إعداد: معن خليلأصبح الكيني إيليود كيبتشوج أول عداء في التاريخ ينزل تحت حاجز الساعتين في سباقات الماراثون، عام 2019، بقطعه المسافة بزمن قدره ساعة و59 دقيقة و40 ثانية في سباق غير رسمي في مدينة فيينا.ونجح كيبتشوج بفضل مساعدة جيش من «العدائين الأرانب»، بمحو رقمه العالمي السابق بنحو دقيقتين (2:01.39 ساعة) والذي كان سجله في برلين عام 2018.وفي سباقات الماراثون أثار العداء الكيني سامي وانجيرو الجدل حول مهمة الأرانب عندما أنهى ماراثون لندن في 2009 في المركز الأول بزمن مقداره 61 دقيقة و35 ثانية، ووفقاً لمعلقي محطة «بي بي سي» تسبب الجري السريع للأرانب الـ3 في الماراثون بفقدان المتسابق الكيني مارتن ليل فرصة تسجيل رقم عالمي.لكن من هو «أرنب السباق» وماهو دوره التحفيزي وهل يسهم في تحقيق الأرقام القياسية؟بالتأكيد فإن لـ«أرنب السباق» دوراً تحفيزياً كبيراً للفوز، فعندما حطم العداء الكيني ديفيد روديشا عام 2010 الرقم القياسي لسباق 800 م، لم يكن ليصل إلى رقمه لولا دور «الأرنب» الذي لعبه مواطنه سامي تانجوي، ليتأكد أكثر مدى أهمية هذه الوظيفة في المسافات المتوسطة والطويلة لمنافسات ألعاب القوى.ومصطلح «أرنب السباق» قديم التداول وعرف منذ 68 عاماً في منافسات ألعاب القوى، قبل أن ينتشر ويصبح شائعاً في رياضات أخرى ويصل حتى إلى السياسة، حيث يستعمل بوتيرة متصاعدة في الانتخابات رئاسية كانت أو نيابية للدلالة على المرشحين الذين يتقدمون للسباق الديمقراطي ليس من أجل الحصول على مقعد أو ما شابه بل ليفسحوا المجال أمام آخرين للفوز، ضمن لعبة تتطلب الكثير من الذكاء والحنكة.دقات القلبوتكمن أهمية «الأرنب» في أنه ثبت علمياً ولاسيما في السباقات المتوسطة ( 800 و1500 و5 آلاف م) أن العداء عندما يرى هدفاً أمامه أو «منافساً وهمياً» تزيد سرعته نحو 15 % من قوته الأصلية، لذلك كان من المفيد تواجد «المحفز» للوصول إلى أرقام لم تكن لتتحقق دون اختراع وظيفة «بيس ميكر».تاريخياً، فإن من يقوم بدور «المحفز» خلال المنافسات المختلفة يطلق عليه بالإنجليزية اسم «بيس ميكر» الذي يعني «منظم دقات القلب»، وقد ترجم رياضياً إلى مصطلح «أرنب السباق»، في إشارة إلى العداء الذي يقوم بقيادة السباق منذ البداية بخطوات سريعة بهدف تحفيز بقية العدائين ودفعهم إلى الركض بسرعة أكبر كما هي حال «منظم دقات القلب»، مما يساعد على رفع الإيقاع وإتاحة الفرصة للعداء الذي يفوز في النهاية بتسجيل رقم عالمي جديد.ويلجأ منظمو السباقات الكبرى لاسيما في منافسات الماراثون إلى الاستعانة بـ«الأرانب» من أجل المساعدة على تحطيم الأرقام القياسية السابقة، الأمر الذي يعطي شهرة لبطولاتهم، وقد يكون الاتفاق كذلك بين أحد العدائين المشاركين و«الأرنب» لإلهاء المنافسين المفترضين وسحبهم للجري وراءه كي يستنفذوا جهدهم، في هذا الوقت يكون المرشح الرئيسي يتقدم ببطء ثم يسرع خطواته في الأمتار الأخيرة وصولاً للفوز والصعود إلى منصة التتويج.وباختصار فإن «أرنب السباق» هو من يفتح الطريق لفوز الأبطال الحقيقيين، وهو لذلك لا يكون عادة ضمن العدائين المتوقع فوزهم، وتكون مهمته في السباق الانسحاب أوتخفيف سرعته عندما يصل إلى مسافة معينة، واللافت أن قوانين الاتحاد الدولي لألعاب القوى لا تمنع ذلك، مما أوجد حالة من الاعتراض ودعوة إلى منعها، على اعتبار أن ذلك يسهم في وجود نوع من المنافسة غير الشريفة.ويتقاضى «العداء الأرنب» أموالاً مقابل هذه الوظيفة التي يقوم بها، ولقد كشف العداء المغربي السابق هشام الكروج الذي كان يعتبر أحد أبرز العدائين الذين يستعينون بـ«الأرانب» أن الـ«بيس ميكر» يكلف 30 ألف دولار في السباق الواحد.وجاء كشف الكروج عن المبالغ التي يحصل عليها «الأرانب» بعد فوزه بذهبية مسافة 1500 م في بطولة العالم عام 2003 في باريس حيث حقق الانتصار بدون مساعدة، وهو برر ذلك بالقول: «كان الجميع يظن بأني سأستعين بأرنب لكن ذلك كان سيكلفني 30 ألف دولار، وأنا أفضل أن أمنح هذا المبلغ للفقراء في المغرب، كما كنت أريد أن أبرهن للجميع على أني لست بحاجة إلى أحد كي أفوز».البداية بريطانيةشاعاستخدام «الأرانب» بعد فوز البريطاني الشهير روجر بانيستر عام 1954 بذهبية سباق الميل (1609 م ) وحطم الرقم القياسي، وكان أول عداء في التاريخ ينزل تحت حاجز 4 دقائق في هذه المسافة بعدما سجل 3دقائق و59 ثانية.ولم يكن لبانيستر أن يحقق كل ذلك لولا المساعدة التي قدمها كريس برايشر وكريس شاتواي وهما من بريطانيا أيضاً، حيث قاما بدور «الأرنب» تاركين لمواطنهما الفوز في النهاية بعدما ساهما في إسراع وتيرة السباق.وبعد حادثة ملعب أوكسفورد في لندن التي كان بطلها بانيستر، أصبحت «الأرانب» وظيفة تساهم في تحسين أرقام العدائين، وكتب الكثير عن قصص العدائين الذين ارتضوا لأنفسهم أن يقوموا بأدوار هامشية في سبيل مجد أبطال آخرين.ومنذ العام 1981 خصوصاً أصبحت «الأرانب» تراثاً يحتذى، رغم أن تلك السنة شهدت حادثة طريفة تعتبر من المفارقات بعدما خسر العداء البريطاني ستيف أوفيت لقب 1500 م رغم أنه كان المرشح الأول للفوز خلال لقاء أوسلو.كان أوفيت الذي يعد مع سباستيان كرو الذي رأس ملف أولمبياد لندن عام 2012 أشهر من مثل بريطانيا في سباقات المسافات المتوسطة وهو سبق له الفوز بذهبية 1500م في دورة الألعاب الأولمبية عام 1980 في موسكو، وعاد وشارك بعد عام في لقاء أوسلو وتم الاتفاق مع العداء الأمريكي توم بيرز أن يكون الأخير «أرنباً للسباق»، لكن ما أن انطلقت المنافسات حتى ركض بيرز خطوات سريعة إلى الأمام ورفض أن يترك أوفيت يفوز ليصعد هو إلى منصة التتويج في مفاجأة من العيار الثقيل.واستفز ذلك المشهد أوفيت الذي علق بعد نهاية السباق بالقول: «لقد كنا نركض مثل المرتزقة».أرانب عربيةوبما أن منافسات المسافات المتوسطة شهدت سيطرة عربية في بداية الثمانينات، كان من الطبيعي أن تتم الاستفادة بالحد الأقصى من «أرانب السباق» الذين تألفوا من عدائين عرب وخصوصاً من المغرب، باعتبار أن أبطال المملكة المغربية تواجدوا بكثافة في مثل هذا النوع من السباقات، مما أفسح لهم المجال لاتباع التكتيك المناسب الذي يسمح لأحدهم بالصعود إلى منصة التتويج.كما أن عدائين عرب آخرين ساهموا في انتصارات أشقاء لهم من دول عربية، وكان المغربي الأسطورة سعيد عويطة أحد الذين استفادوا من «الأرانب» في طريقه للفوز بذهبية 5 آلاف م في أولمبياد 1984 في لوس أنجلوس وبطولة العالم عامي 1987 في روما و1989، إضافة إلى تسجيل رقم قياسي في سباق 1500 م عام 1985.وقد اعترف عويطة أن البطل السوداني خليفة عمر حامل ذهبية 1500 م في أحد اللقاءات الدولية عام 1985 لعب دوراً كبيراً في الأرقام المميزة التي سجلها، حيث كان يساعده على قيادة السباق منذ البداية بخطوات سريعة تمكنه في النهاية من تحطيم الأرقام القياسية.في حين كان المغربي محمد التافي بطلاً لقضية ما أسمته صحافة بلاده قديماً «فضيحة التافي» حين اتهمته بأنه لعب دور «الأرنب» للجزائري مرسلي الذي توج بلقب بطولة العالم عام 1993 وارتضى أن يكون هو في المركز الثامن، في أكبر تراجع لألعاب القوى المغربية التي كانت تشهد نمواً مستمراً وسيطرة مطلقة على المسافات المتوسطة في ذلك الوقت.وقد ذكرت الصحافة المغربية صراحة أن سعيد عويطة العداء السابق هو من أقنع التافي بلعب دور «الأرنب» بعدما رأى أن فرصة مرسلي في الفوز أكبر، وكان من الطبيعي أن يسعى لأن يبقى اللقب عربياً.رسالة الكروجوفي نفس الاتجاه، لم يكن غريباً أن يوجه المغربي هشام الكروج في رسالة متلفزة عقب إعلانه الاعتزال عام 2006 الشكر إلى كل من ساهم في تحقيقه لانتصاراته التاريخية وذكر في مقدمتهم زملاءه في السباقات خصوصاً «الأرانب» منهم الذين ساعدوه خلال مسيرته الرياضية، إضافة إلى مدربيه والأطباء الذين أسهموا في علاجه من الإصابات.ويعد الكروج العداء التاريخي للمسافات المتوسطة بعدما كان أول من يجمع بين ميداليتي سباقي 1500 م و5 آلاف م خلال أولمبياد أثينا عام 2004، كما توج بطلاً للعالم في 1500 م 4 مرات متوالية من عام 1997 حتى 2003.ويقول الجزائري نور الدين مرسلي الذي يحمل في رصيده سبعة أرقام قياسية في سباق 1500م داخل القاعة وفي الميدان إضافة إلى فئات 1500 و3 و5 آلاف م وبطل أولمبياد أتلانتا عام 1996 إنه كان بإمكانه أن يحقق أرقاماً خيالية أكثر لو استفاد من مساعدة «الأرانب» كما فعل المغربي الكروج.وينظر إلى الكروج على نطاق واسع أنه أكثر من أتقن لعبة مساعدة «الأرانب»، من هنا أطلق على العداء المغربي الحسين بنزركنيات تسمية «أرنب سباقات وتدريبات الكروج».اصطياد الأرنبكما لعب عداؤون مغاربة دوراً مهماً في مسيرة الكروج ومنهم سعيد المنحدر وإبراهيم لحلافي وعادل الكوش الفائز بفضية 1500 م في بطولة العالم عام 2005.وكان لكل واحد من هؤلاء قصة، لكن يبقى أشهرها لعادل الكوش الذي أوقف من قبل الاتحاد الدولي عام 2007، لتضع صحيفة «البايس» الإسبانية عنواناً «اصطياد الأرنب»، في إِشارة إلى واقعة بطولة العالم عام 1999.وقالت الصحيفة آنذاك إن «الكوش يعرفه الإسبان جيداً لأنه حرم نجمهم في مسافة 1500م رييس استيفيس من ذهبية مونديال 1999، إذ لعب دور أرنب السباق لهشام الكروج مما أربك خطة العدائين الإسبان بقيادة فيرمين كاتشو، حيث كانوا يجهلون كل شيء حول هذا العداء الموهوب في ذلك الوقت، ليتوج الكروج بالذهب وتذهب البرونزية إلى رييس.استفادة الأسطورةأسطورة الماراثون الإثيوبي هايلة جبرايسلاسي استفاد هو الآخر من 3 أرانب ليصنع رقمه القياسي في برلين عام 2007 في طريقه لكسر الرقم السابق للعداء بول تيرجات، ومن بينهم مواطنه أشيتو نديمو الذي يعرف بأنه أحد أفضل العدائين الأرانب، والكيني كيروي أبيل الفائز بلقب بطولة العالم في كوريا الجنوبية عام 2011 وكان قبلها نال ذهبية بطولة برلين عام 2009.وإضافة إلى كيروي، هناك الكثير من “الأرانب” التي تحولت لاحقاً من وجودها على الهامش إلى لعب دور البطولة مثل الإثيوبي أشيتو نديمو، الذي ظهر لأول مرة كعداء متوج في ماراثون دبي عام 2009 حين احتل المركز الثالث.أما العداء الكيني جون موريثي فقد أحرز لقب سباق لندن الخيري عام 2008 بعدما كان قبل أسابيع من انتصاره ضمن الأرانب المشاركة في نصف ماراثون ريكايفيك في إيسلندا.أما أشهر قصة فائز فتعود إلى الأمريكي بول بيلكينيغتون عندما دخل إلى منافسات ماراثون لوس أنجلوس عام 1994 كأرنب للسباق، لكنه وجد نفسه في النهاية يركض بسرعة طمعاً بالفوز بالجائزة المالية التي بلغت 27 ألف دولار إضافة إلى سيارة المرسيدس التي قدمت له كهدية.جدل لا ينتهيأخيراً، إذا كان هناك من يرى أن “الأرانب” تزيد سرعة السباقات وإثارتها وتعطي الأرقام القياسية مبرراً لوجودها، فإن المنتقدين ظهروا بكثرة، وكان ما حصل في ماراثون لندن عام 2009 عينة لذلك عندما فاز الكيني سامي وانجيرو بالمركز الأول دون أن يحقق أي رقم جديد، وإذ بالصحفيين يلحون عليه بالإجابة عن «أرانب السباق» الذين اتهمهم بأنهم لم يكونوا على قدر الآمال المعلقة عليهم من حيث الجدية والسرعة، مما أسهم في فشله بتحقيق الرقم المتوقع منه.وقال وانجيرو ساخراً: كانوا يركضون ببطء، وكنت أريد منهم الجري بوتيرة أعلى، ربما في المرة القادمة سنحصل على أرانب أفضل.ثم تابع رداً على سؤال آخر: يجب على الأرانب أن تتوقف عندما تصل إلى مسافة 35 كلم، وإذا أكملت فإنها قد تفوز بالسباق.الرد الأخير كان مستفزاً لوسائل الإعلام، على اعتبار أنه لا يمكن لعداء يشارك أن يتوقف عن العدو لمجرد أن من وظفه بمهمة «الأرنب» طلب منه ذلك، هذا عدا أن من يقوم بذلك يتقاضى أموالاً وترسم له خطة في أي مسافة يسمح له بالركض السريع وأخرى يجب أن يخفف من ذلك.ولقد أعدت صحيفة «الجارديان» البريطانية تقريراً مطولاً عن «الأرانب» مستعيدة ما حصل مع العداء روجر بانيستر عام 1954، واعتبر الكاتب بات بوتشر أن «ذلك كان من أسوأ الأمور التي حدثت في تاريخ ألعاب القوى، وهي مثل آفة المنشطات التي يريد العداؤون أن يصبحوا من خلالها أسرع وأقوى».ولقد بحث الاتحاد الدولي لألعاب القوى إلغاء وظيفة الأرانب لكنه لم يتوصل إلى نتيجة رغم تأكيده أنه «لايشجع عليها.. لكن القوانين تسمح بها».ولقد شرع بعض المنظمين في إلغاء وظيفة أرانب السباق مثل ما حدث في ماراثون نيويورك سيتي، مع العلم أن ماراثون بوسطن القديم جداً يرفض ذلك منذ انطلاقه لأول مرة عام 1897.خيول تتقمص دور الأرانبلا يقتصر دور «الأرانب» على منافسات ألعاب القوى فقط، إذ إن رياضة سباقات الخيول تشهد أيضاً هذا النوع من المهنة، مع اختلاف أن من يلعب هذا الدور هم الخيول أنفسهم الذين يتحولون في مدة زمنية معينة إلى «أرانب».ويتم إدخال خيول سباق من المفترض أن تكون متواضعة ولا تملك حظوظاً كبيرة في الفوز لتشجيع خيول من نفس الإسطبل للجري بسرعة في المضمار وتحفيزها على صنع الانتصارات.لكن في بعض الأحيان تحدث مفاجآت، إذ إن «الأرنب» قد يفوق البطل المنتظر قوة وسرعة، كما حدث عندما أنهى الخيل «إنديان سكمر» سباق «إيكليبس ستيكس» عام 1989 متأخراً قليلاً عن إحدى الخيول في فريقه الذي لعب دور الأرنب، وهو نفس الأمر الذي تكرر في سباق «إبسوم ديربي» عام 2010 حين تقدم الأرنب على المرشح الرئيسي.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version