كتب – المحرر السياسي

مرت ستة أشهر منذ أن شنت روسيا عمليتها الخاصة في أوكرانيا، وهو أمر صدم العالم وأثار ردود فعل عالمية. وكان يُنظر على نطاق واسع إلى أن روسيا كانت تستعد لتحقيق نصر سريع في أوكرانيا، ولكن سرعان ما تبخرت الآمال في الإطاحة بسرعة بحكومة فولوديمير زيلينسكي الموالية للغرب.

بعد مرور ستة أشهر، يتوقع العديد من المحللين أن يكون الصراع «حرب استنزاف» طاحنة وطويلة، تتسبب في انتشار الضحايا والدمار والنزوح في أوكرانيا، إذ أدت بالفعل إلى تكبد البلاد كمّاً ضخماً من الخسائر، في حين كانت حرباً مكلفة جداً لروسيا.

ولم تكن الحرب بمثابة مفاجأة لحلفاء روسيا المقربين، فمع نشر أكثر من 100 ألف جندي على طول الحدود مع أوكرانيا، كان ذلك بمثابة مواجهة وشيكة بين الطرفين، على الرغم من أن موسكو قالت إنها لا تريد الغزو.

وبعد شهر من الحرب التي بدأت في ال 24 من فبراير، اضطرت روسيا إلى تغيير استراتيجياتها بعد أن وجدت أن شن هجمات على العاصمة الأوكرانية كييف من الشمال والشرق والجنوب دفعةً واحدة كان مكلفاً لقواتها، وسط المقاومة الأوكرانية الشديدة.

وفي أواخر مارس، قال الكرملين إنه سيركز على تحرير إقليم دونباس في شرق أوكرانيا، حيث توجد منطقتان انفصاليتان مواليتان لروسيا في لوهانسك ودونيتسك، وتزامن ذلك مع هدف محاولة تعزيز تقدم قواتها على طول الساحل الجنوبي لأوكرانيا، وفرض السيطرة على موانئ «ماريوبول» و«ميليتوبول» و«خيرسون» بدرجات متفاوتة، فضلاً عن جزيرة الثعبان الاستراتيجية في البحر الأسود الاستراتيجي.

ومع ذلك، فقد تغيّر الزمن، وبينما تعتبر سيطرة روسيا على دونباس مستقرة نسبياً، فإن سيطرتها على جنوب أوكرانيا يبدو أقل استقراراً إلى حد ما.

وانسحبت القوات الروسية في الأشهر الأخيرة من جزيرة الثعبان، وهي تتعرض أيضاً إلى عدد متزايد من الضربات الأوكرانية، في ما يمكن أن يكون بداية هجوم مضاد من قبل قوات كييف لاستعادة الأراضي التي خسرتها في الجنوب.ماذا بعد؟

وتم استئناف شحن صادرات الحبوب من موانئ أوكرانية أخرى، وذلك بموجب اتفاق توسطت فيه الأمم المتحدة وتركيا بين موسكو وكييف، الأمر الذي أنهى الحصار الروسي المستمر منذ أشهر.

وفي الحديث عن وصول الحرب بين روسيا وأوكرانيا إلى طريق مسدود، وعدم تحقيق أي من الجانبين أي تقدم يذكر، يتساءل المحللون عما سيحدث خلال الأشهر الستة المقبلة مع حلول الخريف.

يقول ماكس هيس، الزميل في معهد أبحاث السياسة الخارجية، ومقره الولايات المتحدة، إن التوقعات من المرجح أن تشبه المستنقع الموحل، مع عدم قدرة أي من الجانبين على إحراز تقدم، وعدم وجود زخم للعودة إلى مفاوضات وقف إطلاق النار بعد فشل المحادثات في وقت سابق من هذا العام.

وأوضح: «أعتقد أن الأمر سيتحوّل إلى مستنقع موحل مع حلول فصل الشتاء لا سيما في بيئة الصقيع»، مضيفاً أن الغرب يحتاج إلى البدء في النظر بإمكانية تغيّر الحدود الإقليمية في أوكرانيا بنحو أسوأ مما حدث بعد عام 2014، عندما ضمت روسيا شبه جزيرة القرم إلى أراضيها، وألقت بثقلها لمؤازرة القوات الانفصالية الموالية لروسيا التي تقاتل جيش كييف في شرق أوكرانيا.

وعلى الرغم من التوسع الإقليمي، فإن هيس وصف هذا التقدم بأنه انتصار باهظ الثمن للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، مشيراً إلى المصطلح المستخدم للنجاح الذي يأتي بخسائر كبيرة. ذلك لأن الاختلاف في هذا الموقف هو أن الجيش الروسي حالياً ملتزم بالكامل بالقتال، ومع ذلك فقد انتهى به الأمر في نفس الموقف الاستراتيجي الذي كان عليه عندما كانت القوات المؤيدة لموسكو تقاتل في شرق أوكرانيا.

هجرة الشتاء

ويبدو أن فصل الشتاء سيكون لاعباً استراتيجياً في إدارة الحرب، إذ إن أوكرانيا قلقة بالفعل بشأن القضايا الإنسانية، لأنه لا توجد مصادر طاقة كافية لتدفئة المباني السكنية في مقاطعة دونيتسك ومناطق الخطوط الأمامية الأخرى. وتوقع أحد المسؤولين في المجال الإنساني أن تكون هناك موجة جديدة من الهجرة في الشتاء، حيث من المتوقع أن يعبر مليونا شخص الحدود إلى بولندا.

فيما أن الروس يعتبرون الشتاء فرصة، إذ تخشى أوكرانيا من أن تستهدف موسكو شبكة الطاقة الخاصة بها، مما يجعل معضلة التدفئة أكثر حدّة، ويمكن ببساطة إيقاف تشغيل محطة الطاقة النووية «زابوروجيا» على ضفاف نهر الدنيبر، ويبدو أن موسكو تريد إطالة أمد آلام الغرب بشأن تكاليف الطاقة، ولديها كل الحوافز لزيادة الضغط.

وفيما يأمل البعض في النخبة الروسية أن يتحرك بوتين لإنهاء الحرب، وفقاً لأحد رجال الأعمال البارزين في موسكو، إلا أن دائرة من الأنصار تريد من الرئيس الروسي أن يذهب إلى أبعد من ذلك، حيث أدى مقتل الصحفية الروسية داريا دوغين، ابنة المفكر ألكسندر دوغين، إلى زيادة حدة المشاعر المتشددة بين النخبة الروسية التي يبدو الآن أنها تدعم استراتيجية بوتين في أوكرانيا.

وكانت أوكرانيا ستهزم من دون المساعدة العسكرية الغربية، إلا أن الغرب لم يزودها بما يكفي من المدفعية أو غيرها من الأسلحة، مثل الطائرات المقاتلة، التي من شأنها أن تسمح لكييف بدفع الجنود الروس إلى الخلف. وفي حين أن السياسيين يتحدثون عن ضرورة إجبار روسيا إلى التراجع إلى حدود ما قبل الحرب، إلا أنهم لم يقدموا العتاد الحربي الكافي للقيام بذلك.

وفي الوقت نفسه، تتزايد الاحتياجات الإنسانية للأوكرانيين، فعلى سبيل المثال، لا يوجد مصدر كافٍ من الأموال لإعادة الإعمار، في حين لا تزال العديد من المنازل في شمال شرق وشمال غرب كييف مدمرة بعد خمسة أشهر من مغادرة الروس، ولا يزال سكان هذه المناطق يعيشون في مبان مؤقتة.


شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version