ترك المهاجم السنغالي ساديو ماني بصمة كبيرة داخل وخارج الملعب في ست سنوات مع ليفربول الإنجليزي، لكنه اختار تحدياً جديداً بعمر الثلاثين بانضمامه الى العملاق الألماني بايرن ميونيخ.

كان قدومه من ساوثمبتون إلى ليفربول في يوليو 2016 بمثابة المنعطف للاعب وناديه.

بالنسبة لماني، وهو ابن إمام قريته بامبالي بالقرب من نهر كازامانس والحدود مع غينيا بيساو، كان ذلك تتويجاً لمسار طويل وأحياناً مؤلم لبلوغ أعلى مستويات كرة القدم.

بسرعة أصبحت اللعبة أكثر من شغف: طموح وهروب من مصير مرسوم سلفاً.

شرح المهاجم الذي كان يمارس كرة القدم في طفولته بواسطة بعض أنواع الفاكهة ذات الشكل الدائري لعدم وجود كرة فعلية، في وثائقي لقناة راكوتن باسم «ساديو ماني: صُنع في السنغال»: «في القرية يجب أن تكون مزارعاً، لا مهنة أخرى. كان حلم طفولتي أن أدخل التاريخ وأحرز كل الألقاب».

اللاعب الذي خسر والده بعمر صغير،رصده نادي متز الفرنسي من خلال ناد شريك في دكار،حيث نفى نفسه على بعد 400 كلم من مسقط رأسه،فانضم إلى القارة العجوز في عز موسم الشتاء عام 2011 وأصبح لاعباً محترفاً بعمر التاسعة عشرة.

شرح المدير السابق لمركز تكوين متز أوليفييه بيران لوكالة فرانس برس «كان يقوم بأمور استثنائية، كان كريماً ويتصرّف بإيجابية. تقنيته وقدرته على مراوغة الخصوم كانتا من نقاط قوته».

كانت البدايات معقدة بالنسبة للاعب الشاب الذي أخفى إصابة خوفاً من إعادته إلى السنغال.

يوضح بيران لفرانس برس «لم يضع قدماً أمام الأخرى، ولم يُظهر ما يمكنه فعله ولم أفهم لماذا. اعتقدت أن الجو ربما كان بارداً بالنسبة له،لكن في الحقيقة كان السبب معاناته من إصابة في أسفل عضلات البطن.عندما اكتشفنا ذلك،خضع لعملية جراحية وسرعان ما انضم إلى اللاعبين المحترفين وبقي هناك دائماً».

انتقال مصيري

بعد أشهر قليلة صعبة، برزت موهبته، لكن هبوط متز عجّل في انتقاله إلى ريد بول سالزبورغ النمسوي عام 2014 بأكثر من 4 ملايين يورو، وهناك اصبح قادراً على التحدث بالألمانية.

تفجّرت طاقته سريعاً، مضيفاً صرامة تكتيكية وأسلوب لعب بالرأس لم يكن ضمن ميزاته، بالإضافة إلى تعطش مستمر للتقدّم.

تابع المدرب الذي ساهم في تكوين اللاعب البالغ طوله 1.74 م «يبحث باستمرار عن التحسّن. إذا لم يكن جيداً، يشاهد المباراة مجدداً لمعرفة كيفية التطوّر. يملك قدرة على مساءلة نفسه، وهذا الأمر لا يملكه الجميع».

عام 2014، ناداه دوري البريميرليغ المرموق، فحمل في إنجلترا ألوان ساوثمبتون أولاً ثم اصبح عنوان ثاني أكبر صفقة في تاريخ ليفربول، بانتقاله مقابل 37 مليون جنيه إسترليني (43 مليون يورو). في موسمه الأول، سجل أسرع ثلاثية «هاتريك» في تاريخ البريميرليغ (دقيقتان و56 ثانية).

بعد سنة من قدوم البرازيلي روبرتو فيرمينو وقبل سنة من وصول المصري محمد صلاح، ثم تدعيم خط الدفاع بالهولندي فيرجيل فان دايك والحارس البرازيلي أليسون بيكر، دخل في نواة التشكيلة التي أعادت ليفربول إلى قمة الكرة الأوروبية، مع التتويج بدوري الأبطال عام 2019 ثم الدوري الإنجليزي عام 2020 لأول مرة بعد صيام ليفربول مدة ثلاثة عقود.

كانت علاقته مع صلاح ملتبسة دوماً، فبعد انتقاله إلى الجهة اليسرى إثر قدوم الفرعون، ترك الأخير دوماً انطباعاً بأنه يخطف النجومية من زميله المتوج هذه السنة بلقب كأس أمم إفريقيا على حساب مصر والذي حرمها أيضاً من المشاركة في كأس العالم 2022.

لكن الكلمات المؤثرة التي قالها صلاح بحق زميله الراحل عن ليفربول،أزالت أي شك حول علاقة ملتبسة بين الزميلين اللدودين.

انضباط ووقار

يستشهد مدربه الألماني يورغن كلوب دوماً بجديته، تصميمه وكرمه.

يتحلّى ماني بنظام مميز، فتتمحور يومياته حول ثلاث ركائز: كرة القدم، الحفاظ على جسمه ليكون تنافسياً قدر الإمكان والصلاة، إذ يحتل الدين مكاناً هاماً لكن متكتماً في حياته.

في سبتمبر 2018، ظهر في شريط فيديو يساعد في تنظيف حمامات مسجده، بعد ساعات من تسجيله في مرمى ليستر سيتي. كما ظهر يحمل هاتفاً بشاشة مكسورة، ما يدلّ على أولويات مختلفة في حياته، برغم إيراداته الهائلة.

كرمه الفائق واضح في قريته بامبالي حيث يحظى بشعبية لافتة، فهناك افتتح مستشفى قام بتمويله، في يونيو الحالي.

أثار خبر تركه ليفربول ردود فعل حزينة على مواقع التواصل الاجتماعي، إذ وصفه البعض بأنه «أسطورة» في النادي.

لكن بعمر الثلاثين، وبعد أن اهدى بلاده أول لقب قاري في تاريخها ثم بطاقة التأهل إلى مونديال قطر، شعر ماني، العاشق للطبخ وأكل السمك والموسيقى، أن رحلته بالقرب من نهر ميرسي وصلت الى نهايتها.

بدلاً من الانتظار سنة والرحيل حراً وبرغم الاستعدادات لكأس العالم المقررة بعد خمسة أشهر، منح ماني نفسه تحدياً جديداً لإرضاء الطفل في داخله الذي حلم «بالفوز في جميع الألقاب».

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version