كانت الحركات الاجتماعية التقدمية في طليعة التغيير الاجتماعي على الدوام منذ إلغاء الرق في القرن التاسع عشر إلى «حياة السود مهمة» اليوم. ويناقش الكتاب كيفية انخراط هذه الحركات في الحياة السياسية، ويطرح أسئلة حاسمة حول معنى العدالة وكيفية تلبية متطلبات العدالة، وبناء أفق سياسي جديد مفعم بالأمل.

تجادل البروفيسورة ميشيل مودي آدامز، بأن أي شخص مهتم بنظرية أو ممارسة العدالة، أو كلتيهما، يجب أن يسأل عما يمكن تعلّمه من الحركات الاجتماعية. وتستكشف آدامز طبيعة العدالة وما يلزم لخلق مساحة للعدالة في العالم، إذ تعتبر أن الحركات الاجتماعية التقدمية تشكل منابع البحث الأخلاقي وعوامل للتغيير الاجتماعي. وترى أن العدالة الاجتماعية تتطلب إظهار الاحترام الإنساني للآخرين، والجمع بين الرحمة والاحترام الشديد. واستفادت الحركات الناجحة من قوة الخيال التحويلية، وعززت الدافع لتحقيق العدالة وخلق المؤسسات السياسية والسياسات الاجتماعية التي يمكن أن تحافظ عليها من خلال إلهام الأمل السياسي.

  ويطرح الكتاب سؤالاً نادراً ما يطرحه الفلاسفة، وهو: كيف يمكن لفهم أنشطة وأساليب الحركات الاجتماعية التي تسعى إلى تحقيق العدالة أن يساعد في الإجابة على الأسئلة الأساسية المتعلقة بمتطلبات العدالة وتحريك النقاشات المهمة حول ما يلزم لتلبية هذه المطالب؟  ويجادل الكتاب أن ما نتعلمه من الحركات الاجتماعية التقدمية يمكن أن يكون تحويلياً للنظرية الفلسفية وكذلك للممارسة السياسية.

 ويوضح الكتاب بعض الأفكار الأكثر أهمية التي تنبثق من النقد والنضالات التي قامت بها الحركات الاجتماعية التقدمية، ويهدف من ورائها إلى إظهار ما تعنيه تلك الأفكار بالنسبة للتفكير النظري عن طبيعة العدالة، وكيف يمكن لها أن تُعلم الحركات الجديدة والمستمرة التي تسعى إلى تعزيز العدالة.

 لا يشكل هذا الكتاب أول مساهمة في الفلسفة السياسية في معاينة الحركات الاجتماعية على نحو جدي. فقد سبق وأن قدم فلاسفة آخرون مثل ديفيد ليونز (في مواجهة الظلم التاريخي)، وسالي هاسلانجر (عن الحركات الاجتماعية والأيديولوجية)، وكانداس ديلماس (عن واجب المقاومة)، وكريس ليبرون (عن حياة السود مهمة)، مساهمات مهمة في فهم العمل الذي تقوم به العديد من الحركات الاجتماعية. علاوة على ذلك، فإن النظريات الأساسية التي دافع عنها جون راولز حول «العصيان المدني»، وإيريس يونغ حول «سياسات الاختلاف»، تسعى إلى بناء حجج فلسفية من خلال الاعتماد على الأفكار والمثل المهمة المرتبطة بالحركات الاجتماعية.. 

 دور الحركات الاجتماعية

ما يميز هذا العمل هو أنه أول كتاب يتناول النقد والنضال الذي تقوم به الحركات الاجتماعية، وترى المؤلفة أن بعض المعرفة التي تولدها الحركات الاجتماعية مهمة لفهم طبيعة ومصادر العدالة، وطبيعة ومحتوى القيم الديمقراطية الأساسية، وكذلك لتحديد كيف يمكن للعمل الجماعي أن يساعد في تعزيز العدالة والحفاظ على الديمقراطية. وتجد المؤلفة أنه لا يمكننا معالجة الظلم إلا عندما نوسع نطاق اهتمام المجتمع واحترامه بشكل مناسب. وتقول عن ذلك: «للأسف، لم يتم فهم بعض أهم عناصر الاحترام الإنساني بشكل كافٍ من قبل المفاهيم الأخلاقية الفلسفية المألوفة، سواء كانت نفعية، أو كانطية، أو قائمة على الفضيلة، أو تركز على الرعاية، أو تحررية. ويمكنني القول إن الفلسفة الأخلاقية والسياسية لا يمكن أن تبقى من دون تغيير بشكل دفاعي في ضوء هذه الحقيقة».

 وترى أنه في المجتمعات السياسية المعاصرة، يجب على الحركات في كثير من الأحيان تكريس الكثير من جهودها لخلق «مساحة» ثقافية وسياسية للعدالة. ويتضمن هذا الجهد عادة ثلاث مهام ذات صلة: أولاً، يجب أن تقنع الحركات الاجتماعية الناس بأن مجموعة معينة من الظروف تشكل في الواقع ظلماً، وأن الأضرار التي يتعرض لها أولئك الذين يخضعون لها تحتاج إلى المعالجة. ثانياً، يجب إقناع الناس بأن هناك علاجاً معقولاً لهذا الظلم، وأنه من المعقول أن نأمل في تحقيقه. أخيراً، يجب أن يقتنعوا بأنه من الممكن إنسانياً وسياسياً تحقيق أهداف هذا الأمل على صعيد الممارسة. ويستكشف الكتاب الأساليب والأدوات التي قامت بها الحركات الاجتماعية بتنفيذ هذه المهام ونجحت في ذلك إلى حد كبير. ويُظهر أن الحركات الاجتماعية غالباً ما وجدت طرقاً لتوسيع المساحة المفاهيمية والإدراكية للعدالة من خلال الاعتماد على القوى التحويلية للخيال، ولكنها أيضاً عززت في كثير من الأحيان الدافع لتحقيق العدالة من خلال المساعدة في إلهام أمل سياسي حقيقي.

 فهم الحركات الاجتماعية 

 وتؤكد الكاتبة أن الرؤى الناشئة عن الحركات الاجتماعية ضرورية لسد الفجوة بين النظرية المتميزة والممارسة الفعالة، ويجب أن تكون تحويلية للفكر والنشاط السياسي. ويتألف الكتاب من ثلاثة أجزاء هي: الأول: فهم الحركات الاجتماعية. الثاني: الحركات الاجتماعية وقوة الخيال الجماعي. الثالث: الحركات الاجتماعية والأمل السياسي. 

 يتكون الجزء الأول بعنوان «فهم الحركات الاجتماعية»، من ثلاثة فصول تشرح طبيعة الحركات الاجتماعية، وتستكشف العديد من العمليات التي يتم من خلالها التغيير الاجتماعي البنّاء الذي غالباً ما يتم تمكينه. ويؤكد الفصل الأول منه على أن الحركات الاجتماعية البنّاءة هي مساع جماعية غير مؤسسية في «السياسات المثيرة للجدل» والتي من خلالها تؤكد مجموعة اجتماعية الاحتياجات التي تحتاج إلى المعالجة، أو تسعى إلى احترام قيمة بعض المهمشين أو المستبعدين.. وعلى الرغم من أن بعض المنظرين يخشون أن يكون العمل الجماعي خارج المؤسسات دائماً تعبيراً خطيراً عن اللاعقلانية الجماعية، يوضح هذا الفصل أن السياسات المثيرة للجدل للحركات الاجتماعية البناءة غالباً ما تقدم دروساً لا تقدر بثمن حول الالتزامات الأخلاقية للمواطنة. وأحد أهم هذه الدروس هو أن المعارضة والاحتجاج، وحتى العصيان الجماعي للقانون، يمكن أن تكون تعبيرات مبررة تماماً عن المواطنة الضميرية. ويوضح الفصل أيضاً أن الحركات الاجتماعية هي مجتمعات معقدة ذات اهتمام وعمل تتميز ب«تقسيم العمل». ويشمل هذا العمل (أ) التضحية المادية والنضال السياسي لأولئك الذين يؤكدون بنشاط مطالب العدالة في أنشطة مثل الاعتصامات، أو المسيرات، أو المقاطعات، أو الإضرابات؛ (ب) النقد الاجتماعي الذي ينتجه أشخاص مثل الفلاسفة والمفكرين الدينيين والمؤرخين والفنانين؛ وأخيراً (ج) قيادة أصحاب الرؤى الأخلاقية والمبتكرين الاجتماعيين الذين أصبحوا في العديد من الحركات الاجتماعية رموزاً عامة لقيم الحركات وأهدافها. ويستغرق التغيير البنّاء أحياناً وقتاً طويلاً لأن التنسيق الناجح لكل الأعمال الضرورية للحركات الاجتماعية مهمة شاقة.

  ويبين الفصل الثاني أن العديد من الحركات الاجتماعية قدمت دروساً مهمة حول المؤسسات والممارسات والعادات الذهنية التي تعتبر دعائم أساسية للتعاون الديمقراطي، وقدمت رؤى نقدية حول معايير المناقشة العامة التي من المرجح أن تعزز التواصل الديمقراطي والأسباب التي من المرجح أن تشكل المداولات السياسية الشاملة. تقول الكاتبة: «ساعدتنا هذه الحركات أيضاً على فهم كيف يمكن للأشخاص الذين بدأوا برؤية أنفسهم عاجزين، أن يصبحوا قادرين على ممارسة المواطنة الديمقراطية القوية، وتطوير الثقة بقدرتهم على ممارسة الدور السياسي الفعال وإحساسهم القوي بالسبب الذي يوجب عليهم ممارستها».

  ويوضح الفصل أن الحركات الاجتماعية تساعد في إفساح المجال للعدالة من خلال التأكيد على عقلانية ما يسميه يونغ المفهوم «التواصلي» (أو المفهوم «القائم على المناقشة») للديمقراطية، ومن خلال تقديم أمثلة مقنعة للعمليات التي يمكن من خلالها للنشاط الديمقراطي إنتاج «تحركات» الكرامة التي وصفها مثقفو الحركة مثل مارتن لوثر كينج الابن، وفاتسلاف هافل. ويختتم الفصل الثاني بالتمييز بعناية بين الحركات الاجتماعية التقدمية والتراجعية، موضحاً أن الحركات التراجعية غالباً ما تنشأ كضرب خلفي للحركات التقدمية وغالباً ما تعكس تأثير الشعبوية المعادية للأجانب المدفوعة بالذعر والخوف.

 وتوضح الكاتبة في الفصل الثالث أن «الحركات الاجتماعية قدمت مساهمتين حيويتين للفكر الأخلاقي والسياسي: لقد أظهرت، أولاً، أن الظلم ليس ببساطة «غياب العدالة»، بل هو ظاهرة اجتماعية مميزة للغاية غير قابلة للإضاءة فقط من خلال معاينة تجارب الظلم عن كثب. ثانياً، يتمثل العنصر الأساسي للمعرفة الأخلاقية التي تولدها الحركات الاجتماعية في أن العدالة ليست مجرد مسألة «احترام الأشخاص»، ولكنها تتطلب أيضاً اهتماماً شديداً بتعرض الآخرين للمعاناة. إن الجمع بين الاحترام والاهتمام الرحيم هو ما أسميه الاحترام الإنساني، والظلم يكمن في فشل المجتمع في منح الاحترام الإنساني لجميع من يستحقه».

 الحركات الاجتماعية وقوة الخيال الجماعي 

 تستكشف الفصول التي تشكل الجزء الثاني بعنوان «الحركات الاجتماعية وقوة الخيال الجماعي»، الطرق التي يمكن للحركات الاجتماعية – ويجب عليها – تسخير القوى البناءة للخيال لإفساح المجال للعدالة. ويبدأ الفصل الأول منه بإظهار أن الخيال أمر بالغ الأهمية لعمل الحركات الاجتماعية لأنه يساعد في تكوين مجتمعات سياسية كمجتمعات ذات ذاكرة جمعية وفهم اجتماعي مشترك. وينطلق هذا الفصل من البناء على عمل عالم الأنثروبولوجيا بنديكت أندرسون، ليقول إن المجتمعات السياسية هي «مجتمعات متخيلة».  ويعتمد الفصل أيضاً على حجج الفيلسوف تشارلز تيلور بشأن دور «الخيال الاجتماعي» في تكوين تفاهمات اجتماعية مشتركة وتوليد إجماع حول شرعية المؤسسات والممارسات الأساسية. ويستكشف الفصل بعد ذلك العلاقات المعقدة بين الفن والذاكرة والسياسة من خلال التفكير في تحطيم المعتقدات السياسية للعديد من الحركات الاجتماعية الحديثة.

  ويتناول الفصل الثاني منه دور الخيال المعرفي في تحدي الأشكال اللغوية التي، كما يجادل كينيث بيرك، تختار وتعكس وتحرف جوانب مهمة من الواقع بطرق يحتمل أن تكون غير عادلة. وبمجرد أن نفهم قوة اللغة لتعمل كمرشح عواقب اجتماعية وسياسية، يصبح من الواضح أن الحركات الاجتماعية يجب أن تنخرط أحياناً في النشاط اللغوي إذا أرادت خلق مساحة للعدالة الاجتماعية. ويركز الفصل على ثلاثة أنواع من النشاط اللغوي: المشاريع التي تتضمن تسمية المظالم التي لم تتم تسميتها حتى الآن، والنشاط الذي يساعد في إيجاد لغة لربط الأفعال الظالمة بشكل صحيح بأسبابها وآثارها، والجهود المبذولة لرفض الأشكال اللغوية التي تضفي الشرعية على الظلم.

  وتستكشف المؤلفة الروابط المعقدة بين العدالة والخيال السردي في الفصل الثالث من خلال تأمل طبيعة السرد ودور الخيال في تمكيننا من بناء وتفسير روايات معينة. وتقول عن ذلك: «بالنظر إلى دور السرديات ذات الأهمية الاجتماعية والسياسية، فإن إفساح المجال للعدالة يتطلب أحياناً نشاطاً سردياً يتخذ شكلين رئيسيين: أولاً، غالباً ما يتطلب ما أسميه النشاط السردي التحرري، مثل الذي قام به مؤلفو روايات العبيد ما قبل الحرب في الجنوب الأمريكي. لكن ثانياً، يتطلب الأمر أحياناً جهوداً متضافرة لتصحيح روايات التاريخ التي قد تحجب أو تقمع أو تنكر بنشاط تفاصيل مهمة حول حقائق ووجوه الظلم».  وينظر الفصل أيضاً في المدى الذي يمكن أن يؤدي فيه الفشل في إيجاد تفاهمات مشتركة لتاريخ مشترك إلى ما وصفه لوفيل أندرسون ب «المآزق التأويلية» التي تحد من قدرتنا على تحديد الظلم والاستجابة له.

 أهمية الأمل السياسي 

  يتناول الفصلان اللذان يشكلان الجزء الثالث من الكتاب بعنوان «أهمية الأمل السياسي»، طبيعة ومصادر الأمل كأساس للاستقرار السياسي، ولكن أيضاً كوسيلة لاستدامة أولئك الذين يشاركون في مشاريع ويدعمون حركات اجتماعية بناءة تسعى لتحقيق العدالة. يبدأ الفصل الأول بالنظر في الأهمية السياسية لاستجاباتنا العاطفية التي تقسمها المؤلفة إلى مشاعر عادية، وميول إرادية، وتوجهات عاطفية. يحلل الفصل بعد ذلك مفهوم عالمة الاجتماع آرلي هوشيلد عن «القصة العميقة»، الذي عبّرت عنه في كتابها «غرباء في أرضهم»، كوسيلة لفهم دور الاستجابات العاطفية في النزاعات السياسية الأخيرة. ويستكشف الفصل أيضاً ويدافع عن فهم سبينوزا للترابط الأساسي بين الأمل والخوف، لكنه يجادل بأن هناك طريقة لتوليد أمل سياسي بنّاء مع إمكانية التغلب على الهيمنة السياسية المتوقعة – ولكن غير الحتمية – للخوف الجماعي على الأمل الجماعي. وترى الكاتبة أن بعض العمل الجماعي المدمر – من النوع الذي يشكل العديد من ردود الفعل أو الحركات المضادة في السنوات الأخيرة – يعتمد على محاكاة للأمل وليس على أمل بناء من الناحية السياسية. وتختتم المناقشة بتأملات حول جهود نيلسون مانديلا في عام 1990 لإنقاذ جنوب إفريقيا من الحرب الأهلية، كمثال قوي للأمل السياسي البناء.

 ويختتم الفصل الثاني من هذا الجزء بالقول إن الحركات الاجتماعية الأكثر وضوحاً تسعى إلى تحقيق توازن مستدام بين ثلاثة مشاريع: سياسة موجهة نحو المستقبل للتقدم الاجتماعي المشترك على نطاق واسع، وسياسة حساسة تاريخياً قد تنطوي على مطالبات محددة رجعية للحصول على تعويضات، وسياسة الإصلاح والتعويض الممكن. ويشدد الفصل على أهمية نماذج، مثل مارتن لوثر كينج الابن وفاتسلاف هافيل ونيلسون مانديلا، الذين يجسدون القيم السياسية التي لا يمكن الحفاظ عليها إلا من خلال أمل سياسي موسع وبنّاء من الناحية الاجتماعية. وتقول المؤلفة في الخاتمة: «إن الحفاظ على الأمل الجماعي يعتمد على تنمية وإظهار الفضيلة الديمقراطية للنعمة المدنية، والتي أعني بها الاستعداد لتقديم حسن النية للمواطنين الذين قد لا نلتقي بهم وجهاً لوجه، وحتى للعديد من الأشخاص الأكثر تصميماً في المعارضة السياسية».


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version