأوضح أن هناك جدلاً داخل الاتحاد الأوروبي حول الأولوية القانونية لاستعمال هذه الأموال، وما إذا كان يجب استخدام الأصول نفسها أو فوائدها لدفع تكاليف الحرب، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً إذا لم يتم الاتفاق على آلية واضحة، بحسب تهديدات بوتين ولافروف وميدفيديف.

وأشار وهبي إلى أن التعامل القانوني مع هذه الأموال يمكن أن يمنع نشوب حرب مباشرة، مع إمكانية مطالبة روسيا لاحقًا بحقوقها القانونية إذا تم التوصل إلى اتفاق سلام، مؤكدًا أن هذا الملف سيظل نقطة حساسة في أي مفاوضات مستقبلية.

الناتو بين الشراكة والتهديد

سلط وهبي الضوء على تصريحات ترامب التي تقلل من أهمية أوروبا في حلف الناتو، مشيرًا إلى أن استراتيجية الأمن القومي الأميركي في عهده ركزت على تحميل الدول الأوروبية مسؤولية دفاعها الذاتي، مقابل تهديد بسحب الدعم العسكري.

وأشار الباحث إلى أن هذا النهج يفرض على أوروبا خيارين رئيسيين: إما تعزيز قدراتها العسكرية والاكتفاء بأمن ذاتي بعيدًا عن الهيمنة الأميركية، أو إعادة النظر في شراكاتها التقليدية مع الولايات المتحدة، وهو ما يثير تساؤلات حول استقرار الحلف مستقبلاً.

وأكد وهبي أن تصريحات ترامب حول الانتخابات الأوكرانية تعكس ما وصفه بـ”مهزلة طبيعية”، مشيرًا إلى أن خلفية بوتين العسكرية تجاه أوروبا تتقاطع مع هذا النهج الأميركي، مما يزيد من تعقيد الحسابات الاستراتيجية الأوروبية.

البحث عن ضمانات أمنية

ختم الباحث بالإشارة إلى الاجتماعات المرتقبة بين الشركاء الأوروبيين الرئيسيين وأوكرانيا، والتي تهدف إلى وضع خطة لضمان الأمن الأوروبي والأوكراني، مع محاولة التوفيق بين التهديدات الروسية والمصالح الأوروبية، وسط مراقبة دقيقة لأهداف بوتين في إعادة تشكيل النفوذ الروسي على الساحة الدولية.

وأكد أن الأزمة الأوكرانية لن تنتهي بمجرد التهديدات أو العقوبات، بل تتطلب موازنة دقيقة بين القوة العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، مع ضرورة تحقيق توازن بين الأمن الأوروبي ومصالح أوكرانيا، في ظل متغيرات سريعة في السياسة الدولية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version