خاص10 أخطاء قاتلة تقود الشركات الناشئة إلى الفشليمثّل تأسيس شركة جديدة، مغامرة محفوفة بالمخاطر. فعلى الرغم من الحماسة التي ترافق البدايات، يصطدم رواد الأعمال سريعاً بواقع مليء بالأخطاء القاتلة، التي قد تُطيح بمشاريعهم قبل أن تخطو أولى خطواتها نحو النمو الحقيقي.وتنعكس هذه المخاطر بوضوح في الأرقام، إذ تُظهر دراسة أجراها الدكتور روبرت فيرلي، الأستاذ المرموق في السياسة العامة والاقتصاد بجامعة كاليفورنيا – لوس أنجلوس، أن نصف الشركات الجديدة فقط تنجح في البقاء لعامين، بينما لا يصمد سوى ثلثها حتى السنة الخامسة.
وهذه الأرقام دليل صارخ على أن بيئة ريادة الأعمال لا ينجو فيها إلا من يمتلك رؤية واضحة وإدارة حذرة، وقدرة على اتخاذ قرارات استراتيجية في اللحظات المفصلية.
ووفقاً لتقريرٍ نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” واطّلع عليه موقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، فإن الضغوط على مؤسسي الشركات الناشئة تتزايد بشكل لافت، إذ بات فهم الأخطاء القاتلة التي تدفع بالمشاريع نحو الفشل، واحداً من أهم العناصر لحماية أي مشروع من الانزلاق نحو نقطة اللاعودة، ولذلك حدد الخبراء مجموعة من العوامل المحورية التي يجب على كل رائد أعمال التنبه منها، والتي هي كالآتي:
العناد المفرط
العناد المفرط يُعد أحد الأسباب الرئيسية لفشل الشركات الناشئة، فالكثير من رواد الأعمال يتمسكون بأفكارهم ورؤيتهم بشكل صارم، حتى عندما تُشير البيانات أو نصائح الخبراء، إلى ضرورة تعديل المسار.
والعناد المفرط يمنع رواد الأعمال من الاستماع لوجهات نظر أخرى، ويحد من قدرتهم على التكيف مع التغيرات في السوق، حيث تكون النتيجة غالباً قرارات غير مدروسة تؤدي إلى انهيار المشروع بالكامل.
عدم القدرة على التحوّل
إن عدم القدرة على التحوّل تشكّل عقبة كبيرة أمام الشركات الناشئة، فالأحداث غير المتوقعة مثل الأوبئة والركود الاقتصادي، أو تغيّر أذواق المستهلكين يمكن أن تهدد بقاء المشاريع الصغيرة.
ولكن الفارق يكمن في كيفية استجابة رواد الأعمال لهذه التحديات، فعلى سبيل المثال، فرضت عمليات الإغلاق بسبب كوفيد-19 ضغوطاً شديدة على الشركات التي اعتمدت على المبيعات المباشرة، في حين تمكنت شركات أخرى من الصمود عبر تبني استراتيجيات مرنة مثل التوصيل المنزلي والتحول إلى التجارة الإلكترونية. والنتيجة كانت أن الشركات التي لم تتكيف بسرعة غالباً ما انتهى بها المطاف إلى الانهيار.
الصدمات الخارجية
تُعد الصدمات الخارجية من أكبر التحديات التي تواجه الشركات الصغيرة، إذ تمتلك هذه الشركات عادة رأسمالاً ضعيفاً يجعلها أقل قدرة على الصمود أمام الاضطرابات الاقتصادية أو التغيرات المفاجئة في السوق. فمع كل ركود أو تقلب مفاجئ في الأسعار، تجد الشركات الصغيرة صعوبة في تعديل استراتيجياتها بسرعة، سواء من حيث المخزون أو الموردين أو غيرها من العناصر المؤثرة. وهذا الضعف النسبي يجعلها أكثر عرضة للفشل مقارنة بالشركات الكبرى التي تتمتع بمرونة ورأسمال أكبر للتعامل مع الصدمات غير المتوقعة.
عدم وجود سوق للمُنتج
إن عدم وجود سوق واضح للمنتج، يعد أحد الأسباب الرئيسية لفشل الشركات الجديدة، فحتى لو كان المنتج الذي تطرحه الشركة الجديدة مبتكراً أو جذاباً، إلا أن غياب قاعدة عملاء واضحة مستعدة للشراء، يعني أن المشروع لن يحقق الإيرادات المطلوبة للبقاء. ويرجع السبب في هذه المشكلة إلى أن العديد من رواد الأعمال يترددون في إجراء دراسة معمقة للسوق، لأنها تتطلب وقتاً وجهداً وموارد مالية قد لا تتوافر لديهم.
صعوبة الحصول على رأس المال
تُعد القدرة على تأمين رأس المال أحد أبرز التحديات التي تواجه الشركات الجديدة، إذ يحتاج رواد الأعمال إلى وقت طويل لبناء قاعدة عملاء وتحقيق إيرادات ثابتة، وفي هذه الفترة يمكن لاحتياطيات السيولة النقدية أن تُغلق هذه الفجوة. ولكن الحصول على تمويل ليس بالأمر السهل، خصوصاً للشركات الصغيرة التي تفتقر إلى سجل مالي قوي أو ضمانات يمكن تقديمها للمُقرضين. وقد أظهر استطلاع أجراه الاحتياطي الفيدرالي لمنظمات الأعمال الصغيرة، وكذلك أبحاث مركز مورهاوس للابتكار وريادة الأعمال، أن صعوبة الوصول إلى الائتمان تُشكل أحد أكبر المخاطر التي تهدد استمرارية المشاريع الناشئة.
الشغف المفرط
على الرغم من أن الشغف يعد من العوامل الأساسية التي تدفع رواد الأعمال إلى النجاح، إلا أن الإفراط فيه قد يتحول إلى عامل خطر يهدد استمرارية الشركة، فالشغف المفرط يجعل صاحب المشروع يركز فقط على أفكاره ورؤيته الشخصية، دون تقييم واقع السوق أو الاستماع إلى نصائح الخبراء.
صراع الشركاء
يمثل الصراع بين الشركاء أحد أبرز الأسباب التي قد تؤدي إلى فشل الشركات الناشئة، فعندما تعجز الأطراف عن الاتفاق على قرارات استراتيجية مهمة، مثل الاستثمار في فرع جديد أو تبني مشروع مبتكر، قد يتوقف سير العمل وتضعف معنويات الفريق، مما ينعكس سلباً على نمو الشركة.
من ناحية أخرى، فإن غياب أي صراع قد يكون ضاراً بالمثل، فالشركة التي تتجنب مناقشة القضايا الصعبة تفقد القدرة على التكيف والنمو، إذ يخشى الشركاء إثارة أي موضوع قد يؤدي إلى نزاع، فيتجمد التفكير الاستراتيجي ويصبح الفريق غير قادر على الابتكار.
ويكمن الحل في إيجاد “المنطقة المعتدلة” للصراع الصحي، حيث يُسمح بالنقاش المفتوح والبنّاء مع وضع حدود واضحة تمنع التصعيد. وهذا النوع من الصراع المدروس يعزز اتخاذ القرارات الذكية ويحفز الابتكار، ويزيد من قدرة الشركة على الصمود أمام التحديات.
نقص الخبرة
إن نقص الخبرة من أبرز الأسباب التي تؤدي إلى فشل المشاريع الناشئة، فالعديد من رواد الأعمال يدخلون السوق بحماسة وأفكار مبتكرة، ولكن دون الخبرة الكافية في الإدارة، التسويق، التمويل، أو حتى فهم سلوك العملاء، حيث يُصبح من الصعب اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب.
والشركات التي يفتقد مؤسسوها للخبرة غالباً ما تتأثر بسرعة بأي أزمة، سواء كانت مالية أو تشغيلية، مما يزيد احتمال انهيارها.
النمو السريع جداً
قد يبدو التوسع السريع للشركات الجديدة مؤشراً إيجابياً على النجاح، لكنه غالباً ما يحمل مخاطر كبيرة، فالتوسع السريع جداً، سواءٌ من خلال شراء معدات باهظة أو افتتاح فروع متعددة أو حتى توظيف عدد كبير من الموظفين دفعة واحدة، قد يرهق البنية التحتية للشركة ويزيد الضغوط المالية والإدارية عليها.
والشركات التي تتوسع بسرعة دون تخطيط سليم، غالباً ما تواجه مشاكل في جودة المنتج، وفي كثير من الحالات، يؤدي هذا الضغط المتزايد إلى انهيار الشركة.
العمل الفردي
يظن بعض رواد الأعمال أن النجاح يبدأ وينتهي بفكرة فردية، وأن العمل بمفردهم هو الطريق الأسرع للتحكم الكامل بالمشروع. ولكن الواقع يثبت العكس، فغياب فريق عمل قوي حول رائد الأعمال، يجعل الشركة أكثر عرضة للفشل.
وقد أظهرت الدراسات أن الشركات التي يديرها أكثر من شخص، خصوصاً الشركاء المتوافقون في الرؤى والقيم، تحقق معدلات نجاح أعلى، فوجود شريك أو فريق يعني توزيع المسؤوليات، تقليل الإرهاق الشخصي، وإمكانية التكيف مع التغيرات بشكل أسرع، ومن دون هذا الدعم، يصبح رائد الأعمال وحده مسؤولاً عن كل التحديات، ما يزيد احتمالية الوقوع في أخطاء استراتيجية قد تنهار على إثرها الشركة قبل أن تحقق النمو المتوقع.
ركائز نجاح الشركات الجديدة
ويقول دانيال البنا وهو محلل أسواق مالية، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن عالم ريادة الأعمال يتسم بالمنافسة الشديدة وسرعة تغير الأسواق، لذلك فإن مجرد امتلاك فكرة جيدة لا يكفي، حيث أن نجاح الشركات الجديدة يعتمد على مجموعة من العناصر الجوهرية التي تضمن استمراريتها في السوق، فمثلاً على أي شخص يسعى لتأسيس عمل في مجال معين، أن يبدأ بدراسة السوق جيداً لمعرفة من هم منافسيه وكيف وضعوا أنفسهم في السوق، وما هو حجم السوق المتاح، كما يجب تقييم قدرة السوق على استيعاب المنافسة، معتبراً أن النجاح يتطلب تبني منظور واقعي يضمن بناء حصة سوقية مستدامة.
ويؤكد البنا أن نجاح الشركات الجديدة يعتمد على عدة عناصر أساسية، منها مراقبة التدفقات النقدية وضبط المصاريف بعناية، مع تجنب التوسع السريع الذي قد يتجاوز قدرة المشروع على التحمل، كما يجب مراقبة تطورات السوق باستمرار، مع التحلي بالمرونة والابتكار لتعديل المنتج، بما يلبي احتياجات العملاء المتغيرة، مشدداً على أهمية قيام رواد الأعمال ببناء شبكة علاقات قوية مع المستثمرين والموردين والشركاء، إذ تساعد هذه العلاقات على فتح فرص جديدة للنمو وتعزز استدامة المشروع.
ويرى البنا أن الاعتماد على العمل المنفرد، يزيد بشكل كبير من احتمالية فشل الشركات الناشئة، إذ يضطر المؤسس لتحمل جميع المهام، بدءاً من تطوير المنتجات وصولاً إلى المبيعات والإدارة المالية، ما قد يؤدي إلى الإرهاق وارتكاب أخطاء جسيمة، خصوصاً عند اتخاذ القرارات الحاسمة، لذلك فإنه من الضروري على رائد الأعمال الاستعانة بخدمات خارجية في مجالات مثل المحاسبة والتسويق، دون الحاجة لتوظيف فريق دائم، ما يُسهم في تقليل التكاليف وتحقيق إدارة أكثر فعالية.
ويعتبر البنا أن النمو السريع وغير المنطقي، وغير المبني على قواعد متينة، يمكن أن يؤدي إلى انهيار سريع لدى الشركات الجديدة، ولتجنب هذا الفشل يجب اعتماد نهج تدريجي للنمو يستند إلى قدرات الإنتاج والموارد المالية المتاحة، إضافة إلى تقوية الإدارة الداخلية للشركة من خلال وضع سياسات واضحة وإجراءات تشغيل ثابتة، وكذلك اختبار السوق بشكل مستمر لضمان أن التوسع يواكب الطلب الفعلي.
النجاح ليس صدفة
بدوره يقول خبير الإدارة المالية زاهر حمصي، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إنه من المعروف منذ زمن طويل أن أغلب الشركات الجديدة لا تنجح في الاستمرار، وهذه القاعدة تُعد جزءاً راسخاً من واقع ريادة الأعمال حول العالم، فالمشاريع الناشئة تواجه بطبيعتها مجموعة كبيرة من التحديات تؤدي إلى سقوطها منذ اللحظة الأولى لتأسيسها، في حين أن الشركات التي تنجح، غالباً ما تشترك في عناصر أساسية أبرزها التخطيط الواقعي وإدارة المخاطر بحكمة، والقدرة على التكيف السريع مع المتغيرات.
ويضيف حمصي أن الصورة قد تبدو قاسية بالنسبة للذين يفكرون في إنشاء مشروع جديد، إلا أن فهم هذه الحقيقة يساعد رواد الأعمال على معرفة ما سوف يقدمون عليه، وبالتالي اتخاذ خطوات أكثر حكمة، مثل الاستثمار في التخطيط الاستراتيجي وبناء فرق قوية وإدارة الموارد بذكاء، والتعامل مع السوق بمرونة، مشدداً على أن نجاح الشركات الجديدة لم يكن يوماً نتيجة الصدفة، بل هو مزيج من الانضباط والابتكار والقدرة على مواجهة التحديات المتكررة.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version