لم يكن غورباتشوف، خريج النظام الشيوعي، ليتصور أنه سيغير وجه العالم من خلال قضائه على الاتحاد السوفييتي، وإن بغير قصد، ما أكسبه احتراماً كبيراً في الغرب، بينما ينظر الروس إليه بمرارة.

عندما صعد غورباتشوف إلى سدة الحكم في 11 آذار/مارس 1985 كان في سن الرابعة والخمسين، وهو يعتبر صغير السن بالنسبة إلى الديناصورات في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي. فقد قضى الموت بسرعة وخلال 3 سنوات على كل الرؤوس القيادية من ليونيد بريجنيف إلى يوري أندروبوف وقسطنطين تشيرنينكو وسوسلوف وكلهم توفوا جراء الهرم.

كان غورباتشوف مدركاً أن الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ستتفاقم، فأطلق برنامجي «بريسترويكا» و«غلاسنوست» لإصلاح النظام السوفييتي والحد من نفوذ الحرس القديم في الحزب الشيوعي.

فبات ملايين السوفييت يتمتعون بحريات غير مسبوقة، لكنهم عانوا أيضاً نقصاً في السلع، وفوضى اقتصادية، وحركات قومية قضت على الاتحاد السوفييتي، وهو أمر لم يغفره له الكثير من مواطنيه. وقال غورباتشوف لوكالة فرانس برس في كانون الثاني/يناير 2011 «بطبيعة الحال أنا نادم على أشياء، ارتكبت أخطاء كبيرة».

فخلال فترة حكمه حصلت تجاوزات، فدخلت الدبابات السوفييتية إلى ليتوانيا، وقمع المتظاهرون السلميون في جورجيا، وفي 1986 وقعت كارثة تشرنوبيل النووية التي بقيت طي التكمان لمدة أيام، ما ساهم في تعريض مئات آلاف الأشخاص لتلوث إشعاعي.

وكان رحيل غورباتشوف عن السلطة مهيناً بعض الشيء.

عند انتخاب بوريس يلتسين بالاقتراع العام رئيساً لروسيا السوفييتية في حزيران/يونيو 1991 حاول غورباتشوف إنقاذ الاتحاد السوفييتي باقتراحه حكماً ذاتياً داخلياً واسعاً. إلا أن المشروع فشل في 19 آب/أغسطس 1991 عندما حاول التيار المتشدد في الحزب إطاحته، إلا أن يلتسين، خصم غورباتشوف اللدود، كان المقاوم الأكبر لمحاولة الانقلاب الفاشلة هذه.

وانهار الاتحاد السوفييتي المتعثر أساساً، في كانون الأول/ديسمبر مع إعلان بيلاروسيا وأوكرانيا أن الاتحاد السوفييتي «لم يعد موجوداً». واستتبع ذلك إعلان غورباتشوف استقالته في 25 كانون الأول/ديسمبر.

وتقول المؤرخة إيرينا كاراتسوبا «كان رجلاً سياسياً عفوياً، لم يفكر أبداً بالتداعيات، أراد غورباتشوف تغيير كل شيء من دون أن يغير شيئاً في الجوهر». وأضافت «انهارت الاشتراكية ذات الطابع الإنساني سريعاً عندما انهارت أسعار النفط وخسر (الروس) الحرب الباردة. ستطرح تساؤلات كثيرة حول لغز غورباتشوف حول ما إذا كان قادراً على التحكم به وخلاف ذلك».

وتعاطف الروس معه فقط في العام 1999 عندما توفيت زوجته رائيسا بعد إصابتها بسرطان الدم. وكان غورباتشوف لا يتردد خلافاً للعادات الروسية، في التعبير علناً عن حبه لزوجته التي عرفت بأناقتها. ويرى الكاتب والمصور يوري روست أن غورباتشيف كان «أكثر الزعماء إيجابية» في روسيا، لأنه سعى إلى جعل هذا البلد يثير «الاحترام» بدلاً من «الخوف».

لكن ما من شيء كان يشير إلى أن غورباتشوف سيحظى بهذه المسيرة الخارجة عن المألوف.

وهو روى أنه نشأ «في قرية لا كهرباء فيها ولا جهاز راديو» وانتقل في سن التاسعة عشرة إلى موسكو بعدما كان يقود حصادة قمح في بلدته و«استقل للمرة الأولى القطار» للتوجه إلى الجامعة.

وخلال دراسته القانون انخرط في الحركة الطلابية للحزب الشيوعي المعروفة باسم «كومسومول». ولدى عودته إلى سيفروبول عمل بدوام كامل في هذه المنظمة، وبرز سريعاً في الفرع المحلي للحزب الشيوعي.

ولفت أنظار يوري أندروبوف الذي كان يومها مديراً لجهاز الاستخبارات السوفييتية (كيه جي بي) فنقله إلى موسكو في 1978 حيث انضم إلى اللجنة المركزية في الحزب الشيوعي قبل أن يصبح الزعيم الأخير للاتحاد السوفييتي.

ومنذ مغادرته السلطة انخرط غورباتشيف في الدفاع عن البيئة وأنشأ مؤسسة غورباتشوف المكرسة للدراسات الاجتماعية الاقتصادية. في العام 1996 ترشح للانتخابات الرئاسية في مواجهة يلتسين لكنه لم يحصل إلا على 0,5 % من الأصوات.

ومع تراجع صحته تدريجياً، وابتعاده في السنوات الأخيرة عن الساحة العامة، أعرب عن بعض الندم وأقر ببعض الأخطاء. (وكالات)


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version