إعداد: معن خليل
لطالما عرفت البرازيل بأنها مهووسة بكرة القدم، وتعشق نجوم «المستديرة» بجنون، لكنها نصبت ملكاً على عرش رياضتها لا يضاهيه إلا الملك بيليه.
من هو هذا الرياضي الذي لم يلعب كرة القدم وجعل البرازيل تبكي بأسرها يوم وفاته، وتتذكره سنوياً؟
هو إيرتون سينا سائق الفورمولا واحد الشهير الذي توفي في حلبة ايمولا الإيطالية عندما اصطدم بسيارته بحاجز من الاسمنت عند منعطف «تامبوريللو» وهو منطلق بسرعة 300 كيلومتر في الساعة.
الوفاة التي كانت الحدث الأكثر حزناً في عام 1994 وأطلقت عليها البرازيل تسمية «كارثة وطنية»، وأعلنت الحداد ثلاثة أيام ونظمت لبطلها جنازة هي الأضخم في تاريخها بمشاركة نحو ثلاثة ملايين شخص، مازالت حية في ذاكرة الكثيرين رغم مرور 28 سنة.
في كل عام يتذكر البرازيليون ذكرى سينا، ومنهم لاعبو نادي كورنثيانز البرازيلي لكرة القدم، الذين يرتدون في يوم وفاته، خوذة السائق الراحل المميزة بألوان علم بلاده كونه كان مشجعاً لفريق مدينته ساوباولو.
كتب الكثير من سائقي الفورمولا واحد الحاليين أجمل الكلمات في وصفه، ومنهم البريطاني لويس هاميلتون الذي قال عنه بأنه «كان أسطورة لا تصدق»، أما الإسباني فرناندو ألونسو فأكد «دائماً هو الفائز، إنه خالد».
واللافت أن اعتبار إيرتون سينا كمثال أعلى لا يقتصر فقط على سائقي الفورمولا واحد بل على لاعبي كرة القدم البرازيليين، ومازال العالم يذكر مشهد اللافتة التي حملها أبناء منتخب السامبا بعد فوزهم بلقب مونديال 1994 التي أهدت الإنجاز إلى روح بطلهم في رياضة السيارات، ولقد كان المدافع ليوناردو واضحاً عندما قال «ذكرى سينا هي التي جعلتنا أبطالاً للعالم للمرة الرابعة».
ولا يقتصر حب أسطورة الفورمولا واحد على أبناء جيله من البرازيليين بل يتعداه إلى الجيل الجديد منهم، وكان لافتاً أن نجم كرة القدم البرازيلي نيمار أكد مرة في تصريح له أن أحد مصادر ألهامه في الحياة هو إيرتون سينا.

لكن من هو هذا الأسطورة الذي قال عنه نيكي لاودا السائق النمساوي المعروف باسم «ملك السرعات»، إنه أعظم سائق على مر العصور؟
ولد إيرتون سينا في 21 مارس عام 1960 في مدينة ساوباولو، متحدراً من عائلة ثرية، ولقد أحب منذ صغره سباقات السيارات إذ كان يلعب بالمحركات المعطلة الموجودة في مرأب جده وهذا ما دفع والده إلى إحضار مدرب محترف ليعلمه القيادة.
في سن الثالثة عشرة من عمره شارك سينا في موسم كامل لسباق السيارات ونال لقب البطولة المحلية للكارتينغ، ومن ثم لقب بطل أمريكا الجنوبية، وفي عام 1978 بدأ يشارك في سباقات مختلفة، ومن ثم سافر إلى إنجلترا وشارك في سباقات المقعد الأحادي وتمكن من الفوز عام 1983 ببطولة «بريطانيا للفورمولا 3» ونال لقب سائق الموسم بعد فوزه في 12 سباقاً من أصل 20، وهو ما أهله بعد سنة واحدة للمشاركة في بطولة العالم للفورمولا واحد مع فريق متواضع هو «تولمان»، إلا أن الفتى البرازيلي المغامر أدهش الجميع وهو في سن الرابعة والعشرين من عمره عندما حل في المركز الثاني لجائزة موناكو الكبرى، ومن ثم صعد إلى منصة التتويج ثالثاً في جائزتي بريطانيا والبرتغال.

أصبح اسم إيرتون سينا يتداول بالنظر إلى أفعاله الخارقة في القيادة، لاسيما عندما تكون الأرض مبتلة بالماء، ففي سباق جائزة جنوب إفريقيا نجح في حصد المركز الثاني بعد أن كان منطلقاً من المركز الثالث عشر، وقد تجاوز الأسطورة النمساوية السابق نيكي لاودا، وفعل ذلك ببساطة لأن الآخرين لم يكونوا يعشقون المغامرة مثله.
استفاد إيرتون سينا في سباق جنوب إفريقيا من الأمطار الغزيرة التي هطلت على الحلبة والتي أدت إلى انسحاب عدد من المتسابقين لخطورة الموقف، حينها عرف العالم أن قدرة النجم البرازيلي في القيادة تحت المطر تفوق الخيال.
تأكد هذا الخيال في قصة انتصاره المثير فوق حلبة «دونينغتون بارك» وسط أمطار غزيرة عام 1993 حيث تفوق على سيارة الويليامز العالية التقنية التي كان يقودها بطلان هما بروست والبريطاني دايمون هيل، وعلى الرغم من أنه انطلق من المركز الخامس لكنه تمكن بفضل مهارته من احتلال المركز الأول قبل نهاية أول لفة من السباق.
تحول إيرتون سينا ليكون سائقاً لفريق «لوتس» وقد حقق معه ستة انتصارات، قبل أن ينتقل إلى فريق أقوى هو «ماكلارين» عام 1988 الذي عاش معه قصة أعظم صراع في تاريخ الفورمولا في مواجهة زميله في الفريق البطل الفرنسي آلان بروست.
في ذلك العام استعرض سينا وبروست أداءهما الرائع ليفوزا بخمسة عشر سباقاً من أصل ستة عشر، لكن الغلبة في نهاية الموسم كانت للسائق البرازيلي الذي توج بأول لقب في تاريخه.
استطاع آلان بروست الثأر في عام 1989 ونال اللقب، قبل أن يفك شراكته مع سينا بالانتقال إلى فريق «سكوداريا فيراري» دون أن يحقق نجاحات تذكر فحل ثانياً عام 1990 وخامساً عام 1991، وهما العامان اللذان شهدا اللقبين الثاني والثالث للبطل البرازيلي مع «مكلارين».
ومع انتقال بروست إلى فريق «ويليامز» عام 1993 استطاع نيل اللقب مجدداً تاركاً المركز الثاني لإيرتون سينا، الذي عاد وخلف «منافسه اللدود» في نفس الفريق بعد إعلان اعتزاله، إلا أن سعادة أسطورة البرازيل بفريقه الجديد الذي كان يطمح من خلاله للعودة لمنصة التتويج لم تدم طويلاً بعدما تعرض لحادث مميت في جائزة سان مارينو الكبرى على حلبة ايمولا، عندما تسبب أحد المنعطفات الخطيرة في فقدانه السيطرة على سيارته ليصطدم بسور الحماية ويلقى مصرعه.

مات إيرتون سينا في سن الثالثة والثلاثين من عمره محققاً 41 فوزاً وثلاث بطولات عالمية و65 انطلاقة من المركز الأول وتوج كأسرع متسابق 19 مرة خلال خوضه 161 سباقاً، كما صعد 80 مرة لمنصات التتويج (المراكز الثلاثة الأولى)، وأحرز 610 نقاط ونال جائزة أسرع لفة 19 مرة.
يرى الكثيرون أن سينا كان من أعظم السائقين في كل الأزمنة حتى موته، يستندون في ذلك إلى أن سيطرته على عالم الفورمولا واحد كانت واضحة جداً، وهو حتى الأول من مايو 1994 تاريخ وفاته فاز بـ41 سباقاً، أي أن سائقاً واحداً قد سبقه حينها هو بروست، قبل أن يأتي الألماني مايكل شوماخر مع فريقه فيراري وينتزع المبادرة لاحقاً.
ومهما يكن فان سينا عاش من أجل الفورمولا واحد ومات فوق حلبتها، ولقد أحدث تغييراً فيها. وحتى لو رأى البعض أنه لم يكن في الكثير من الأحيان نحو الأفضل، فهو أدخل تكتيكات كانت غريبة على الرياضة لأنها كانت مضرة وخطرة لها، فقد أخرج سائقين من الحلبة مثلما فعل مع بروست في سباق جائزة اليابان عام 1990 ليضمن البطولة لنفسه.
كان هنالك الكثير من السائقين الذين شكلوا خطراً على أنفسهم قبل سينا، وفي بعض الأحيان دفعوا حياتهم ثمناً لذلك، ولكن ربما كان سينا أول سائق يشكل خطراً على منافسيه.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version