بغداد: زيدان الربيعي
أثبتت الأزمة السياسية والأمنية الأخيرة التي حدثت في العراق خلال اليومين الأخيرين من الشهر الماضي، غياب أي تأثير للحرس القديم للعملية السياسية في العراق التي أسسها الحاكم المدني الأمريكي السابق للعراق بول بريمر، إذ كثرت المبادرات التي أطلقها زعماء الكتل السياسية والنيابية والأحزاب وممن تولوا الكثير من المناصب المهمة في العراق، لكن أية مبادرة من مبادراتهم لم تجد أي صدى عند أطراف الخلاف الذي تحوّل في النهاية إلى نزاع خطير جداً سقط على أثره العشرات من القتلى والجرحى، وكاد يتسبب بدخول العراق بحرب أهلية طاحنة لن يفلت من نيرانها أي طرف.
إن هذه الحقيقة بات يدركها جميع المتابعين للشأن العراقي، إذ لم يعد هناك أي تأثير وطني لأي شخصية عراقية كان لها دور في تأسيس أو بناء هذا النظام السياسي الذي بات مهترئاً، إلا أن قادة الحرس القديم للنظام السياسي في العراق يرفضون هذه الحقيقة ويصرون على التمسك بوجودهم في الساحة السياسية، وكذلك باعتقادهم ووهمهم بأنهم يستطيعون معالجة الأزمة الحالية، والأزمات اللاحقة، لكن الواقع يكذّب ذلك الاعتقاد.
إن المطلوب من الحرس القديم للعملية السياسية في الوقت الراهن الاعتراف بفشلهم الكبير والذريع في قيادة البلد، والكثير منهم قد أكد ذلك في مقابلات تلفزيونية أجريت معهم في السنوات السابقة، وهذا الاعتراف يجب أن يعزّزوه بخطوة أخرى هي أفضل لهم، وكذلك أفضل للشعب العراقي برمته، وهذه الخطوة تتمثل بابتعادهم عن المشهد السياسي بأكمله، وبإمكان العقول الشابة الموجودة في البلد أن تبادر وتنطلق بمشروع سياسي جديد، يمكن أن يقود البلد إلى بر الأمان، ويجعله يعيش حالة من الاستقرار السياسي والأمني، فضلاً عن حصول تطور في مجالات الاقتصاد والأعمار والخدمات المختلفة.
في هذه المرحلة، تبدو عقلية الشباب العراقي أفضل بكثير من عقلية بعض كهول العملية السياسية، لأن هؤلاء الشباب قد تخلصوا من الكثير من العقد والأوهام التي لم تزل «معشّشة» في أذهان الحرس القديم، وبالتالي باستطاعة الشباب وأغلبهم يحملون شهادات دراسية عليا، وبعضهم اطّلعَ على تجارب العالم الآخر سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وبإمكانهم نقل تلك التجارب إلى العراق وتطبيقها.
ومن هذا المنطلق، يجب على النخب الشابة في العراق أن تقوم بالتصدي إلى العمل السياسي الوطني الحقيقي الذي يجعل مصلحة العراق والعراقيين الهدف الأسمى لهذه النخب، وبعكس ذلك ستبقى أفكار الحرس القديم قائمة، مع يقين الجميع بأن تلك الأفكار لن تجعل البلد يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، لأنها تعيش صراعات مختلفة فيما بينها، وكل شخصية لها حلفاء وخصوم، فضلاً عن ذلك غالبية شخصيات الحرس القديم تؤمن بما يسمّى «المؤامرة»، حيث تعتقد أن الجميع يتآمر عليها، وهذا الاعتقاد يجعلها تفقد الثقة بالآخرين، وبفقدان الثقة لن ينجح أي عمل مهما كان بسيطاً.