عادي

26 أغسطس 2022

11:02 صباحا

إعداد: معن خليل
تحفل كرة القدم بالظواهر الغريبة، ومنها أن يكون شخص واحد مدرباً لفريقين في نفس الوقت، أو مدرباً وحكماً في نفس البطولة، أو مدرباً لفريقين وصلا إلى نهائي الكأس، قد يكون الأمر غريباً، لكن حصل بالفعل، ولنتذكر أبرز هذه الظواهر:
يعد الهولندي جوس هيدنيك حالة استثنائية في هذه المفارقة، بعدما أشرف على تدريب فريقين في وقت واحد؛ حيث قاد منتخب روسيا ونادي تشيلسي الإنجليزي في مفارقة كررها مرتين، عندما كان أشرف سابقاً على منتخب أستراليا، ونادي ايندهوفن الهولندي معاً.
حالة هيدنيك لم تكن غريبة في هذا المجال فلقد سبقه إلى خوض هذه الازدواجية عدة مدربين، إلا أن ما ميز المدرب الهولندي عن غيره أنه كان ناجحاً إلى أبعد الحدود في الجمع بين تدريب فريقين، بعدما حقق إنجازات وقفزات فنية معهما في حين فشل الكثير من المدربين في المهمتين.
وإذا كان قيل قديماً إن «صاحب البالين كذاب»، فإن المقولة لا تصح كثيراً على المدربين الذين يجمعون بين تدريب فريقين، لأن بعضهم نجح، وبعضهم الآخر أصابهم عدم التوفيق، لتشتت مجهودهم، وتأثير الفشل في مهمة على الأخرى.
ويلجأ القيمون على المنتخبات الوطنية عادة إلى فكرة تعيين مدرب بنظام الإعارة، بعد نجاحه في مهمة مع فريقه الذي يكون في الأغلب من نفس البلد، وكان لافتاً أن هذه الظاهرة عرفتها كرة القدم العربية أكثر من غيرها، وبقيت استثنائية في أوروبا خصوصاً، ماعدا بعض الفترات التي تعود إلى بدايات اللعبة، وعدم دخولها الجدي عالم الاحتراف.
شخصية المدرب
والنجاح في الجمع بين مهمتين ليس مضموناً دائماً، ويعود إلى شخصية المدرب نفسه؛ لذلك فإن الإيطالي فابيو كابيللو رفض أن يكون مدرباً لتشيلسي وفي نفس الوقت مدرباً لمنتخب إنجلترا، وكانت له فلسفته في هذا الأمر، عندما قال «تدريب المنتخب والنادي هما وظيفتان تختلفان تماماً، فمدرب النادي يمكنه تغيير نمط خططه في فترة زمنية قصيرة، لأنه يكون على تماس يومي مع اللاعبين، ويتحدث معهم عن مشاكلهم، أما في المنتخب فالأمر يختلف، فإذا أردت التغيير في وقت قصير فإنه يكون صعباً لأن اللقاء باللاعبين يكون على فترات، وأعرف أن هيدنيك كان له تجربة ناجحة في هذا المجال، لكن ما أريد قوله إن شخصية المدرب هي العامل الحاسم في هذه القضية».
وإذا كانت حالات الجمع شهدت نجاحاً ملموساً أوروبياً فإنها لم تكن كذلك عربياً على وجه الخصوص، إذ إنها كثيراً ما انتهت بإقالة المدرب من المنصبين.
وتختلف حالات الجمع بين مهمتين عند المدربين، فهي إما أن تكون لتدريب فريقين في نفس الوقت، أو للقيام بمهمة مدرب ولاعب أو مدرب وحكم ومدرب وإداري.
مؤسس ولاعب ومدرب
ويعد الإنجليزي هيربرت كيلبين حالة استثنائية في ظاهرة الازدواجية، فقد لعب لنادي إنتر ميلان الإيطالي في عام 1890، وقرر عام 1899 مع بعض أصدقائه تأسيس نادي ميلان فلعب في صفوفه ودربه في نفس الوقت، ليكون بذلك أول شخصية في كرة القدم يكون مؤسساً ولاعباً ومدرباً في نفس الوقت.
أما الايطالي فيتوريو بوزو الذي اشتهر بلقب «السيد العجوز» فكان أول من أشرف على فريقين في نفس الوقت.
بدأ بوزوحياته في تدريب نادي تورينو من عام 1912 حتى عام 1924؛ حيث كان مسيطراً على أجواء الكرة الإيطالية، وفي تلك الفترة أسندت إليه مهام تدريب المنتخب الأولمبي، وقاده في أولمبياد استوكهولم عام 1912 إلى جانب تدريبه لتورينو.
ومن ثم عمل بوزو مدرباً لنادي ميلان من عام 1924 إلى عام 1926 ودرب منتخب إيطاليا الأول في نفس الوقت، إلا أنه لم ينجح في المزج بين الوظيفتين وكاد ميلان يسقط إلى الدرجة الثانية؛ وذلك لعدم تركيز المدرب التام في عمله؛ لذلك قرر ترك ميلان والتفرغ للمنتخب؛ حيث قاده بعد ذلك إلى لقبي مونديالي 1934 و1938 واستمر مدرباً لـ«الأزوري» حتى عام 1948.
نكهة هولندية
أوروبياً، يبقى نجاح الازدواجية في التدريب له نكهة هولندية، بعدما سبق لرينوس ميشليز المعروف بلقبي «الجنرال وأستاذ الكرة الشاملة» أن قاد برشلونة عام 1974 للقب الدوري الإسباني ثم عمل قبل انتهاء عقده مع منتخب هولندا؛ حيث قاده إلى المباراة النهائية لكأس العالم في نفس العام قبل أن يخسر أمام الدولة المنظمة ألمانيا الغربية.
أما جوس هيدنيك فإن النجاح كان يلاحقه أينما حل حتى ولو قاد فريقه عن طريق «التلفون»، ففي مونديال 2006 عانت أستراليا في التصفيات؛ لذلك قررت الاستعاضة عن مدربها فرانك فارينا بآخر هو الهولندي هيدنيك الذي أصر أن يشمل عقده الجمع بين تدريب أستراليا ونادي ايندهوفن.
عرف هيدنيك بحنكة كبيرة وتمكن من النجاح في الازدواجية وقد استطاع أن يؤهل أستراليا إلى كأس العالم، بعد فوزها في مباراة الملحق على أوروجواي، وفي نفس الوقت قاد ايندهوفن إلى لقب الدوري الهولندي.
وخلال فترة تدريبه لفريقين، لقي هيدنيك الكثير من الانتقادات من الصحافة الأسترالية، على اعتبار انه أعطى الجزء الأكبر لايندهوفن من الاهتمام، حتى إنه لم يجد وقتاً للسفر إلى سيدني لحضور المؤتمر الصحفي لإعلان قائمة المنتخب الأسترالي المشارك في المونديال، وترك المهمة لمساعده غراهام أرنولد.
لكن هيدنيك استطاع إسكات جميع منتقديه عندما قاد أستراليا إلى الدور الثاني في المونديال للمرة الأولى في تاريخها، وكانت مرشحة للتأهل إلى الأدوار المتقدمة قبل أن تخسر أمام إيطاليا بصعوبة بالغة.
ومن المفارقات أيضاً أن المنتخب الروسي أعلن تعيين هيدنيك مدرباً له في نفس الوقت الذي كان يشرف فيه على تدريب أستراليا وايندهوفن، لكن مهمته الرسمية مع الروس كانت ستبدأ بعد نهاية مونديال 2006.
وبدأ هيدنيك بتدريب روسيا في سبتمبر/ أيلول 2006 وحقق معها قفزة نوعية عندما أهلها إلى نهائيات يورو 2008 على حساب إنجلترا ومن ثم قادها إلى نصف نهائي البطولة، وهذا ماجعل نادي تشلسي الإنجليزي يعينه مدرباً له في منتصف الموسم، بديلاً للبرازيلي سكولاري وبنظام الإعارة لمدة 3 أشهر؛ حيث كان هيدنيك يدرب تشيلسي وفي نفس الوقت يقود روسيا في بعض مبارياتها في تصفيات مونديال 2010.
وعندما كان يواجه هيدنيك بالانتقادات كان يؤكد أنه سينجح في المهمتين، وقال مرة: «تدريبي لروسيا لن يتعارض مع مهمتي في تشيلسي لأن مباريات الدوري تتوقف تماماً في أوقات اللقاءات الدولية الرسمية، ولقد واجهت نفس الموقف مع أستراليا وأنا ملم تماماً بمتطلبات العمل في وضعية استلام مهمتين في ذات التوقيت».
وسبق لعلي دائي أن درب منتخب إيران وفريق سابا باتري في نفس الوقت، إلا أن نجاحه مع سابا باتري لم ينعكس بالضرورة كذلك مع منتخب إيران فتمت إقالته قبل أن يستكمل عقده.
ومن الحالات الغريبة في عملية الازدواجية ان سيزار رودريغيز كان مدرباً لنادي برشلونة الإسباني بين عامي 1963 و1965 وفي نفس الوقت لاعباً لنادي التشي.
مدرب فريقي النهائي
عربياً، يعد جاسم سلمان المعاودة حالة خاصة بعدما أصبح أول مدرب في العالم يجمع بين تدريب فريقين في نفس البلد والبطولة.
ففي الدوري البحريني وعام 1958 التقى ناديا المحرق والنسور ( الأهلي حالياً) في ختام البطولة من دون وجود مدربهما الأصلي على اعتبار أن جاسم المعاودة كان يدرب الفريقين معاً، ووقف في اللقاء الأخيرعلى الحياد، والمفارقة أنه نجح في إيصال المحرق إلى المركز الأول والنسور إلى الوصافة.
أما العراقي قاسم أبوحمرة فلقد هاجر إلى السويد، ووجد نفسه مدرباً لحراس مرمى فريقين في نفس الوقت، لكن في فئتين مختلفتين.
ويروي أبو حمرة قصته: خلال إحدى المباريات تعرفت إلى المدرب السابق لمنتخب السويد للسيدات وعرض عليَّ تدريب حارسات مرمى نادي أوريرو فوافقت، لكن بعد مدة جاءني رئيس نادي بي كي قورورد وهو أحد أندية الدرجة الأولى للرجال وعرض عليَّ العمل مع فريقه فرفض مدرب الفريق النسوي تركي وتمسك رئيس فرق الرجال بي وبعد مفاوضات استطعت أن أصل إلى صيغة تقوم على إرضاء الطرفين، لكن الأمر لم يكن سهلاً عليَّ؛ حيث أقود وحدتين تدريبتين في اليوم وفي منطقتين مختلفتين، كما اضطر إلى السفر مع الفريقين خلال المباريات.
وتكثر حكايات مدربي الازدواجية؛ حيث سبق للاتحاد العراقي لكرة القدم أن استعار من نادي الفيصلي الأردني مدربه عدنان حمد وعينه مدرباً لمنتخب العراق، ليقود الأخير في تصفيات المرحلة الآسيوية الثالثة من مونديال 2010.
ويعد محمد عبد الله مازدا من المدربين الذين أشرفوا على تدريب فريق المريخ ومنتخب السودان في نفس الوقت وفي أكثر من مناسبة.
وكان مازدا دائماً ما يختار إما أن يكون مدرباً للمنتخب السوداني أو مساعداً للمدرب الأجنبي الذي يتم التعاقد معه، إلا أنه في نفس الوقت يكمل مهامه مع المريخ مدرباً أصيلاً أو مساعداً
ودخل الكراوتي روديون غاسنين تاريخ الكرة الكويتية بعدما عين مدرباً للمنتخب الكويتي بدوام جزئي في تصفيات مونديال 2010، وقد درب فريقين في نفس التوقيت؛ حيث قاد نادي الكويت ومنتخب الكويت خلال مباريات متقاربة لهما.
وتعد الكويت من الدول العربية التي تعتمد على مدربي الأندية، وقد سبق لها أن عينت التشيكي ميلان ماتشالا مدرباً للمنتخب عام 1996 على سبيل الإعارة من كاظمة، وتكرر نفس الأمر مع محمد إبراهيم الذي عين في 3 يونيو/ تموز عام 2008 مدرباً لمنتخب الكويت بعقد إعارة من نادي القادسية وقاد الأزرق في مباراتي سوريا والإمارات في تصفيات مونديال 2010، ومن ثم حدثت مفارقة غريبة عندما قرر اتحاد الكويت لكرة القدم استعارته في 15 أكتوبر/ تشرين الأول 2010 لمباراة واحدة للمنتخب يخوضها أمام إيران في اعتزال اللاعب السابق جاسم يعقوب، كما تمت استعارته من نادي القادسية من 1 ديسمبر/ كانون الأول إلى 1 فبراير/ شباط لقيادة منتخب الكويت في خليجي 19 التي أقيمت في عمان.
مدرب وحكم
في نظرة تاريخية إلى الازدواجية في الوظيفة للمدربين، فإنه يمكن ملاحظة ما فعله هوجو جروندونا في بطولة أمريكا الجنوبية عامي 1916 و1917 حين كان مدرباً لمنتخب الأرجنتين وحكماً معتمداً في نفس الوقت، وعندما منع من الجمع بين المنصبين اختار التحكيم لتبقى الأرجنتين من دون مدرب يقودها على دكة الاحتياط طوال فترة البطولة؛ حيث كان جروندونا يضع خطته قبل المباراة، ويتابع المجريات من المدرجات.
وتبدو بطولة أمريكا الجنوبية التي أُطلق عليها «كوبا أمريكا» لاحقاً غريبة في كل شيء، لأن قصة جروندونا تكررت مع كارلوس فانتا مدرب تشيلي الذي كان حكماً أيضاً في بطولة 1916؛ لذلك بقي منتخب بلاده من دون مدرب في تلك النسخة.
ويعد كارلوس فانتا أحد أبرز الحكام في تاريخ بطولة أمريكا الجنوبية وهو الوحيد الذي قاد 4 مباريات في نسخة 1916، وفي نسخة 1917 قاد مباراتين إلا أنه ترك مهمة الإشراف على تشيلي خلال المنافسات إلى مساعده.

https://tinyurl.com/mtjz7jtm

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version