خلص تقرير صحافي مطوَّل نشرته جريدة “الغارديان” البريطانية إلى أن الاقتصاد العالمي يشهد جملة من التغيرات الجوهرية التي ستؤدي إلى تحول جذري وكبير في مساره، وذلك بعد عامين من الفوضى الكبيرة التي شهدها الاقتصاد إثر جائحة كورونا وتداعياتها، والإجراءات الصينية الصارمة التي أضرت بالعالم، وصولاً الى الحرب الروسية الأوكرانية التي أحدثت جملة من الأزمات الجديدة.وقال التقرير إنه “أصبح من الواضح أن الاضطرابات التي حدثت في العامين الماضيين باتت تحفز على تغييرات جوهرية في الاقتصاد العالمي يمكن أن يكون لها تأثيرات أكثر عمقاً على حياتنا”.وعقدت لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية الحكومية في الولايات المتحدة قبل أيام جلسة استماع لفحص كيفية تخفيف اعتماد أميركا على قاعدة التصنيع الضخمة في الصين للسلع وقطع الغيار والمواد من جميع الأنواع، وهو ما يعني أن اقتصادات وأسواق عملاقة بدأت تبحث في كيفية التخلي عن الصين وتقليل الاعتماد عليها واللجوء إلى التصنيع المحلي بدلاً من الاستيراد من الصين.

ويتنامى القلق في الولايات المتحدة بشأن الاعتماد على الصين منذ سنوات، وهو ما أدى إلى حرب الرسوم الجمركية التي شنها الرئيس السابق دونالد ترمب على المنتجات الصينية، لكن الاضطرابات الوبائية – التي لا تزال مستعرة بفضل استراتيجية الصين الصارمة تجاهن كورونا – دفعت إلى إعادة التفكير بشكل كبير في الكيفية التي ينبغي أن تنظم بها الشركات نفسها.كما دفعت الى الاعتقاد بأن هناك حاجة أساسية لجعل الاقتصادات الغربية أقل اعتماداً على الصين وغيرها من مراكز التصنيع البعيدة.وقال الرئيس الأميركي جو بايدن، في افتتاح قمة الأميريكتين مساء الأربعاء الماضي، إن المنطقة يجب أن تستثمر في ضمان أن تكون سلاسل التوريد أكثر أماناً وقدرة على الصمود.وتقول “الغارديان” في تقريرها، إن إدارة بايدن أصدرت بالفعل تشريعات لإنشاء صندوق قيمته 250 مليار دولار لتعزيز تصنيع الولايات المتحدة لرقائق الكمبيوتر، وكان النقص فيها من أولى العلامات المرئية للمشاكل في أعقاب الإغلاق الوبائي للمصانع في الشرق الأقصى.كما تصرفت شركة سامسونغ في كوريا الجنوبية أيضاً بالطريقة ذاتها من خلال الإعلان عن مصنع رقاقات بقيمة 17 مليار دولار سيتم بناؤه في تكساس، حيث تهدف الشركة إلى تخفيف مشكلة إمداد العملاء الأميركيين من قواعد التصنيع في شرق آسيا.وقال مؤسس ورئيس مبادرة “إعادة التوطين” في الولايات المتحدة، هاري موزر، إن “التفاوت المتزايد والعجز الحكومي والحاجة إلى تأمين خطوط إمداد دفاعية تجعل إعادة الصناعة إلى الوطن أمراً ضرورياً”.وأضاف أن الإصلاحات اللازمة لإصلاح المشكلة تشمل قوة عاملة أفضل تدريباً واستثمارات أكبر من قبل الشركات.وفي بريطانيا، وجد استطلاع حديث لتجار التجزئة أن 87% ممن شملهم الاستطلاع لا يعتقدون أن الأمور ستعود إلى ما كانت عليه قبل بدء الأزمة وأن التكاليف لن تعود إلى المستويات التي كانت عليها قبل الوباء، بحسب ما نقلت “الغارديان”.وقال مدير وحدة السياسات في مجموعة الأعمال البريطانية (CBI)، جون فوستر، إن تجار التجزئة يرون تحديات “متوسطة وطويلة الأجل” ناشئة عن أزمة سلسلة التوريد العالمية حول المواد والعمالة وسلوك المستهلك المتغير.وأدى استبعاد روسيا من سلاسل التوريد العالمية إلى تفاقم المشاكل الحالية، كما أدى إلى ارتفاع أسعار الطاقة.من جهته، قال الرئيس التنفيذي لشركة (Exiger)، براندون دانيلز، إن الشركات بحاجة إلى مزيد من الشفافية من خلال البيانات مفتوحة المصدر للبحث عن خطوط إمداد بديلة.وأضاف أن “تنويع سلاسل التوريد لدينا أمر بالغ الأهمية لازدهارنا الاقتصادي وأمننا القومي”. وتابع دانيلز: “أعتقد أنك ستشهد تنقيحات جوهرية لنماذج التسليم في الوقت المناسب، مما يؤدي إلى إدارة مستودعات أفضل ومخزونات أطول تخفف من مخاطر نقص المواد”، حسبما نقلت “الغارديان”.وحذر خبير سلسلة التوريد وأستاذ مشارك في كلية الأعمال والقانون بجامعة إديث كوان في غرب أستراليا، فلافيو روميرو ماكاو، في ديسمبر الماضي من أن المشكلات في سلسلة التوريد قد تستغرق عامين آخرين لإصلاحها. وقال “باختصار، لم نخرج من الغابة بعد”.وفي ظل الأوضاع والأزمات الراهنة المتعلقة بسلاسل التوريد والتي أدت الى الارتفاعات الكبيرة في الأسعار وغياب بعض السلع فان جريدة “الغارديان” تخلص الى أن الاقتصاد العالمي يشهد تحولاً جذرياً وستتغير قواعد العمل التي تحكم العالم من الناحية الاقتصادية في الوقت الراهن.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version